الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إعلام «فيفى».. وبناتها!

إعلام «فيفى».. وبناتها!
إعلام «فيفى».. وبناتها!


كان لافتا أن تشتمل أحراز قضية التخابر الكبرى المتهم فيها الجاسوس «محمد مرسى» تقريرا لهيئة الأمن القومى مرفوعا له بصفته رئيسا للبلاد حينها يتناول خطورة تغلغل وكالة اللبنانى «أنطون شويرى» الإعلانية فى مصر لما له من تأثير وتحكم فى سوق الإعلان، ومن ثم الإعلام فى داخل البلاد.. مجرد التفات الدولة وأجهزتها المعلوماتية لهذا الأمر يزيح الستار عن يقظة وتفهم لمخاطر جديدة لمجالات مستحدثة تمثل خطرا على الأمن القومى المصرى!

فى السياق ذاته برز ساويرس مجددا طاردا «شويرى» من السوق ليملأ عنه الساحة الإعلانية والإعلامية بعد اعتزاله البيزنس الخشن، وانتقاله إلى بيزنس «الميديا» المخملى!
بعد سنوات من التخبط والفشل استقر مشروع ساويرس وثبت أقدامه بعد ركوبه موجة أحداث يناير ليبدأ مرحلة الاحتكار والسيطرة على عقول المصريين وهو الأشد خطورة والأكثر تأثيرا من احتكار الغذاء لو تعلمون!
كما نجح فى الحصول على حق الامتياز الإعلانى لقنوات الحياة لمالكها رجل الأعمال والسياسى «السيد البدوى»، وفى الاحتفالية الخاصة بتوقيع التعاقد، لم يخف ساويرس وجهه أو نواياه، بل طل على الحضور قائلا: أتمنى أن تنتقل هذه الشراكة من الميديا إلى السياسة والتنسيق والتحالف فى انتخابات البرلمان مع رئيس قنوات الحياة!
ساويرس بصفته المؤسس لحزب المصريين الأحرار يتحدث هنا عن تحالف سياسى مع حزب الوفد الذى يترأسه السيد البدوى وجعل من الإعلان والإعلام جسرا لتعبر عبره المصالح والتحالفات للسيطرة على البلاد والعباد!
لا ينفصل ذلك عن اجتماع للهيئة العليا لحزب ساويرس «المصريين الأحرار» وجاء فى احتفال وأثناء تقطيع التورتة أن علق ساويرس قائلا: أريد نصف هذه التورتة فى إشارة لا تخلو من دلالة على تطلعاته السياسية والتى لا تحققها الثروة إلا بالاستثمار فى الإعلام!
∎∎
المقدمة وإن طالت ضرورية، فحاصل جمع ما تقدم يكشف كثيرا من الزوايا الخفية فى المشهد الإعلامى والسياسى على السواء، بعد أن استفحلت ظاهرة ساويرس الإعلانية عندما فطن إلى أن القيمة فى السيطرة على وسائل الإعلام ليس بملكيتها وإنما عبر التحكم فيها إعلانيا، فكانت خطوته للاستعانة بالابن الضال «إيهاب طلعت» مجددا ليصبح يده التى تبطش وتحتكر الغالبية العظمى من الوسائل الإعلامية الأكثر انتشارا وتأثيرا لتدخل فى عصر الاحتكار الإعلامى!
من On Tv وما أثارته وتثيره من لغط فى المشهد الإعلامى زادت رقعة نفوذ ساويرس عبر فضائية Ten بعد أن خلعت ثوب التحرير وكتبت ورقة طلاقها من مالكيها الكثيرين منذ ظهورها فى 2011 لترتمى فى أحضان عشيقيها الجديدين «ساويرس - طلعت»!
القناة التى حملت اسم الميدان وحاول البعض المتاجرة بها والاستفادة من شعارها الثورى باعوها فى أول منعطف وقبضوا الثمن من الشريك إبراهيم عيسى الذى تحصل على نسبته «كاش» وحتى إن تم ضخ أموال فيها مؤخرا وحملت أوراقها الجديدة فى الملكية اسم «هنادى» ابنة «فيفى عبده» التى بدورها تقدم أحدث طلاتها عبر شاشة Ten فى برنامج «خمسة أمواااه»!
تداخلات وتشابكات كثيرة تحتاج مزيدا من التبسيط وفك طلاسمها دون أن تبدى اندهاشا لأشكال وطبيعة العلاقات وكيف أصبحت «هنادى» ابنة «فيفى عبده» شريكا رئيسيا فى ملكية القناة التى يديرها إيهاب طلعت ويساهم فى ملكيتها وحق الامتياز الإعلانى نجيب ساويرس!
حسبما هو معلوم علاقات البيزنس بين ساويرس ورجل الأمن الوقائى الفلسطينى محمد دحلان، حيث يستثمر له ساويرس أمواله وآخرها قناة Ten.. وبعد زفاف «هنادى» إلى رجل الأعمال الفلسطينى «شادى» الذى هو فى الوقت نفسه ابن أخت دحلان تتكشف العلاقات والأسباب!
منذ أشهر قليلة احتفلت «فيفى عبده» بزفاف ابنتها «هنادى» إلى «شادى» ولم يحضر الحفل يومها خال العريس «دحلان»، بل أغلب المعازيم لم يكونوا على علم بهذه المعلومة، وتصوروا أن العريس يقرب فقط لزوج فيفى عبده الفلسطينى الجنسية.
من قاعات الأفراح إلى شاشات الفضائيات يكتمل المشهد، وتقود «فيفى» وبناتها الإعلام تحت رعاية ساويرس وإيهاب طلعت اللذين حاولا استنساخ تجربة الأخير فى التليفزيون المصرى وإعادة برنامج «البيت بيتك» للحياة مجددا عبر مذيعين جدد، وكذلك برنامج «ماسبيرو» لسمير صبرى وغيرهما من البرامج!
∎∎
بخلاف هذا التمدد الإعلامى والإعلانى غير المفهوم لساويرس تبقى عودة إيهاب طلعت للمشهد تشوبها نعرة الانتقام من السوق الإعلانية بأكملها، ووجد ضالته فى ظهر ساويرس ليستند عليه.. فالصعود الأول لنجم إيهاب طلعت لم  يكن مبررا وكانت نفسها أسباب سقوطه المدوى قبل سنوات، فلا هو يقر بأخطائه ولا نحن نتعلم الدرس ونتعظ!
اللعبة نفسها يكررها إيهاب طلعت مجددا، لم يكن يملك عباءة مالية تغطى احتكاره لأكثر من 60٪ من سوق الإعلانات فى مصر بعد عام  2005، وتراكمت عليه المديونيات حتى بلغت أرقاما فلكية أودت به إلى أحكام قضائية بالحبس تزيد على 36 عاما، مما اضطره للهرب إلى لندن!
أزمة إيهاب طلعت لم تكن فقط فى عدم سداد مديونياته أو الأموال المتحصلة عليه فى توقيتاتها، لكن دخوله نفسه إلى سوق الإعلان المصرى كان وبالا على السوق وأضرها بأكثر مما أفادها، فلا هو رجل أعمال ولا إعلام، بل يمكن القول إنه مجرد سمسار، خصوصا حين عمل على حرق أسعار الإعلانات فى التليفزيون المصرى بشكل مبالغ فيه لم يسبقه إليه أحد.
ففى الوقت الذى كانت تباع نصف الدقيقة الإعلانية بمبلغ 7 آلاف جنيه كان يبيعها بمبلغ ألف جنيه، وكان يعتمد على ربحية إنتاج وتسويق المسلسلات لتعويض خسارته، مما أضر باقى الوكالات حينها التى حاولت صده ومنعه عن فعلته التى أساءت لسمعة التليفزيون المصرى وقللت من قيمته مقابل الشاشات الخارجية!
هاهو وشريكه ساويرس يكرران المحاولة فى ظروف سياسية واقتصادية أكثر فوضوية واضطرابا  من الحياة إلى النهار مرورا باليوم السابع وغيرها من وسائل الإعلام النافذة تحت القبضة الاحتكارية لساويرس وتابعه طلعت، ومن ثم التحكم فى المحتوى وبالضرورة السيطرة على عقول المشاهدين!
∎∎
لست ضد فكرة الإعلام الخاص، أنا ضد أن يقوم ذلك الإعلام على أساس إخفاء وإنهاء الإعلام القومى، كما أننى ضد أن تكون الفضائيات الخاصة أداة فى يد مصالح البيزنس، بينما تدعى أنها مستقلة، مما يعنى التدليس على الرأى العام.. وضد أن تكون الميزانيات غامضة والملكية تائهة ومصادر الأموال غير معلومة والأجندات غير وطنية!
نقطة نظام وسط هذا اللغط والفوضى الإعلامية.. فلا يمكن أن تستقر دولة بحجم مصر وفى ظروفها دون أن ينضبط إعلامها ويقنن، فالكلام عن مواثيق شرف مهنى هى درب من الخيال والخيابة السياسية والرومانسية فى غير محلها، بعد أن تأكد للجميع أن الإعلام هو وسيلة ضرب استقرار البلاد بدلا من أن يكون جدارا تستند إليه الدولة فى التنمية.
الدولة فاتها قطار تفعيل مواد الدستور الخاص بالإعلام والأمر لن ينتظر حتى إجراء انتخابات البرلمان.. الأوضاع يتم ترتيبها بشكل أسرع من عجلة الدولة وأجهزتها، ولا الوطن يحتمل كثيرا من الفوضى والعبث، وأصبح صدور قرار جمهورى بتشكيل المجلس الوطنى للإعلام بغرفتيه ضرورة قصوى ويصاحبه قوانين منظمة وليست مجرد مواثيق مهنية لا تساوى الحبر المكتوبة به ولن يلتزم بها أحد.
ما بين القومى والخاص تقف الدولة كلوحة تنشين تنتظر الطعنات، فلم تكن المؤسسات الإعلامية القومية مضطلعة بمهامها وسندا وعونا وتعمل دون احترافية أو رؤية، بل فى كثير من الأحيان كانت سياستها التحريرية عبئا على الدولة، أما الخاصة فلها أجندتها ومصالحها التى تحكمها.
∎∎
خلاصة القول أن الإعلام القومى أو الخاص يجب أن يكون له نسق.. والنسق لا تصنعه الثروة، وإنما القيم التى تؤمن بها وتسوقها.. والإعلام بشقيه بعد 4 سنوات من الفوضى يعمل ضد الدولة وقيمها، وضد توازن حقيقى فى المجتمع.. ليست هى منشغلة بالحفاظ عليه، بل فى أحيان كثيرة تعمل فى عكس ثباته.∎