الإثنين 30 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
هكذا صنعت مصر درعها الحامى:‏ يوم أخرج المصريون وطنهم من عتمة الكهف!‏

هكذا صنعت مصر درعها الحامى:‏ يوم أخرج المصريون وطنهم من عتمة الكهف!‏

يختلف احتفال المصريين بـ30 يونيو هذا العام عن أى عام سابق، تهل عليهم ذكرى اليوم ‏العظيم، فى ظروف إقليمية ودولية فى غاية الصعوبة، إذ تحيط بمصر المخاطر والنيران ‏من كل جانب، لكنها كالعادة تنتصب واقفة صامدة، تحافظ على سلامتها ببراعة لاعب سيرك ‏يمشى على حبل مشدود، أرفع من خيط يمر من سم الخياط، بيئة متربصة لم يحدث أن عاشت ‏مصر مثلها فى الألف سنة الأخيرة.



فالتربص ليس فقط من أعداء غرباء فى غاية الوقاحة ‏يتحينون أى فرصة للانقضاض، بل من بعض أهلها الذين تحولوا إلى خلايا سرطانية باسم ‏الدين، يحاولون نهش استقرارها وأمنها وسلامتها وثقافتها وتراثها الإنسانى، ومن أصدقاء ‏طوائف يصفون أنفسهم بأنهم إخوة فى الروابط والعرق والتاريخ، ويعملون على زحزحتها ‏من مكانتها، مع أنها لا تتنافسهم معهم فى أى أدوار يسعون إليها، ولا تعرقل أفكارا ‏يطرحونها ويتغنون بها كما لو أنهم يملكون عيون زرقاء اليمامة كاشفة غيب المستقبل، ‏والغريب أن الأعداء يشتهون لحم هؤلاء الأصدقاء وفراشهم ولا يخفون ذلك كتابةً وشفاهةً، ‏لكن الأصدقاء يسترضون غرور هؤلاء الأعداء بالورود والهدايا والعطايا، ويظنون أن أنياب ‏الذئب المستعدة لافتراسهم، ما هى إلا تعبير عن ابتسامة ود أظهرت فقط فك الذئب واسعا!‏

تخيلوا معى سيناريو درامى من مشهد خيالى، لو أن «الجماعة السرطانية الخبيثة» هى التى ‏تحكم الآن فى ظل هذه المخاطر والنيران، ما الذى كان يمكن أن يحدث لمصر؟، أو بمعنى ‏أدق ما الذى كان يمكن أن يحدث لنا وفينا؟

أعترف أن ثمة مشكلات وأزمات وصعوبات فى الحياة اليومية، لكن ثمنها مقبول بأن ننام بين ‏جدران تحمينا، تحت حراسة جيش يقظ أعيد تسليحه وتدريبه فى السنوات العشرة الأخيرة ‏ليكون مستعدا لمثل هذه الأيام التى تتكاثر فيها المخاطر والنيران!‏

نعود إلى 30 يونيو، فهو اليوم الذى خرج فيه المصريون من عتمة الكهف الذى دفعتهم إليه ‏جماعة الإخوان، ولا يجب أن ننسى أو ننكر أننا مهدنا لهم السبل إلى النيل منا، وسمحنا لهم ‏أن يمسكوا برقابنا، ولا يجب أبدًا أن نغفل عن ذلك، فالمؤمن لا يلدغ من جحر العقارب ‏والثعابين مرتين، وإلا كان بلا عقل، والإيمان عقل واع يصل إلى الله بكل خلاياه وجوارحه!‏

إذن ونحن نحتفل بـ30 يونيو هذا العام، نحتفل بأنفسنا أيضا، فنحن الذين صنعنا هذا اليوم، ‏أنقذنا مصر وأنفسنا من قبضة الظلام، ونحن معا الشعب وجيشه، ودفعنا ثمنا باهظا، وهذا ‏طبيعى جدا، فمن أخطأ تتراكم على أكتافه وجيوبه «تكاليف» هذه الأخطاء، وأسألكم سؤالا ‏بسيطا: يا ترى لو حسبنا قدر الخسائر التى تحملتها مصر فى السنوات الخمس التالية لـ25 ‏يناير 2011، حتى لاح فجر الاستقرار وتوسطت شمسه الساطعة سماء المحروسة؟، لن أكرر ‏حجم الحرائق والدمار والعمليات الإرهابية والمصانع التى تعطلت والأعمال التى ‏أغلقت.. إلخ، فكلنا عشناها، مؤكد أننا نتحدث عن مئات المليارات من الجنيهات سنويا..

وهنا لا أدافع عن أحد ولا أجامل أحدا..‏

نعم كان من الممكن أن نكون فى أوضاع أحسن من التى نحن عليها الآن، لكن حين يخرج ‏مريض من غرفة العمليات، لا يستطيع أن يعمل بكامل طاقته العقلية والبدنية إلا بعد فترة، ‏تطول أو تقصر حسب نوع الإصابة التى لحقت به، إذ يظل تحت الملاحظة والرعاية المركزة ‏‏ فترة، ثم النقاهة فترة..وهكذا، فما بالك بمجتمع ضخم، نعم كنا مصابين جدا، وكنا أيضا ‏نعانى من عيوب متوارثة من عشرات السنين فى التفكير وأداء الأعمال والكفاءة العامة، ‏والأخطر أن هواجس الفوضى والاضطراب ظلت عالقة فى ذاكرتنا، وصبغت أيامنا، لا سيما ‏أن الأعداء الذين خططوا والخلايا السرطانية التى نفذت لم يتوقفوا يوما واحدا عن أفعالهم ‏العدوانية سرا وعلانية، والهواجس تدفع الإنسان بالضرورة إلى مزيد من أساليب التحوط ‏والتأمين وغلق منافذ الشك!‏

وأتصور مع 30 يونيو الحالى، أن «المناعة العامة»، برغم الأخطار والنيران، صارت ‏أقوى مما كانت عليه فى 30 يونيو 2013، ومن حق هذه المناعة الوطنية أن تمارس دورها ‏الطبيعى فى حماية الوطن دون أى هواجس، بالسياسة والثقافة والوعى والإعلام والمشاركة ‏المجتمعية الفاعلة.‏

فى ذلك اليوم البعيد، قبل 12 سنة بالتمام والكمال، وتحديدا فى الساعات الأولى من نهار 30 ‏يونيو، كانت شوارع القاهرة شبه خالية، لا شىء يشى بأن شعبا سينهض، ويخرج منه 30 ما ‏يقرب من مليون مصرى إلى شوارع وميادين المدن الكبرى والمراكز، بل فى قرى لم ‏يتجمع أهلها أبدا إلا فى المآتم والأفراح منذ وعت على الدنيا!‏

كان الطريق ملغما وعرا ومهددا بالدم والرصاص، فالجماعة لها تنظيم خاص مسلح، له خبرة ‏وتاريخ فى أعمال العنف والفتل، من قبل قيام ثورة يوليو بسنوات طويلة، اشتبكات بين شباب ‏الجماعة والطلبة الوفد بجامعة فؤاد (جامعة القاهرة الآن)، ثم اغتيالات فى نهاية الأربعينيات، ‏يعنى قبل ظهور جمال عبدالناصر والجيش فى الصورة!‏

لكن المصريين لم يخافوا، يريدون أن يكونوا مواطنين فى دولة عصرية، لا رعية فى إمارة ‏دينية، خاصة أن الرئيس محمد مرسى كان ولاؤه للجماعة وليس لمصر، وأمرته أن يعيد مجلس ‏الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية لفساد القانون الذى نظم انتخاباته، ففعلها وهو لا ‏يدرك أنه لا يملك إحياء الموتى، وحكم المحكمة الدستورية، أعلى سلطة قضائية فى مصر، ‏حكم بالإعدام واجب النفاذ، وبقرار عودة مجلس الشعب حفر محمد مرسى «المدفن» الذى ‏ستئول إليه رئاسته.‏

لم تكن الجماعة تصدق أن المصريين قادرين عل فعلها، واعتبروا الأخبار التى تناثرت عن ‏نهوض الشعب وثورته القادمة مجرد أضغاث أحلام، حتى إن الدكتور هشام قنديل رئيس ‏الوزراء وقتها تجول فى شوارع القاهرة فى موكب رسمى مع خيوط الفجر الأولى، من ميدان ‏التحرير إلى ميدان مصطفى كامل وبقية ميادين وسط البلد، ومحيط قصر الاتحادية، يراجع ‏إجراءات الأمن والحماية.. فوجد الدنيا هادئة والأحوال عال العال ولا تستدعى قلقا!‏

فى الوقت نفسه قررت وزارة المالية أن تصرف معاش شهر يوليو بالعلاوة السنوية الجديدة ‏مبكرا يوما، أى يوم 30 يونيو، فتضمن وقوف تسعة ملايين مواطن أمام مكاتب البريد ‏والبنوك فى أنحاء البلاد لاستلام المعاش، وهل يعقل أن يتركوا «الفلوس» إلى المظاهرات، ‏والمثل يقول «عض قلبى ولا تعض رغيفى، فإن قلبى على الرغيف ضعيفِ!‏».

ولكن أغلب الناس لم يذهبوا لا إلى المعاش ولا إلى أعمالهم فى الوزارات والمؤسسات ‏الحكومية، بل إن طوابير السيارات أمام محطات الوقود اختفت تماما، لأول مرة منذ شهور، ‏كأن الأزمة حُلت فجأة، ولم تفهم الحكومة أن الناس امتنعت عن النزول بسياراتهم إلى ‏الشوارع، لأنهم مقبلون على معمعة كبرى!‏

باختصار.. بعد أن مالت الشمس ناحية الغرب متجاوزة كبد السماء، كانت الملايين تفيض ‏على الشوارع كأنهم هبطوا من السماء، فى مشهد لم تره مصر ولا العالم من قبل، وهم ‏يهتفون: كدابين كدابين..ضحكوا علينا بالدين.‏

ما حدث فى ذلك اليوم البعيد، من تصحيح المصريين لخطأ تاريخى وقعوا فيه تحت ضغوط ‏الفوضى والمؤامرة التى صاحبت ثورة 25 يناير، هو الذى صنع من 30 يونيو درع مصر ‏الذى يحميها الآن.‏