الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بعد الضربة الإسرائيلية لبلادهم: لماذا صمت مخرجو السينما الإيرانية؟

في فجرٍ ثقيل التوقيت، تلقت إيران ضربة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة - لا تزال الضربات تتوالى بين الطرفين-  وهو ما جعل منطقة الشرق الأوسط تدخل فى موجة جديدة من التصعيد والقلق. وكما هو معتاد في اللحظات المفصلية، يتجه العالم إلى مراقبة ما ستقوله السياسة... ثم الفن...



لكن المفارقة التي لا يمكن تجاهلها، أن صُناع السينما الإيرانيين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المنفى مثل «جعفر بناهي» الحاصل على السعفة الذهبية في الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائي الدولي، و«بهمان قوبادي»، و«أصغر فرهادي»، و«محمد راسلووف»، لم يعلقوا على الحدث. لم يصدر عنهم تصريح واحد، أو حتى تلميح على حساباتهم الرسمية. هذا الصمت يثير الأسئلة أكثر مما يقدم إجابات.

فلماذا صمت مخرجو السينما الإيرانية؟ وهل كان ذلك عن قصد؟ أم عن حذر؟ أم لسبب أعمق من السياسة؟

 إن علاقة هؤلاء المخرجين بإيران شديدة التعقيد. هم ليسوا موظفين في الدولة ولا أدوات في ماكينة «البروباجندا»، بل خصوما علنيين للنظام، سبق أن طاردهم، سجنهم، ومنعهم من العمل. لكنهم في الوقت ذاته لا يمكن أن ينفصلوا وجدانيا عن «الوطن» كفكرة، كحنين، كماضٍ شخصي وجماعي. والضربة التي تعرضت لها إيران ليست مجرد حدث سياسي، بل جرح يمس الأرض التي ولدت فيها أفلامهم الأولى، وشهدت نشأتهم كفنانين. هذا التعقيد في الانتماء قد يشل رد الفعل، ويحول حتى أبسط الكلمات إلى عبء ثقيل. كيف تكتب عن بلدك إذا كنت تعارض حكامه وتخاف على شعبه في آن واحد؟

وربما أهم شيء ينبغي التوقف أمامه هو التعقيد العاطفي والسياسي لعلاقة الفنان المنفي بوطنه الأصلي. كثير من هؤلاء المخرجين يحملون في أفلامهم حبا كبيرا لإيران، لكنه حب مجروح، محمل بالخيانة والمنفى والملاحقة. فإيران بالنسبة لهم ليست النظام الحاكم، ولا المؤسسة الأمنية، بل الأم والمكان واللغة والذكريات والحياة بأكملها. 

قد يكون هناك ثمة هاجس دائم يلاحق هؤلاء المخرجين الذين هربوا إلى المنفي، وهو خطر توظيف صوته ضمن أجندات سياسية لا ينتمي لها. فإن أدان الضربة الإسرائيلية، قد يتهم بمساندة نظام قمعي. وإن صمت، يحمل ذنب التخلي. وإن حاول التوازن، يسحب كلامه إلى معسكرات إعلامية متناقضة.

الفن، بخلاف الإعلام والسياسة، لا يجيد التفاعل اللحظي. المخرجون الحقيقيون لا يكتبون بيانات، بل يصنعون أفلاما. والكاميرا، بطبيعتها، لا تتحرك مع أول صاروخ، بل تنتظر أن يهدأ الدخان، وتفهم القصة، ثم ترويها.

من هنا، فإن كثيراً من المخرجين ربما فضلوا أن يردوا لاحقاً، عبر أعمال سينمائية توثّق وتفكك ما جرى، بدلاً من المساهمة في سيل المواقف اللحظية. لقد اعتادوا أن يقولوا الحقيقة بصريا، لا بصوت مرتفع.

وفي تاريخ السينما العالمية، لم تكن أعظم أفلام الحرب هي تلك التي صورت المعركة لحظة وقوعها، بل التي جاءت بعدها، لتحمل تأملاً، أو نقداً، أو تساؤلاً عما حدث. السينما الجادة تعرف أن الانفعال لا يصنع أفلاما عظيمة، وأن الكاميرا ليست بندقية، بل مرآة متأخرة.

صمت مؤقت أم خيار دائم؟

ربما لم يصمت الفنانون الإيرانيون... بل قرروا أن لا يتكلموا الآن. ربما أرادوا أن يمنحوا أنفسهم، وجمهورهم، مساحة للتأمل بدلًا من الاصطفاف. وربما كان هذا الصمت هو الشكل الأصدق لموقفهم في عالم يُحاصِر الكلمة من كل الجهات. وقد يكون صمتهم لا يعود إلى الجبن أو الجفاء، بل إلى إدراكهم لحساسية اللحظة، وربما قد ينجزون أعمالا لاحقاً تعبر عن ألم المرحلة، أو يظل صمتهم هو الموقف.

ومع ذلك، تبقى هذه الحالة غير المألوفة – صمت فنانين طالما صرخوا – مثيرة للتساؤل. ربما تنذر بتحول في علاقة الفنان بالسياسة، وربما هي فقط هدنة، قبل أن تعود الكاميرا وتقول كل شيء... كما تفعل دائماً.