عندما تتحول «سنابل» القمح إلى «قنابل» فى وجه مصر!

عبد الله بدر
رغم الريكورد الذى حققه القمح المصرى بزيادة 17٪ هذا العام بتخطيه حاجز 4,7 مليون طن، إلا أن المحصول تطارده أزمات كبيرة، أبرزها أن المستورد أرخص من البلدى بـ 700 جنيه فى الطن، ولذا كان من المهم جدا أن نحقق فى هذا الموضوع خاصة لأنه من أهم الملفات أمام الرئيس السيسى، فى إطار الحديث عن توصيل الدعم لمستحقيه وتطوير المنظومة الزراعية!
يرجع الخبراء الذين ناقشناهم فى الأزمة إلى إصرار وزارتى الزراعة والتموين على نشر الأرقام غير الحقيقية ومخالفة القوانين والاتفاقيات رغم نفى وزير التموين ذلك بقوله أن مخزون القمح فى مصر يكفى حتى يونيو المقبل، وكذلك تحدى وزير الزراعة الفلاحين بأن المحصول زاد على الأعوام الماضية من 6,3 مليون طن إلى 4 ملايين طن، رغم أن الزيادة أكثر من 600 ألف طن!
د. خالد حنفى وزير التموين والتجارة الداخلية أكد أن مخزون القمح يكفى حتى يونيو المقبل وأنه تمت زيادة أسعار القمح المحلى لتشجيع الفلاحين على التوريد، كاشفا عن أن الأزمة الأوكرانية لن تؤثر على استيراد مصر للقمح وأنه تم تحويل التعاقدات إلى مصادر أخرى بنفس الكميات والتكلفة بسبب الأحداث هناك!
د. أيمن فريد أبوحديد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى قال: إن الوزارة ومراكز البحوث تكرس جهودها لتحقيق إنتاجية عالية من محصول القمح هذا العام، وهناك أكثر من 7 آلاف حقل إرشادى بجميع القرى سواء كانت عن طريق مراكز البحوث الزراعية ضمن الحملة القومية للنهوض بمحصول القمح أو بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى، مما يتيح نقل الممارسات وحزم التوصيات الفنية بسهولة ويسر لجميع مزارعى القمح.
وقالت مصادر مطلعة بالزراعة لنا إن الحكومة فشلت فى تحفيز الفلاحين على تسلم القمح منهم رغم بدء موسم التوريد فى 15 أبريل إلا أن معدلات الاستلام لم تحقق الـ 100٪ حتى الآن!
ولم يتجاوز 55 ألف طن حتى الآن، مشيرة إلى أن الحكومة لم تقم بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة للمرحلة الأولى من التوريد التى تصل إلى 500 مليون جنيه، فيما قدم بنك التنمية الزراعى تمويلا مؤقتا يصل إلى 47 مليون جنيه خلال الأيام الأخيرة، واتهمت المصادر وزارة المالية بالمسئولية عن انخفاض معدلات التوريد رغم طموحات الحكومة بزيادة كميات القمح التى يتم توريدها لصالح الدولة إلى 2,4 مليون طن بزيادة 700 ألف طن عن العام الماضى.
وأشار إلى أن عدم توافر الاعتمادات المالية سيؤثر سلبا على الموقف المصرى من عمليات استيراد القمح، وسيؤدى إلى ارتفاع جنونى فى الأسعار العالمية للقمح، وأضافت المصادر أن تقاعس المالية عن توفير اعتمادات مالية لأعمال توريد القمح سيؤدى إلى سيطرة المافيا على سوق القمح، وتحكمهم فى حركة البيع والشراء.
ولكن علينا أن نعلم أنه يوجد ما يزيد على سبعة ملايين فدان، وهى أراضى تمتاز بطبيعة خصبة وجميعها مستغل زراعيا إلا أن القليل منه يزرع بالقمح، وقد يعتقد البعض أن الانفجار السكانى الرهيب فى الدولة هو ما جعل من سبعة ملايين فدان زراعى غير كافية لتحقيق الكفاية السنوية من إنتاج القمح لكن حقيقة الأمر ليست كذلك، بل العكس بقوله إن المستوردين يستوردون القمح الذى يتراوح سعره بين 2100 جنيه أى أقل من القمح المحلى 700 جنيه فى الطن، لبيعه إلى الدولة أيضا على أساس أنه محصول محلى مما يتسبب فى نفاد أموال الدولة المخصصة لشراء القمح المحلى، تسبب أيضا فى نفاد أماكن تخزين القمح، مما ينتج عنه تعرض القمح المحلى للعطب لسوء التخزين!
ومن خلال جولتنا على الفلاحين لاحظنا أجواء الحزن وفقدان الأمل بسبب وعود الحكومة الفاشلة وعدم قدرتها على تحقيق مطالبهم وتوفير الوسائل اللازمة لزراعة القمح وتقليل الفجوة الإنتاجية منه.
عدد من الفلاحين قالوا لنا إن إنتاج الفدان من القمح لا يجازى التكلفة بسبب الخدمة التى يأخذها، فخدمة فدان الأرض تتراوح بين 2 إلى 3 آلاف جنيه مقابل 15 أردب قمح سعر الأردب يتراوح بين 380 إلى 390 للتجار، بخلاف إيجار الأرض، أما من الناحية الثانية فالأسمدة الكيماوية غير متوافرة فى الجمعيات الزراعية، وإذا توافرت يقوم أعضاء الجمعية بتوزيعها على المحاسيب وعلى التجار فى السوق السوداء مقابل الرشاوى، ليأخذها التاجر بسعر 120 جنيها، وهى فى الأصل 75 جنيها ثم يشتريها الفلاح بعد ذلك بـ 150 جنيها، وامتد الأمر إلى التقاوى المضروبة والمركونة من الأعوام الماضية، قليلة الجودة والإنتاج وتباع من قبل الجمعيات الزراعية على أنها تقاوى جيدة ويتضح فيما بعد أنها فاسدة تم نقلها من الشكائر القديمة إلى شكائر أخرى مختومة بختم وزارة الزراعة لسنة ,2014 وتجد بها الحصى وبعض حبات القمح المتآكلة من السوس والفئران!
والمشكلة الأهم فى هذا كله هى زيادة سعر ساعة المياه لتصل إلى 15 جنيها من أصل 4 جنيهات بسبب عدم توافر السولار فى المحطات وبيعه للتجار فى السوق السوداء بمساعدة العاملين فى المحطات ليشتريها من التاجر بـ 45 جنيها من أصل 22 جنيها، إلى جانب ارتفاع إيجار الأرض ورفع قيمة حرث القيراط ليصل إلى 15 جنيها، وزيادة أجرة العمال وفى النهاية تجد أن كمية الإنتاج لا تتكافأ مع ما تم صرفه على الفدان!
وهذا طبعا يعتبر ظلما للفلاح، ولذلك قرر عدد من الفلاحين تأجير أراضيهم للمستثمرين لزراعتها بطاطس مقابل إيجار يوافى سعر الفدان بدلا من الإهانات والصدمات التى تأخذها بسبب قرارات الحكومة والمسئولين!
وإذا لم يتم حل مشاكلنا وتوفير جميع الإمكانيات المناسبة لزراعة القمح وتعويض الفلاحين عن الخسائر التي ستتفاقم معها الأزمة، فيجب أن ينزل المسئولون إلى الفلاحين ليتعرفوا على مشاكلهم والأسباب التى يعانون منها من عدم القدرة علي توزيع المحصول وتركه بالأسابيع حتى يتلف مع تراجع سعر أردب القمح وقلة فى الإنتاج وعدم الحصول على المبالغ إذا تم بيع إنتاج القمح إلا بعد طلوع الروح فاتقوا الله فينا وارحمونا وساعدونا على زراعة أراضينا بدلا من الاستيراد!
د. نادر نور الدين الخبير المائى والاستراتيجى يرجع سبب أزمة القمح إلى إصرار وزارتى الزراعة والتموين على تزوير الأرقام ومخالفة كل القوانين والاتفاقيات الموضوعة لضمان توريد القمح المحلى، مشيرا إلى أنه تم إلغاء البيان اليومى الصادر من هيئة السلع التموينية بكمية القمح التى يتم استلامها والتى زاد ثمنها للمزارعين للتلاعب فى الأرقام والمبالغة فى الكميات الموردة.
وأضاف: إن القوانين التي تم وضعها من وزارة التموين سنة 2005 بمنع خروج القمح المحلى المورد للشون إلا بعد انتهاء موسم التوريد تم إلغاؤها هذا العام بناء على قرار وزير التموين بالسحب من القمح المحلى الموجود فى الشون الحديث للذهاب إلى المطاحن وكان الغرض من قرار وزير التموين هذا هو توريد القمح إلى شون أخرى أو استبداله عن طريق القمح الأوكرانى والروسى الذى يفرق على الأقل 300 جنيه فى الطن عن سعر القمح المحلى، وهذا هو النوع الذى يذهب إلى المطاحن لطحنه، حتى يقال من قبل وزارة الزراعة والتموين أنه لا يوجد خيبة فى المحصول وأن المحصول ليس كبيرا وفى زيادة مستمرة.
وهذا فى حد ذاته مخالف تماما وهناك تعمد من الوزارتين لتمويه الدولة والمسئولين فى كمية القمح التى يتم توريدها أو خروجها.
وأوضح نادر أن المزارعين فى الفيوم قلقون من الانخفاض الشديد فى محصول القمح هذا العام ويضربون كفا على كف بسبب ما قاله وزير الزراعة بأن محصول القمح زاد مرة ونصف المرة على السنة الماضية، وأنا أتحدى الفلاحين كيف هذا وزادت مساحة البطاطس على السنة الماضية، فهذا نفس الكلام الذى تم الأخذ به أيام جماعة الإخوان لأن أيمن أبوحديد كان متواجدا أيام فترة الإخوان سنة 2011 الذى زور توريد القمح وصاحب مدرسة المبالغة فى التوريدات!
وأشار إلى أن جميع الصوامع فى الموانئ مكدسة بالقمح الروسى والأوكرانى رغم وجود بروتوكول موقع فى سنة 2005 بين التموين والزراعة بإيقاف استيراد القمح أثناء موسم توريد القمح المحلى لإخلاء أماكن للقمح المحلى، لذلك نجد أنهم تعمدوا زيادة استيراد القمح الروسى لحين الاحتياج إليه، فهم خالفوا القوانين مرتين مرة فى استيراد القمح ومرة بالسحب من القمح المحلى قبل انتهاء موسم التوريد فى 15/7/2014 لإخفاء التزوير والمبالغة فى المحصول هذا العام.
وقال إن التموين والزراعة أتاحت الفرصة لتغيير القمح بقمح مستورد وتوريده إلى شونة أخرى لصالح التجار وعن طريق التجار ليقول وزير الزراعة إن التوريدات هذا العام وصلت إلى 4 ملايين طن مقارنة بزيادة 4٪ عن العام الماضى، فى حين تقول وزارة التموين أنها استلمت أكثر من السنة الماضية، فعلى الأجهزة الرقابية القيام بواجبها لحل هذه الأزمة والتعرف على أسبابها.
وأشار د. نادر إلى أن السياسات والبدائل الممكنة لزيادة كمية القمح ومواجهة هذه الأزمة تتلخص فى استخدام التقاوى عالية الإنتاج وتحسين التقاوى لإنتاج أكبر كمية من القمح، ثانيا زراعة الكثير من المساحات على ترعة السلام فى سيناء وترعة الساحل الشمالى لزيادة الإنتاج، وهذا سوف يزيد إنتاجنا إلى 70٪ اكتفاء ذاتيا بدلا من 30٪.
ثالثا بناء الكثير من الصوامع المعدنية للحفاظ على القمح من التلف والإهدار.
د. صلاح جودة الخبير الاقتصادى قال لنا: إن القمح قضية أمن قومى خاصة أن العالم حاليا يتجه إلى الطاقة الحيوية أى الطاقة المستخرجة من القمح والذرة وغير ذلك من المزروعات، وأن الشعب المصرى يعد الشعب الثانى فى العالم بعد الهند فى استخدام القمح والشعب الأول فى استيراد القمح فى العالم!
وأوضح صلاح أن القمح من العمليات الزراعية التى تحتاج إلى مجهود أكبر ورعاية مستمرة بخلاف اللب وغير ذلك ولذلك فإن الحل هو أن تقوم الدولة بشراء القمح من الفلاحين بالسعر العالمى الذى تقوم الدولة باستيراد القمح به، وبذلك تكون الدولة قد قامت بدعم الفلاح المصرى بدلا من الفلاح الأوروبى أو الأمريكى.
وأشار جودة إلى أنه فى حالة زيادة الكميات المنزرعة من القمح كل سنة علينا أن نضع خطة يجب أن تكتفى مصر ذاتيا من القمح خلال 4 سنوات علي الأكثر كما فعلت الهند وأصبحت دولة مصدرة للقمح بعد أن كانت من أكبر الدول استيرادا، وقال إنه فى عهد أحمد الليثى وزير الزراعة الأسبق «2004 - 2005» تم وضع خطة فى وزارة الزراعة لاكتفاء مصر من القمح خلال 4 سنوات، لكنها لم تنفذ، لذلك علينا أن نجتهد فى زراعة القمح وأن نستعيد عرش زراعته خاصة أن مصر كانت الدولة الأولى فى زراعة القطن طويل التيلة.
واقترح جودة عدة طرق لزيادة الرقعة الزراعية من القمح وهى كما قامت معظم الدول خاصة الصين وكوريا وإسرائيل وتايوان بشراء مساحات شاسعة فى دول حوض النيل وقامت بزراعتها قمحا لصالح هذه الدول، ولذلك على مصر أن تحذو حذو هذه الدول وأن تقوم بشراء كميات من الأراضى فى دول حوض النيل خاصة السودان وإثيوبيا.
وأشار جودة إلى أن الدراسة التى قام بها مركز الدراسات الاقتصادية أوضحت أن الخسارة الإجمالية للقمح منذ استيراده أو استلامه من الفلاح حتى تصنيعه وتوصيله إلى المستهلك تقدر بـ 25 - 27٪ من قيمة القمح بسبب سوء التخزين وانعدام الضمير.
د. غريب البنا مدير معهد بحوث البساتين الأسبق قال لنا: إن أزمة القمح تتلخص فى عدة نقاط أولها: التقاوى المضروبة التى لا تتناسب مع المناطق المختلفة، وقلة الأسمدة وعدم توافرها فى المواعيد المطلوبة للفلاح، وإعطاء الفلاحين وعودا بأن الأردب سوف يكون بكذا وتتم مخالفة هذه الوعود واستيراد القمح الروسى والأوكرانى رخيص الثمن علي أنه قمح محلى.
وأشار غريب إلى أن الأقماح معرضة فى الشون للخسارة بسبب سوء التخزين وكثرة الحشرات والفئران، وهذا يؤثر على الفاقد من المحاصيل الزراعية يصل من 5 إلى 6٪.
وأوضح أنه يجب أن يكون لدينا اكتفاء ذاتى أو حتى بنسبة 80٪ لمواجهة المشكلات التي تواجهنا مثل الأزمة الأوكرانية، وهذا الاكتفاء يأتى عن طريق زيادة الرقعة الزراعية وتقليل زراعة البرسيم لأننا لسنا بلد ثروة حيوانية، ولا نملك مراعى طبيعية، فاستيراد اللحوم أرخص بكثير من تربية الماشية، ولذلك يجب على الدولة زراعة القمح وتشجيع الفلاحين وإعطاء سعر الأردب سعر تعويض بدلا من بيعه للتجار خاصة أن الحكومة رفعت يدها عن الدعم الذى يوصل إلى الفلاح فى الكيماويات.
واقترح البنا عدة سياسات لمواجهة مثل هذه الأزمة وهى زيادة المساحة المزروعة من القمح على ضفاف النيل وعلى ترعة الساحل وشمال سيناء واستصلاح كمية كبيرة من الأراضى الزراعية وزراعتها قمحا عن طريق شباب الخريجين، واختيار التقاوى الجيدة والأصناف الجيدة التى تناسب المناطق المختلفة من زراعات القمح، وتوفير وسائل الإنتاج للمزارع فى وقتها من أسمدة ومبيدات ومياه، والاهتمام بالقمح والاهتمام بالتخزين السليم له!