الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المعجزة الأولمبية

المعجزة الأولمبية
المعجزة الأولمبية


قبل أن نتعجل جلد بعثتنا الأولمبية، وقبل أن نواصل جلد أنفسنا - على أسباب رياضية هذه المرة - علينا أن نقر بعض الحقائق المهمة فيما يتعلق بالمنافسات الرياضية، خاصة فى إطار الدورات الأولمبية التى لا يتأهل لها إلا لاعبون هم نخبة النخبة من الرياضيين القادمين من كل ركن وزاوية فى الأرض للمنافسة على لقب الأقوى والأسرع والأعلى.

صحيح أن بعثة مصر لم تحقق فى أولمبياد ريو 2016 النتائج التى نتمناها، وكم يتمنى كل وطنى غيور ومتحمس أن تحصد بلاده كل الألقاب وكل الكؤوس وكل الميداليات فى العالم، ولم تحقق النتائج المتوقعة منها، لكننى أرى أن المتوقع من الرياضيين المصريين ليس منصفا بما فيه الكفاية.
فإلى جانب الفساد الإدارى فى الاتحادات الرياضية، وإلى جانب ضآلة الإنفاق على قطاع الرياضة بشكل عام، وتهالك البنية الأساسية لهذا القطاع على مدار سنوات طويلة من الإهمال، فهناك خطر حقيقى يتسبب فيه تآكل القاعدة الرياضية المصرية لأسباب متعددة.
وإذا افترضنا أن انتخاب لاعب واحد فذ يصلح لمنافسة أفضل اللاعبين فى العالم يحتاج إلى قاعدة من ألف لاعب على الأقل فى رياضته وربما أكثر من ذلك، فنحن بحاجة إلى عشرة أندية على الأقل تدرب لاعبين من كل الأعمار والأوزان على المصارعة، وتبذل مع كل لاعبيها أفضل ما يمكنها ماديا وفنيا لتنتج لاعبا أسطوريا واحدا مثل كرم جابر صاحب ذهبية أولمبياد أثينا، وفضية أولمبياد بكين.
فإذا انعدمت هذه القاعدة الرياضية الصحية، فلا مجال لوجود كرم جابر إلا بالمصادفة البحتة، ولا مجال لتكرار أسطورته مرة ثانية إلا بالمعجزة الإلهية القادرة على كل شيء.
وبعد سنوات طوال من إهمال مراكز الشباب والساحات الشعبية والرياضة المدرسية، ثم بعد سنوات أخرى من تحويل ممارسة الرياضة إلى رفاهية لا يملكها إلا أبناء الأغنياء، لم تعد الرياضة المصرية تملك موردا من المواهب إلا عن طريق ما تسوقه الصدف السعيدة والمعجزات الخلاقة، مثل سارة سمير ذات التسعة عشر عاما التى حققت سبقا تاريخيا هذا العام بكونها أول امرأة مصرية تحصل على ميدالية أولمبية بحصولها على برونزية فى رفع الأثقال.
ولننظر بتعمق فى تجارب إنشاء القواعد الرياضية القوية فى كل من جاميكا التى أوشكت أن تحتكر ميداليات ألعاب القوى فى المنافسات الأولمبية، وكوبا التى وضعت نفسها على خارطة الرياضة العالمية بقوة فى ألعاب كانت لنصف قرن على الأقل من اختصاص المصريين كالملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال، ثم تجاوزت هذه التخصصات إلى مزاحمة القوى الرياضية الكبرى فى مناطق نفوذها التقليدية، كمنافسة الولايات المتحدة فى السباحة.
المسألة ليست فى «حجم» الإنفاق الرياضى كما يحلو للبعض أن يراها، ولكنها فى كفاءة هذا الإنفاق على ناحية بناء القاعدة الرياضية، لأن أى توجيه للنفقة العامة إلى قمة المنظومة لن يكون إلا إهدارا للموارد على اللاعبين المتاحين عسى أن تصيب أحدهم الصدفة فيكون من الفائزين، بينما الأصوب أن توجه هذه الموارد إلى جذور شجرة الرياضة على أمل أن تثمر أبطالا ونجوما حقيقيين.
لا يمكننا لوم أى لاعب مصرى يسقط فى المنافسات الأولمبية التى لا يتأهل لها إلا أفضل لاعبى العالم، بل علينا أن ندرس حالة هذا اللاعب لنضم معرفتنا به إلى كتب صناعة المعجزات، لأن أى لاعب مصرى يصل إلى المرتبة السابعة أو التاسعة أو حتى العشرين فى قائمة الأفضل عالميا فى رياضة أولمبية هو لاعب حقق ذلك بجهد مفرد ومستقل من جانبه، أو من جانب أسرة تقتطع من قوتها ما لا يستهان به لتدعمه، أو من جانب مدرب مخلص يعمل فى منشأة بلا إمكانيات وبلا مقابل مادى يذكر، أو بتعاون مرهق بينهم جميعا.
لا يمكن اعتبار البطل الأولمبى حقيقيا ما لم يكن رأسا لهرم من الرياضيين فى لعبته، وممثلا لخير ما يمكن أن يصعد من قمة هذا الهرم إلى قمة التفوق الأولمبى، إلى أن يأتى اليوم الذى يكون فيه هذا البطل ملهما ومؤسسا ومعلما لطبقة جديدة فى هرم جديد أرقى وأعلى من القمة التى نبت عنها.