الأربعاء 7 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإعلام.. فيه سم قاتل!




حسام عبد الهادى روزاليوسف الأسبوعية : 17 - 09 - 2011


لا أحد فينا لم يسمع بل لم يحفظ المقولة الشهيرة التى جاءت على لسان حكمدار العاصمة اللى هى القاهرة طبعا فى فيلم «حياة أو موت» بطولة «عماد حمدى» و«مديحة يسرى» والذى يحذر فيها المريض الذى اشترت له ابنته دواء خطأ من إحدى الصيدليات ليقول له عبر الإذاعة التى كانت تلعب دورا كبيرا فى توعية الناس فى تلك الفترة من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى على المواطن «أحمد حمدى» القاطن بدير النحاس لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل!!
ونحن بدورنا نقوم بدور حكمدار العاصمة لننبه جميع المواطنين وليس المواطن «أحمد حمدى» فقط وإن كان «أحمد» فى الفيلم هو رمز لكل المصريين الذين يجب عليهم أن يتعاملوا مع ما يتعاطو بوعى حتى لا يقتلهم ما يتعاطوه إذا كان سما سواء كان دواء أو إعلاما، ومن هنا نحذرهم من تعاطى معظم ما تبثه لهم القنوات الفضائية - وأنا لا أقصد قناة بعينها - وإنما أعنى كل القنوات التى تقوم بالتخديم على مصالحها الشخصية ومصالح من تلعب لصالحهم فقط دون الوضع فى الاعتبار مصلحة الوطن أو المواطنين الذين تلعب بعقولهم ومشاعرهم وتؤججها من أجل استنفارهم للخروج فى مظاهرات سواء لمن له الحق أو لم يكن له الحق.. خاصة ممن لم تكن لهم مطالب حقيقية فتكون الاستجابة بلا وعى من باب إحداث فوضى وإرباك وتعطيل المجتمع.
إعلام تلك القنوات أصبح كالدواء الذى حذر منه حكمدار العاصمة «به سم قاتل»!
وللأسف إن هذه القنوات السامة سيطرت على عقول الناس البسيطة التى يشتعل حماسها بمجرد الضغط على زر الحماس بداخلهم بلا وعى ودون أن يكلفوا خاطرهم بالتوقف أمام هذه المعلومات التى يستقبلونها ليدخلوها فرازة العقل لتنقية الغث من السمين.
اللعب على أوتار مشاعر الناس التى تبلغ نسبة الأمية التعليمية فيهم 50% والأمية الثقافية 90% يعد جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة مهنية فالناس فى هذه الحالة لا يملكون سوى أن يكونوا مجرد أجهزة فاكس يرددون ما يُملى عليهم دون التفكير فيه فمن أين يأتى التفكير وهم بلا خلفية ثقافية أو وعى مجتمعى؟ وهذه القنوات تستغل الفرصة لدس السم فى العسل «وياكشى تولع» هذا هو منطق هذه القنوات التى لم تخل بعد من فلول النظام القديم وأذنابهم فلا تصدقوا أن الإعلام سواء الخاص أو العام قد تطهر من هؤلاء الفلول؟ بل زادوا وإذا كانوا قبل الثورة متفرقين فى قنوات شتى قد لا تظهر فيها ملامحهم بوضوح نتيجة تواجدهم وسط منظومات معتدلة الآن ازدادوا تبجحا بعد أن تجمعوا فى قنوات تحمى أهدافهم ويتظللون برءوس أموال تنتمى إلى جيوب أعوان النظام البائد والغريب أن المسيرة لم تتوقف عند هذا الحد بل هوس الشهرة عن طريق الإعلام الذى أصبح يتعامل بنظرية المصطبة أكثر من شغل إعلام، فالإعلام الآن لم يعد لديه خريطة محددة لتطبيقها وهنا أقصد الإعلام الخاص قبل الإعلام العام ونظرية الاستسهال أصبحت هى المسيطرة على كل هذه القنوات اللهم باستثناء واحدة أو اثنتين هى التى تتعب بالفعل على شغلها والباقين مجرد تحصيل حاصل، فنجد الضيف الذى يظهر فى قناة يتم تداوله بنظام «كعب داير» على بقية القنوات وهو ما يمثل اتجاها سلبيا لثلاثة أسباب :
السبب الأول: إصابة الناس بالملل من هذه الشخصيات المتكررة التى يكره النظر إليها فى حال تكرار ظهورها فتدار المؤشرات عنهم.
السبب الثانى: أن هذه الشخصيات من كثرة ما تتحدث لن تجد لديها الجديد الذى تقوله ويتكرر كلامها ولكن فى هذه الحالة التكرار لا يعلم الشطار بل يزهق الشطار ويجعلهم ينصرفون عن أصحاب الكلام المكرر.
السبب الأخير: أن معظم هؤلاء الضيوف يتلذذون بسكب البنزين على النار من باب الترويج لأنفسهم وللقناة التى تستضيفهم وبناء على تعليمات القائمين عليها وجذب الانتباه إليهم وهم فى الحقيقة لا يؤمنون بما يقولونه حيث إن التاريخ سبق أن سجل لمعظمهم كلاما مغايرا تماما لما يقولونه ولكن للأسف حماس اللحظة والركوب على أكتاف الحدث مهما كان هذا الحدث هو الذى يدفعهم لهذا التلون ويساعدهم على ذلك المذيعون المتلونون الذين يصطحبونهم معهم حسب تيارات أهوائهم وكأن المبادئ مجموعة من البدل أو الفساتين التى نعلقها فى الدواليب نختار منها حسب متطلبات اللحظة.
والغريب أن نفس وجوه المذيعين التى كانت تطاردنا على الشاشات الخاصة والعامة قبل الثورة هى نفسها التى تطاردنا بعد الثورة فالمنظومة الإعلامية سواء الخاصة أو العامة مازالت تدار بنظام الشللية وحسب المصالح المشتركة وحتى من يتم اختيارهم من المذيعين الجدد يكونون على نفس الموجة.
التضليل هو التضليل الذى مازال يسيطر على أجهزة الإعلام الخاصة والعامة وإذا كان الإعلام الخاص مازال يتعامل مع أجنداته الخاصة والتى سبق أن أعلنت عن نفسها فى فترات سابقة فلماذا إذا نلوم على الإعلام العام الذى تكمن أجنداته فى حماية البلد من الغليان والفوران. من السهل أن تخدع الناس وأنت تشعرهم أنك تدافع عنهم وأنهم همك الأول وهو ما تفعله القنوات الخاصة ومن الصعب أيضا أن تكون مهادنا مغيبا إلى أبعد الحدود وهو ما تفعله القنوات العامة والحل فوضى إعلامية وسم قاتل فى إعلامنا سواء الخاص أو العام، الإعلام أصبح الآن عبارة عن تصفية حسابات كل من يريد الانتقام من الآخر فعليه بالإعلام وتحديدا الخاص الذى أصبح ملعبا للانفلات المهنى ولا محاسب ولا رقيب.
قد نتفق أو نختلف مع ما حدث مع قناة الجزيرة مباشر وفى التوقيت والأسلوب الذى تم التعامل به مع القناة ولكن الأمر كان يحتاج إلى وقفة حاسمة صحيح أننا لسنا ضد كبت الآراء وتقييد الحريات ولكننا لسنا أيضا مع الخروج عن الشرعية.. ومع ذلك فنحن نطالب بإعادتها مرة أخرى ولكن بعد استخراج التصاريح اللازمة لها لتسير فى إطارها الصحيح الهادف إلى إعلام موضوعى ومحايد رغم أن ماحدث يجعلنا نتساءل: لماذا لم يحدث ذلك مع الجزيرة الفضائية أو العربية أو الحرة أو غيرها من القنوات الإخبارية لأنه ببساطة هذه القنوات أرادت أن تسير فى مضمارها الإعلامى الصحيح وبشكل شرعى من خلال استخراج التصاريح المطلوبة وهو ما يقره المنطق وتقره المهنية، ثم إننا لماذا لم نسمع عن مثل هذه التجاوزات فى أى دولة من دول الغرب لأنه لا يجرؤ أحد أن يتحايل على القانون أو «يخترق الشرعية» أنا لست ضد ممارسة الحريات الإعلامية أيا كانت أشكالها طالما أنها تصب فى النهاية فى صالح وخدمة المجتمع والارتقاء بناسه من خلال آراء حكيمة خالية من شوائب المصالح وتصفية الحسابات والتشفى والتجريح.
إعلام للبناء وليس للهدم إعلام صادق وليس منافقا إعلام محترم وليس قائما على التسول والتربح بطرق غير مشروعة وفاضحة ثم إنه لماذا لا تقوم الدنيا ولم تقعد فى المغرب عندما أغلق مكتب الجزيرة مباشر ولم يعترض أحد هل لأن مصر أصبحت هى الحيطة المايلة التى يقذفها الجميع بالحجارة، نحن لسنا ضد النقد ولكن ضد التشويه لسنا ضد كشف الحقائق ولكننا ضد الكذب وخداع الناس.
ثم إن صاحب الاختراع الفولاذى الذى يسمى «الجزيرة مباشر» وهو للأسف مصرى يعمل بفلوس القطريين فى مكتبهم بالجزيرة اسمه «إبراهيم هلال» لماذا لم يفكر فى عمل الجزيرة مباشر فى قطر أو السعودية أو البحرين أو حتى الكويت.. صحيح أن مصر هى محور الأحداث الآن ليس فى المنطقة العربية فحسب بل فى العالم كله لكن هناك قضايا ومشاكل كثيرة فى كل الدول العربية ومنها الخليجية تحتاج إلى مكاشفة ومحاسبة.. لماذا لا تكون فى متناول يد الإعلام أم أن أصحاب هذه الاختراعات يخشون على لقمة عيشهم ولتذهب مصر إلى الجحيم؟
الإعلام إن لم يكن محايدا فليذهب هو إلى الجحيم، وللأسف كثير من الإعلاميين لم يعودوا محايدين فيما يقولون لأن معظمهم «على رأسه بطحة» فمنهم من فتحت جسور الود مع أمريكا وفازت بلقاء رئيسها السابق «بوش» فى الوقت الذى أقام زوجها قناة فضائية بالفلوس التى نهبها من التليفزيون المصرى من خلال برامجه الرياضية التى كان ينتجها له بالملايين ومنهم من كانت مهندسة الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2005 ثم فجأة انقلبت لتدعى البطولة وكأنها الثائرة «جميلة أبو حريد» وأيضا هى وزوجها الذى يصدر سمومه للناس من خلال قناته الفضائية التى يعمل بها والتى سبق أن أغلقت بسبب عثرات مالية، نموذج للنفاق فمع النظام السابق تتساقط دموعهم دعما وتشجيعا له ولعملية التوريث وبعد سقوط النظام تتساقط أيضا دموعهم الأشبه بدموع التماسيح فى محاولة لتبييض وجوههم التى تلوثت بالتخديم على العهد البائد ومنهم من ترك مهمته الوطنية الإعلامية بسبب الاختلاف على الأجر رغم حصوله على الملايين.. ولم يكن فى حاجة إلى المزيد ولكنه الطمع، ومنهم من يلوثهم تاريخهم وتاريخ آبائهم بأحكام قضائية مشينة تمس الشرف.
المحاولات الكاذبة لكل هؤلاء لم تعد تستطيع أن تقنع الناس بما يقدمون لأن الناس اكتشفت خداعهم بعد أن نفد رصيدهم وهم الآن يلعبون فى الوقت الضائع بعد أن سقطت أقنعتهم ولكن للأسف بعد أن صدروا لنا إعلاما فيه سم قاتل.