هل الحرب قريبة بين مصر وإسرائيل؟!
اسلام كمال
اسلام كمال روزاليوسف الأسبوعية : 30 - 04 - 2011
استثنائية الجدل الدائر خلال الساعات الأخيرة حول الإطار الجديد للعلاقات المصرية الإسرائيلية، لا تنغلق فقط على المطالبات الشعبية والسياسية المتصاعدة فى الشارع المصرى بإلغاء معاهدة «كامب ديفيد»، حتى لو كان يعنى هذا إعلان الحرب كما اعتبره بعض المسئولين الإسرائيليين، بل تتسع للعديد من الملفات الطارئة الأكثر إلحاحاً الآن، وفى مقدمتها بالطبع تصدير الغاز لإسرائيل، والذى يمر بمفترق طرق صعب على الجانبين بعد التفجير الثانى لأنبوبه فى سيناء خلال شهر واحد.. تزامن ذلك مع التحقيق مع كبار النظام السابق ومنهم مبارك لإهدار المال العام المصرى بتصدير الغاز بأرخص الأسعار لإسرائيل.
بالإضافة إلى اقتراب عودة العلاقات المصرية مع إيران وحزب الله، ويرجح لهذه العلاقات أن تتوتر أكثر وأكثر خلال الفترة القليلة المقبلة خاصة مع لعب مصر دوراً محورياً فى حل الخلافات بين فتح وحماس، بل وإنهاء حالة الحصار على غزة بفتح معبر رفح بشكل دائم وكامل، الأمر الذى أغضب الإسرائيليين بشدة.
تعقيدات الخلافات المصرية الإسرائيلية التى تصدرت المشهد الإقليمى بل الدولى خلال الأسابيع الماضية لم تعد تتوقف عند حد المخاوف التقليدية من وصول تيار إسلامى للسلطة، لدرجة أن تل أبيب عبرت عن اعتراضها رسمياً للقاهرة مرتين فى فترة وجيزة جداً، بخلاف الانتقادات الصحفية والرسائل غير المباشرة من طرف ثالث، أحدث هذه الاعتراضات وليس آخرها كان حاداً للغاية، ونقلته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية فى صدر موقعها الإلكترونى بقولها أنه بعد شهرين من إبعاد الشعب المصرى الرئيس السابق مبارك أصبحت إسرائيل خائفة من التصريحات الأخيرة التى رددها مسئولون مصريون ووصفتها بأنها تحريضية، واشتكى رئيس الوزراء الإسرائيلى لسفراء الاتحاد الأوروبى من هذا الموقف المصرى، ولم تنقل الصحيفة ردهم.
وكان منطقياً أن تزيد التقارير والتسريبات الصحفية خلال هذه الفترة حول الجيش المصرى الذى وصفته الإذاعة الإسرائيلية بأنه أقوى جيوش العرب والأفارقة، واعتبره «ماتى زوهار» محلل الشئون السياسية مصدر قلق لإسرائيل، وأشار مركز دراسات الأمن القومى بجامعة تل أبيب إلى أن التطورات التى مر بها الجيش المصرى خلال العقود الثلاثة الماضية نقلته إلى مصاف الجيوش الأكثر تقدماً، حتى إن سلاح البحرية يفوق إسرائيل وهو الثانى بعد تركيا فى الشرق الأوسط، لكن هذه التقارير لم تمنع جنرالات إسرائيليين من استبعاد الحرب مع مصر رغم بعض المناورات الصغيرة التى تم تنفيذها فى جنوب إسرائيل على الحدود مع مصر تحت بند «الاستعداد لأى أحداث طارئة»!.
فيما اهتم العديد من المراكز الاستراتيجية والدوائر السرية الإسرائيلية بوضع سيناريوهات العلاقات المصرية الإسرائيلية فى الفترة القادمة فى ظل هذه التغيرات بعد الثورة وإسقاط نظام مبارك الذى يترحمون عليه، فى الوقت الذى لم يجد نتانياهو بداً من مطالبة المجتمع الدولى بالضغط على القاهرة لمواصلة السير فى طريق كامب ديفيد، مشيراً إلى استطلاع الرأى الأمريكى الذى أشعل إسرائيل خلال الساعات الأخيرة بعدما كشف عن رفض أكثر من نصف المصريين اتفاقية السلام، وطالب الأمريكان بالتدخل، وبالطبع تربط كل المقالات والتقارير بين روح الرفض المصرية لكامب ديفيد وتفجيرات أنبوب الغاز المغذية لإسرائيل، والمظاهرات التى تنظم أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة مطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل ووقف ضخ الغاز، وتقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن تفجيرات الأنبوب المتكررة تثلج قلوب المصريين.
ويبدو أن إسرائيل لاتزال تعانى صدمة من اندلاع الثورة فى مصر رغم أن بعض الأصوات تتحدث عن أنها كانت متوقعة، وهناك محللون إسرائيليون منهم «ألوف بن» فى صحيفة «هآرتس» رصدوا مدى القرب الكبير بين القاهرة وتل أبيب أيام حكم مبارك، فيما قال أن مصر ضمنت الاستقرار الأمنى لإسرائيل وصمد السلام بينهما أمام اختبارات صعبة من انتفاضات لحروب،
والسبب فى ذلك مبارك وبالتالى كانت أمنية قادة إسرائيل أن يستمر مبارك فى الحكم كما تقول، لكن هذا لم يتحقق ولهذا إسرائيل فى غاية القلق على مصير علاقاتها مع حليفها الاستراتيجى فى المنطقة، الذى شبهوه بإيران أيام الشاه، وكانت الخارجية ومكتب نتانياهو تراقبان عن كثب ما يحدث فى مصر منذ 25 يناير، وعقد نتانياهو اجتماعا مع قادة أمنه بعدها بأربعة أيام مع استمرار المظاهرات الشعبية لدراسة تأثير هذه التطورات على إسرائيل، واعترفوا بأنهم لا يستطيعون تقدير الموقف، وعتمت الخارجية على تصوراتها لمستقبل العلاقات وأصيبت بتوتر من المواقف الأمريكية والغربية ضد مبارك، وطالبت بوقفها.
وكانت تتوقع أغلب السيناريوهات الإسرائيلية أن نظام مبارك مستقر وسيورث لجمال أو عمر سليمان، وأكدت دراسة بحثية نقلاً عن العديد من المقالات والأبحاث أن الموساد والمخابرات الحربية الإسرائيلية كانت متيقنة من استقرار النظام المصرى وعدم سقوطه أمام المظاهرات، حتى وقت متأخر من الثورة وأكد ذلك تصريح للجنرال «آفيف كوخافى» رئيس الاستخبارات بعد أيام من الثورة، وقال الخبير المخابراتى «أهارون فركش» أن فرص الجيش فى قمع المتظاهرين كبيرة وأضاف لراديو إسرائيل أنه لا يفهم موقف أمريكا وأوروبا لدمقرطة مصر!
وشبه بعض المحللين فشل الموساد فى توقع الثورة المصرية بالفشل المخابراتى فى توقع حرب أكتوبر 73 خاصة أنها مضرة جداً لمصالح إسرائيل، ورغم أن العديد من القيادات الإسرائيلية اعتبرت أن كامب ديفيد وتصدير الغاز «مصالح مصرية عليا»، إلا أن بعض المحللين الإسرائيليين اعترفوا بأن المساس باتفاقية السلام خطر جداً على إسرائيل، خاصة أن هذا سيؤثر فى كل نواحى الحياة الإسرائيلية، وأوضح المحلل «عوفير شيلح» فى مقالته بمعاريف أننا نريد حكاماً عرباً مستبدين مستقرين فالديمقراطية ليست للعرب، حتى لا يصل الإسلام السياسى للحكم المظاهرات المصرية أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة تغضب تل أبيب وتوقع «عاموس هرائيل» فى «هآرتس» توقف التنسيق الأمنى بين البلدين، ومنع مرور السفن الحربية الإسرائيلية من قناة السويس، ووصل الأمر إلى تجميد العلاقات، واعترف بأن الجيش الإسرائيلى لا يستعد لهذه الأوضاع بعد تقليص قوى الاحتياط فى ظل السلام، رغم أنه لم يتم أبداً استبعاد مواجهة مع مصر، وطالب الجنرال «عاموس برلن» بعد انتهاء رئاسته للاستخبارات بزيادة ميزانية الجيش للاستعداد لهذا السيناريو، ويستغرق هذا سنوات، بل وتوقع المحلل «يخرقيل درور» ألا يستمر التأييد الأمريكى لإسرائيل طبقاً للتغيرات الجديدة فى المنطقة.
بينما يرى المحلل «إسحاق جال» من مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط أنه من مصلحة مصر الاقتصادية الإبقاء على استقرار العلاقات مع إسرائيل، معتبراً أن أى قلاقل تضر بقناة السويس والسياحة والاستثمارات الأجنبية، فيما حذر «إيهود باراك» وزير الدفاع الإسرائيلى من أن هذه الثورة ستغير من المنطقة بشكل لم يحدث منذ سقوط الدولة العثمانية، ولذلك ستتعرض إسرائيل لتسونامى سياسى.
وكان رد فعل الشارع الإسرائيلى أكثر تطرفاً من محلليه وسياسييه حتى أن أغلبهم رحب بإلغاء معاهدة كامب ديفيد، بل طالبوا بإعادة سيناء على اعتبار أنها إسرائيلية، ولم يستبعدوا نشوب حرب، منتقدين استسهال نتانياهو مع القاهرة، ووصل الأمر إلى أن طالبوا بما أسموه نصيب اليهود فى الأهرامات رداً على استمرار دعوى استعادة حقوق بنوك مصرية فى فندق «الملك داوود» بالقدس.