حسين خضر
ألمانيا تعانى من تحويلات إخوانية لعدد من الجمعيات
فى العقود الأخيرة شهدت ألمانيا نمواً واضحاً فى الوجود الإسلامى المؤسسي، سواء عبر مساجد وجمعيات ثقافية أو منظمات سياسية واجتماعية. هذا التطور جاء نتيجة هجرات متتالية، خصوصاً من تركيا ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعه برزت حاجة المجتمعات المسلمة إلى مؤسسات تعنى بالعبادة، التعليم، والرعاية الاجتماعية. لكن تزامن هذا النمو مع محاولات بعض التيارات السياسية والدينية لبسط نفوذ أيديولوجى عبر شبكة من الجمعيات والتمويلات العابرة للحدود، مما أثار قلق السلطات والمجتمع المدنى على حد سواء.
من منظور تقدمى واجتماعى ديمقراطي، يجب قراءة الظاهرة فى بعدين متلازمين: الأول يخص الحرية الدينية وحق الجماعات المسلمة فى تنظيم نفسها وتقديم خدماتها؛ والثانى يخص حماية النظام الديمقراطى من أى تدخلات أو تمويلات تهدد مبادئ المواطنة والمساواة والدستور. الجمعيات التى تعمل بشفافية وتلتزم بالقوانين وتخدم الاندماج يجب أن تُدعم لا أن تُقوض. أما عندما تُستخدم المؤسسات الدينية كواجهة لتلقى تمويل من جهات تسعى لتصدير مشاريع سياسية أو تنظيمات تقيد الحريات، يصبح من حق الدولة والمجتمع التدخل الرقابى والقضائى.
قرار ألمانيا حظر جمعية «Muslim Interaktiv» يدخل فى هذا السياق. الاتهامات المرتبطة بعلاقات تنظيمية أو تمويلية مع تيارات مثل جماعة الإخوان المسلمين، وبأسماء بارزة مثل إبراهيم الزيات وإبراهيم منير، تتطلب تحقيقات قضائية شفافة ومبنية على أدلة. على اليسار الاجتماعى أن يطالب بسيادة القانون والعدالة الإجرائية، لا بالاستهداف السياسى الجماعى. التحقيقات يجب أن تميّز بين الأفراد والمؤسسات المتهمة وبين المجتمع المسلم بكامله الذى لا ذنب له فى توجهات قلة من النشطاء أو القادة.
التجربة الأوروبية تعلمنا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تعالج جذور المشكلة. قمع المؤسسات أو حظرها دون بدائل مدنية قوية يؤدى إلى تفريغ يقلّب المساحات لصالح التطرف أو للعزلة الاجتماعية. لذلك يجب أن تترافق الإجراءات الأمنية مع سياسات اجتماعية: دعم برامج الاندماج، تعزيز التعليم والتمثيل السياسى للمسلمين فى الهيئات المحلية، وتمويل منظمات مدنية مسلمة مستقلة تعمل بشفافية وبدون تبعيات خارجية. كما ينبغى تطوير آليات رقابية للتمويل الأجنبى تمنع استغلال الفجوات القانونية دون تحجيم حرية التبرع أو النشاط الخيرى المشروع.
اليسار التقدمى فى ألمانيا وأوروبا مدعو لتقديم خطاب بديل راديكالى مختلف عن خطاب اليمين المتشدد: لا التصوير الجماعى للمسلمين كتهديد، ولا التسامى اللا شرطى عن مساءلة الشبكات التى تُهدد الديمقراطية. بدلاً من ذلك، يجب تعزيز قيم التضامن الاجتماعي، العدالة الاقتصادية، وحماية الحقوق المدنية لجميع المواطنين. هذه القيم تقوّى المناعة المجتمعية ضد الأيديولوجيات المتطرفة وتقلّل من المساحات التى تستغل فيها الجماعات الأيديولوجية ضعف الاندماج والفرص الاقتصادية.
فى الختام، مواجهة انتشار التيارات الإسلاموية أو أى نفوذ أجنبى يحتاج إلى توازن دقيق: إنفاذ القانون بحزم وشفافية، مع بناء مجتمع مدنى قوى ومؤسسات تدعم الاندماج والمساواة. هذا هو الطريق الذى يضمن حماية الديمقراطية ويمنح المسلمين فى ألمانيا مكاناً كاملاً فى الحياة العامة دون خضوعهم لوصاية داخلية أو خارجية.>
نائب رئيس الأمانة الفيدرالية للهجرة فى الحزب الاشتراكى الديمقراطى الألماني











