الأحد 16 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من المعابد والمتاحف إلى المدارس والجامعات

الحضارة المصرية.. فى المناهج الأجنبية

حضارة خالدة ومستمرة..فبريقها لم يخفت رغم مرور آلاف السنين.. إنها الحضارة المصرية التى لا تزال تدهش العالم وتأسر القلوب وتلهم العقول. يزداد حضورها كلما مر الوقت وكأن الزمان لا يبليها؛ بل يعيد اكتشافها من جديد. المثير أن سحر الحضارة المصرية يجذب الأطفال ويثير شغفهم ربما لما تحمله من غموض يُشعل خيالهم ويدعوهم إلى الاكتشاف. لذلك تحرص العديد من الدول حول العالم على  تدريسها لطلاب المدارس والجامعات. كما تحرص المتاحف العالمية على إعداد دورات تعليمية خاصة للأطفال والشباب الراغبين فى التعرف على هذه الحضارة.  



 الحضارة المصرية فى المناهج الدراسية الغربية

فى مدارس بريطانيا، يتعرف التلاميذ فى المرحلة الابتدائية على «مصر القديمة» كجزء أساسى من منهج التاريخ، إلى جانب الحضارتين الإغريقية والرومانية. يدرسون كيف بنى المصريون الأهرامات، وكيف تطورت الكتابة الهيروغليفية، ويكتشفون دور النيل فى نشأة الحياة المصرية القديمة. وغالبًا ما ترافق الدروس أنشطة فنية وتمثيلية، فيرتدى الأطفال التيجان الفرعونية ويكتبون أسماءهم بالهيروغليفية، في مزيج يجمع بين التعليم والمتعة.

أما فى الولايات المتحدة الأمريكية، فتُدرَّس الحضارة المصرية ضمن مادة «التاريخ العالمى القديم» فى المرحلتين الإعدادية والثانوية. تركز المناهج هناك على إسهامات المصريين فى العلوم والفلك والعمارة والتنظيم السياسى.. فهم يقدمون الفراعنة كنموذج مبكر لفهم الإنسان لنفسه وإدراكه لمفهوم الدولة.

وفى كندا، لا تقل الحماسة عن مثيلتها فى أمريكا. فالمناهج الكندية تُبرز الحضارة المصرية ضمن ما يعرف بـ «الحضارات المؤسسة للتاريخ الإنسانى». ويُشجَّع الطلاب على المقارنة بين مصر القديمة وحضارات أخرى، مثل حضارة وادى السند أو الصين القديمة، لفهم التنوع الثقافى وتقدير الإبداع الإنسانى عبر العصور.

أما ألمانيا، فتضع الحضارة المصرية ضمن المناهج التاريخية والفنية معًا، حيث يُطلب من الطلاب دراسة رمزية الفن الفرعونى ودقة العمارة المصرية. وتُدرَّس بعض الوحدات الخاصة فى الصفوف الأولى من المرحلة الثانوية تحت عنوان «العصور القديمة - من وادى النيل إلى البحر المتوسط». كما تنظم المدارس زيارات إلى المتاحف المصرية فى برلين وميونيخ كجزء من النشاط الميدانى المكمّل للمناهج.

وفى فرنسا، وهى بلد الثقافة والفنون، تظل مصر القديمة جزءًا راسخًا من مناهج التاريخ منذ الصفوف الأولى، ويدرسونها ضمن وحدة  تحمل اسم «العصور القديمة». ويتعرف التلاميذ هناك إلى مصر بوصفها مهد الكتابة والإدارة والتنظيم السياسى، وتُستخدم فى التعليم موارد رقمية ومصادر مصورة تحت عنوان L’Égypte antique، تشرح بلغة مبسطة كيف نشأت الدولة ومؤسساتها على ضفاف النيل.

هكذا، لا تبدو الحضارة المصرية القديمة مجرد فصل فى كتاب التاريخ الغربى، بل هى تعلم كيف بنى الإنسان الحضارة. فقد أدرك الغرب أن تعليم هذه الحضارة هو تعليم لفكرة الخلود والبحث عن المعنى، وأن الطفل الذى يندهش من أسرار الأهرامات اليوم، قد يصبح غدًا باحثًا أو فنانًا أو عالمًا.

المناهج الدراسية فى أى بلد تُوضع على أسس علمية وبأهداف محددة، وتدريس الحضارة المصرية القديمة لا يقوم على الإعجاب بالماضى فحسب، بل على الإلهام الحضارى الذى تمثّله تلك التجربة الإنسانية الفريدة. فمصر القديمة ليست مجرد قصص الملوك والمعابد، بل دليل على قدرة الإنسان على البناء والإبداع بل والبحث عن الخلود عبر الأزمنة وهو ما نجح فيه المصرى القديم الذى بنى حضارة منذ آلاف السنين لتكون اليوم منهجًا يدرسه التلاميذ فى المدارس حول العالم لتثبت هذه الحضارة العظيمة  أن المجد يصنع بالعقل والعمل، لا بالصدفة والحظ ولا  بالقوة والسيطرة.

 دورات تعليمية عن تاريخ مصر القديم فى المتاحف الغربية 

وفى السنوات الأخيرة، نظّمت ألمانيا نظامًا متطورًا، فتضع الحضارة المصرية ضمن المناهج التاريخية والفنية معًا بمتاحف وجامعات غربية ورشًا ودورات خاصة للأطفال تحت عنوان «استكشف مصر القديمة» أو «يوم فى حياة الفراعنة»، يجمع فيها الصغار بين التعلم العملى واللعب الإبداعى فى أجواء تمزج بين التاريخ والفن.

فى ألمانيا، يقدم «متحف الدولة للفن المصرى» فى ميونخ (Staatliches Museum Ägyptischer Kunst) برامج تعليمية خلال العطلات المدرسية، تتيح للأطفال فرصة التعرف على أسرار التحنيط والكتابة الهيروغليفية وبناء الأهرامات من خلال أنشطة تفاعلية وأعمال فنية. هذه التجارب أكثر فعالية فى التعلم إذ تجعل التاريخ مادة حيّة يمكن لمسها بالأيدى لا حفظها فى الكتب.

أما فى الولايات المتحدة الأمريكية، فينظم «متحف روبرت وفرانسيس فولرتون للفنون» (RAFFMA) بجامعة ولاية كاليفورنيا ورشًا بعنوان «Kids Discover Egypt» أو «الأطفال يكتشفون مصر»،وهى ورش مخصصة للأطفال من سن السادسة وحتى الخامسة عشرة، يتعلمون خلالها كيف كانت تُبنى المقابر الملكية، ويجربون بأنفسهم رسم الرموز الهيروغليفية وصنع الأقنعة الفرعونية.

وفى أستراليا، يفتح متحف «Chau Chak Wing» التابع لجامعة سيدنى أبوابه للصغار عبر ورش عمل بعنوان «Explore Ancient Egypt» أو «استكشف مصر القديمة»، حيث يعيش المشاركون يومًا كاملًا فى أجواء مصر القديمة، بين المومياوات والتماثيل والبرديات، ليتعلموا بطريقة ممتعة عن حياة المصرى القديم وإيمانه بالعالم الآخر. ويحاول الأطفال التعرف على طرق التحنيط التى استخدمها المصرى القديم.

ولا يقتصر الاهتمام على الأنشطة التعليمية فحسب، بل تمتد التجربة إلى تعزيز الحس الإنسانى والجمالى لدى الأطفال، من خلال فهم قيم الخلود والنظام والإبداع التى أرستها الحضارة المصرية. فهذه الورش لا تعلّمهم التاريخ فقط، بل تساعدهم على طرح أسئلة عن الحضارة، والهوية، والمعنى.

لقد أثبتت تلك التجارب أن مصر القديمة لا تزال قادرة على مخاطبة العقول الصغيرة بعمق وسحر، وأن ما تركه المصريون القدماء لم يكن حجارة صامتة، بل إرثًا إنسانيًا يتجدّد مع كل جيل جديد.

ومن اللافت أن بعض هذه المتاحف لا تكتفى بتنظيم الورش داخل قاعاتها، بل تتعاون مع المدارس والجامعات الغربية لإدماج الحضارة المصرية فى المناهج التعليمية بطريقة عملية. ففى بريطانيا وألمانيا وأستراليا، تُنسَّق زيارات مدرسية منتظمة إلى أقسام «مصر القديمة»، حيث يتلقى الطلاب دروسًا مباشرة من مرشدين متخصصين فى علم المصريات، ويُشجَّعون على البحث والمقارنة بين الماضى والحاضر.

هكذا تتحول المتاحف من أماكن للعرض إلى فصول تعليم حيّة، تعيد إحياء التاريخ وتُقرّب أسرار الفراعنة إلى أذهان الأجيال الجديدة، ليظل اسم مصر حاضرًا فى وجدان العالم - حضارة تُدرَّس وتُعاش، لا تُنسى ولا تغيب. 