الثلاثاء 6 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكونات الرغيف.. قليل من القمح.. كثير من التراب

مكونات الرغيف.. قليل من القمح.. كثير من التراب
مكونات الرغيف.. قليل من القمح.. كثير من التراب


على موائد الناس فى مصر الآن أرغفة خبز لا تغنى من جوع ولكن تعرضهم للأمراض خطيرة.. فقد ضبطت أجهزة التموين الأحد الماضى صوامع غلال تتعمد خلط القمح بالتراب والرمال، ثم نقله إلى المطاحن التى تتولى طحنه وتسليمه إلى المخابز التى تنتج بدورها أرغفة ملوثة تذهب إلى بطون المستهلكين.
بدأ تفجر أزمة الدقيق المخلوط بالرمال والتراب مطلع الأسبوع الماضى،  بعد أن أرسل عدد من سكان مركز ديروط بمحافظة أسيوط استغاثة- حصلت روزاليوسف على نصها - جاء فيها: «إلى نواب مركز ديروط المحترمين والسيد رئيس مجلس المدينة ومدير إدارة تموين ديروط، نرجو من سيادتكم النظر إلى استغاثة أهالى ديروط بخصوص الخبز الممزوج بالرمال والعمل على حلها نهائيا وحل مشكلة الخبز فى كل ديروط وكل القرى للأبد».

حالة الغضب والسخط التى سادت بين أهالى ديروط بسبب الخبز الممتلئ بالرمال والأتربة، أسفرت عن قيام عدد من مفتشى التموين بديروط بمداهمة أحد المطاحن بدشلوط، وضبطت أقماحا ترد للمطحن من شركة حورس للاستيراد والتصدير بمحافظة بنى سويف شونة سمسطا.
وأظهرت عمليات المعاينة والفحص أن الأقماح غير مطابقة للمواصفات، وضبط ألف شيكارة دقيق تموينى زنة الواحدة 50 كيلوجراما من الأقماح الممزوجة بالرمال والحصى، وتم التحفظ عليها بمقر المطحن وتحرير محضر ضد المطحن وشونة الغلال لمخالفته القانون 48 لسنة 1941 لتسليمه أقماحا ممزوجة بالرمل والحصى ينتج عنها دقيق تموين غير مطابق للمواصفات القياسية، ما يعرض حياة المواطنين للخطر.
هذه الواقعة يحكى لنا عنها النائب البرلمانى المنتخب عن مركز ديروط، محمد مصطفى سليم، قائلا: إن ما تم ضبطه عبارة عن قمح مخلوط بالرمال، وهى أخطاء تنشأ من صوامع الغلال، لأن المطاحن لا تتعمد الخطأ، وإنما المشكلة فى التوريد من الصوامع التى تعمد إلى خلط مثل هذه المكونات لزيادة الوزن.
ويضيف النائب سليم: إنه من خلال دورنا كرقابة برلمانية فى الشارع، فقد بادرنا بالاتصال بمحافظ أسيوط وأبلغناه بالواقعة لاتخاذ اللازم، لكن المشكلة أنه حتى يتم اتخاذ الإجراء يتم التخلص من الكمية، مثلما حدث منذ حوالى عامين عندما تم ضبط كمية من الدقيق غير صالحة للاستهلاك الحيوانى ناهيك عن الاستهلاك الآدمي، تم توزيعها على الناس واستهلاكها، قبل أن تتمكن الأجهزة المختصة من ضبطها وإتلافها.
أما عماد عبدالكريم- أحد أصحاب شركة «عيونى» لطحن الغلال التى تضررت من هذه المشكلة- فيحكى عن بداياتها قائلا إنه تقدم بشكوى رسمية لوزارة التموين توضح تفاصيل القضية التى بدأت بتوجيهنا إلى شونة المنار وسحبنا منها الكميات المستحقة من الأقماح لمدة يومين فقط، بعدها رفضت تلك الشون تسليمنا الكميات المستحقة، وبعد الشكوى تم تحويلنا لشونة العالمية وسحبنا منها لمدة يومين ثم رفضوا أيضا تسليمنا كميات إضافية، فاشتكينا للمرة الثالثة فتم تحويلنا لشونة حورس، التى طلبت من مندوبينا الانصراف لكننا استمررنا بسبب ضغط المسئولين بعد تكرار الشكوي، ففوجئنا بغشنا فى القمح المشبع بالتراب لمدة يومين. وبعد يومين من التحميل من شركة حورس فوجئنا بالأقماح مشبعة بالأتربة التى لا تستطيع أجهزة قسم النظافة بأى مطحن التخلص منها بنسبة كاملة.
وبعد أن فوجئنا بالأقماح المشبعة بالأتربة حررنا محضر إثبات حالة رقمه 1212 أحوال مركز شرطة ديروط، بعد الاتصال بكل المسئولين المختصين وإبلاغهم بذلك، كما تقدمنا بشكوى لرئيس قطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين تحت رقم 6580 شارحا ما سبق، ورغم كل ذلك فإن شركة «عيوني» هى التى دفعت ثمن هذه المخالفات. ومن تاريخ عمل المحضر توقفنا عن سحب الأقماح من تلك الشونة.
وقد بادرت لجنة البرامج بوزارة التموين- وهى الجهة التى تتولى مسئولية توزيع القمح المصرى والمستورد على المطاحن- بمناقشة تلك المشكلة خلال اجتماعها الأسبوعى الدورى صباح يوم الأربعاء الماضي، لمتابعة ما يورد من الأقماح للمطاحن، وقررت إعطاء الشركة المتضررة - 35 % من القمح المصرى من الصوامع، و35 % من شونة البنوك، والنسبة الباقية من القمح المستورد، وهو ما يوضحه عماد عبدالكريم بأن لجنة البرامج بذلك حلت المشكلة وتم تحويلنا لشون جيدة.
ويعلق محمد عبدالغنى على المحامي، قائلا إنه على مدى سنوات اعتدنا على وجود شوائب مخلوطة عمدا بالخبز سواء عن حالات غش ممنهجة أو عن طريق الخطأ ...  لكن ما لم يكن فى الحسبان أن يقوم معدوم الضمير من القائمين على شون وساحات تخزين القمح بسمسطا وسط إهمال من وزارة التموين أو إغفال منها، أن يخلط  هؤلاء القمح بالرمل وبالغش لزياده الوزن.
 ويمضى المحامى عبدالغنى قائلا إن هذه الواقعة عقوبتها لا تقل عن سنة ولا تتجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه وهى عقوبة غير رادعة لمن يقتل الناس بغشه، ويحقق ربحا ملايين الجنيهات نتاج غشه، غير رادعة لمن مات ضميره وباع نفسه للشيطان، غير رادعة لمن أضر بوطنه وأبناء وطنه غير رادعة لكل طماع جشع لن تصلحه عقوبة السنة أو الـ 5 آلاف جنيه.. نناشدكم ضرورة تغليظ العقوبة فليس بعد القتل ذنب وهؤلاء يقتلون الناس جميعا.
الواقعة الأخيرة لم تكن الوحيدة، وإنما سبقها العديد من حوادث تلويث رغيف العيش الأخري، ومن بينها ما حدث فى أغسطس العام الماضي، عندما تمكن رجال مباحث التموين ورجال مباحث قسم فاقوس بالتحفظ على 7753 طن قمح مخلوط بالتراب والملح بشونة تابعة للدولة وتحرر المحضر رقم 6355 جنح قسم فاقوس وتولت النيابة العامة التحقيق بإشراف المستشار حسام النجار المحامى العام الأول لنيابات شمال الشرقية.
وتمكنت لجنة من مباحث التموين ورجال مباحث القسم من ضبط بغرفة الشونة 7753 طن قمح، وتم فتح عينات منها من جميع الأجزاء وتبين أن جميعها مخلوطة بالأتربة والملح. وبالعرض على نيابة فاقوس قررت التحفظ على الكميات المضبوطات وإرسال عينة منها لمعمل الوزارة وتحريات رجال المباحث حول الواقعة.
المثير أن وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق  محمد أبو شادي، أقال فى شهر فبراير من العام الماضى كلا من رئيس وأعضاء الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين بسبب فشل المجلس فى تحقيق أهداف الشركة خلال السنة المالية وتحقيق خسائر بلغت حوالى 89 مليون جنيه، وذلك عقب انعقاد الجمعية العمومية للشركة المصرية القابضة للصوامع برئاسة وزير التموين لاعتماد نشاط الشركة عن العام الماضى والتصديق على الموازنة التخطيطية للشركة عن العام المالى 2014 - 2015 والتى وافقت بأغلبية الأصوات على سحب الثقة من المجلس وإقالته.
وقال وزير التموين إن الإقالة أيضا جاءت بسبب ضعف الأداء وكبر سن وشيخوخة رئيس وأعضاء مجلس الادارة السابق مؤكدا أنه سوف يتيح الفرصة للشباب وصغار السن ذو الخبرة العملية والعلمية والتى تكفل النهوض بالشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين لتنفيذ المرحلة الثانية لبناء 25 صومعة من المشروع القومى لبناء 50 صومعة لتخزين القمح وتشجيع القطاع الخاص على بناء 58 صومعة جديدة.
يذكر أن نادر نور الدين، مستشار وزير التموين السابق، كشف عن وجود  3 جهات رقابية بالدولة تحقق فى قضية «فساد القمح المحلي»، وتوقع اتخاذ قرار قريبا بخصوص المسألة. موضحا أن طن القمح المحلى أغلى من المستورد بألف جنيه ما يدفع شركات الاستيراد لخلطه، وبيعه للحكومة على أنه قمح محلى للحصول على ربح يقدر بـ1.7 مليار جنيه.
أضاف نور الدين أن مخازن القمح التابعة لوزارة التموين بها زيادة فى المخزون يقدر بـ1.7 مليون طن من القمح، وأنه من المتبع أن ينتهى موسم توريد القمح فى شهر يوليو من كل عام، وفى تلك الأثناء يمنع استيراد القمح؛ حتى لا يتم خلطه، ولكن هذا العام تم السماح بالاستيراد، بل أمر الوزير بالسحب من المخزون أثناء توريد القمح المحلى من الفلاحين، وهو ممنوع منعًا باتًا.
ويقترح النائب محمد مصطفى سليم، أن يقوم الجيش بإنشاء مخبز فى المنطقة الصناعية بمركز ديروط بسعة 20 مليون رغيف يومى مثلا بحيث يكفى حاجة المركز كله، ثم تقوم عربات الجيش بالتوزيع على القرى حتى يطمئن الشعب إلى لقمة عيشه، إضافة إلى قيام الأجهزة المختصة فى الدولة بإعطاء تعليمات واضحة للمطاحن بغسيل القمح الوارد من الصوامع، وتعيين مفتشى تموين دائمين بالمطاحن والمخابز والصوامع مع تغييرهم باستمرار، إضافة إلى الرقابة الشعبية، فضلا عن تنفيذ النظام الذى أقرته الدولة منذ فترة المتعلق بتحويل صوامع القمح من ترابية إلى أسفلتية.