الأحد 16 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الطريق إلى رشيد

الطريق إلى رشيد

أعتقد أن أىَّ تحرُّك جاد تجاه محاولة استرداد قِطع الآثار الأيقونية المصرية المُستَلبة فى الخارج، يتطلب وجود مشروع حقيقى تقوده الدولة توضع له خطة متكاملة واضحة، وتتوحد فيه الجهود فلا تظل متناثرة أو قاصرة أو عديمة الأثر.



وأتصور أن أهم محددات ذلك هى:

أولاً- تشكيل فريق قانونى رفيع المستوى يملك خبرات قوية فى قوانين الآثار بالدول التى تستحوذ على القِطع الأقيم من آثارنا وفى مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا..فالشق القانونى فى تلك المعركة هو العنصر الحاكم، وما دونه سيظل محصورًا فى إطار ضغوط سياسية وشعبية وثقافية لن تكون- رغم أهميتها- لها الكلمة الفصل إذا اصطدمت بقوانين فى تلك الدول تمنع إعادة ما نطالب به من ثروتنا التاريخية.

وإذا أخذنا «حَجَر رشيد» الموجود فى بريطانيا نموذجًا فإن إمكانية إعادة أى قطعة من مجموعة المتحف البريطانى محدودة للغاية فى ظل قانون المتحف الذى يتضمن أحكامًا رئيسية شديدة التقييد من نوع ألا تكون القطعة قد صُنعت قبل عام 1850 (!) أو تكون غير صالحة للاحتفاظ بها أو عديمة الفائدة (!).. وبالتالى فالاحتمال الوحيد الذى يمكن معه المطالبة باسترداد أى قطعة هو أن يتم تعديل هذا القانون من خلال البرلمان، وهو أمر مجرد طرحه للمناقشة يتطلب أن يتقدم به عضو فى البرلمان أو عن طريق عريضة يوقّع عليها 100 ألف بريطانى.

ثانيًا- لا بُدّ من ضغوط سياسية رسمية على بريطانيا.. وفى حدود ما نعلم فإن الحكومة المصرية لم تطالب أصلاً باستعادة «حَجَر رشيد» الذى استولت عليه بريطانيا أثناء الحقبة الاستعمارية.. وبصرف النظر عن نوع النتائج التى يمكن أن تسفر عنها هذه الضغوط؛ فإن الحكومة عليها أن تخوض هذه المفاوضات كما فعلت الحكومة اليونانية قبل سنوات حين طالبت بإعادة منحوتات أثرية أُخرجت من اليونان بطريقة غير قانونية قبل أكثر من مائتىّ عام، واستطاعت أن تدير معركة قوية كانت مثار اهتمام العالم والاتحاد الأوروبى بالقطع ولم تجد وزيرة الثقافة البريطانية أمامها إلاّ القول أنها «غير مستعدة للتنازل عن حق امتلاك هذه الأعمال الفنية لأن عودتها لليونان ستشكل سابقة خطيرة»، بينما ردت وزيرة الثقافة اليونانية بأن ذلك «سرقة»، ووصفت اللورد «إلجن»  الذى أخرج تلك المنحوتات من اليونان بأنه «سارق متسلسل».

والخلاصة؛ أن تلك المعركة التى خاضتها الحكومة اليونانية ورغم أنها أسفرت فقط عن نتائج جزئية بسيطة؛ فإنها وجدت صدًى عالميًا مؤازرًا من دول ومنظمات، ولم تنتهِ بعد.. والمؤكد أن انخراط مصر فى ضغوط موازية إلى جانب اليونان (وهما أقدم حضارتين وأكثر دولتين لهما آثار مُستَلبة فى المتحف البريطانى) سيكون له أثر مهم.

ثالثًا- لأن أى صاحب قرار فى بريطانيا (بما فى ذلك البرلمان) لن يملك جرأة أن يتحمل مسئولية تعديل قانون المتحف أو إعادة أى قطعة آثار بما يفتح عليه جحيم غضب الناخب البريطانى.. فإننا نحتاج إلى حملة قوية وممتدة داخل بريطانيا لإقناع الرأى العام البريطانى بضرورة تعديل القانون وبأحقيتنا فى استرداد « حَجَر رشيد»، وذلك عبر دعاية منظمة وفعالة فى وسائل الإعلام وندوات فى المراكز الثقافية والبحثية والدوائر المهتمة، مستغلين فى ذلك حالة الزخم التى صاحبت افتتاح المتحف المصرى الكبير والذى يتيح لنا الرّد على إحدى أهم الحجج التى تستند إليها بريطانيا تاريخيًا وهى أنها تخشى إذا أعادت قطعًا أثرية أن تتم سرقتها أو عدم عرضها بالشكل اللائق بقيمتها، وهى حجة سقطت مع وجود المتحف الكبير بتقنياته العالية ومستواه الرفيع وتأمينه الدقيق، بينما المتحف البريطانى الآن هو الذى أصبح مهددًا بالسرقات كما حدث فى الواقعة الشهيرة قبل أربعة أعوام.

رابعًا- فى إطار الضغط الإعلامى يمكن أن تكون هناك حملة شعبية موسّعة وموحدة لجمع 50 مليون توقيع من المصريين ومن شخصيات دولية بارزة ومن زوار المتحف والآثار المصرية العرب والأجانب، تطالب باسترداد «حَجَر رشيد» ويتم النشر عنها فى الخارج.

أخيرًا.. فما اقترحته هنا يختص بحالة واحدة وعلينا أن نمد الخط على استقامته إذا كنا جادين فى محاولة استرداد «رأس نفرتيتى»  من ألمانيا و«برج دندرة» من فرنسا.

 الطريق طويل وشاق لكن الهدف يستحق على الأقل محاولة جادة.