الإثنين 30 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

هل تكون رحمة محسن «شيرين جديدة» أم ستظل مغنية «تيك توك»؟

«رحمة محسن» ليست مجرد مغنية صاعدة، بل ظاهرة مركبة تحمل ملامح مشروع فنى لم يكتمل بعد، وخيارات شخصية وفنية لم تُحسم. بدأت من الهامش الاجتماعى، وتملك شهادة أكاديمية فى الموسيقى – بحسب ما صرّحت به – وشقّت طريقها بصوتٍ دافئٍ، لكنه حتى الآن يفتقر إلى الخصوصية، ويكاد لا يخرج عن إطار النسخ النمطية المنتشرة فى المشهد الغنائى المعاصر.



 

عند التمعّن فى مسيرتها، تُستدعى تلقائيًا صورة «شيرين عبدالوهاب» فى بداياتها، حين غنّت من قلب الأحياء الشعبية، قبل أن يتلقفها «نصر محروس» ويعيد تشكيلها ضمن مشروع فنى متكامل. الفارق أن «شيرين» وجدت من يرسم لها خارطة طريق واضحة، فيما تبدو «رحمة» اليوم حائرة بين زخم التريند، واستغلال الصورة الجسدية، وتغييب شبه تام للرؤية الفنية.

ما يدفع الجمهور نحوها لا يبدو مرتبطًا بصوتها قدر ما يرتبط بعنصر الإبهار البصرى: فيديوهات مصممة بعناية فائقة، إطلالات مثيرة بملابس ضيقة وقصيرة تستهدف جذب الأنظار، لا سيما من جمهور الملاهى الليلية التى تغنّى فيها. أداء مسرحى مبالغ فيه، قائم على استعراض الجسد، إلى جانب عبارات مصاغة بأسلوب «التلقيح اللفظى» لتحفيز التفاعل، أكثر مما تهدف إلى تقديم مضمون فنى حقيقى. بهذا المعنى، يمكن تصنيفها بوصفها ظاهرة بصرية أكثر من كونها حالة غنائية مكتملة.

أما على صعيد النصوص، فإن الأغانى التى تؤديها تنتمى إلى ما يمكن وصفه بـ«شعر التيك توك»: جمل استفزازية، مفرطة فى الحسّية، شديدة الفقر على المستوى الدلالى. عبارات مثل «غول الأصول لو حضر الطلق ينزل مطر» تعكس خللًا فى التكوين اللغوى، وتؤكد أن الغرض من النص ليس التعبير، بل إثارة الجدل، بل وتكشف تناقضًا جماليًا واضحًا؛ إذ إن «الغول» كائنٌ خرافى دميم، فكيف يستقيم مع مفهوم «الأصول» النبيل؟

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن لـ«رحمة» خامة صوتية تستحق التوظيف، ولكنها لم تُستثمر بعد فى السياق الصحيح. فكل ظهور لها، يعيد إنتاج الصورة ذاتها: المرأة التى تُختزل فى جسدها، فى ظل غياب كامل لمساحة التعبير الإنسانى الحقيقى.

القصور الأوضح فى تجربتها هو غياب الهوية الصوتية المستقلة. فـ«رحمة» تُقلّد أكثر مما تُبدع، وتُردّد أكثر مما تُخاطر. حضورها الصوتى لا يحمل بصمة، ولا يضيف إلى أرشيف البوب المصرى أى جملة لحنية ذات أثر. هى النسخة النسائية من «رضا البحراوى»، الذى يعتمد بدوره على «تلقيح الكلام»، وتوجد فى الساحة أصوات كثيرة شبيهة بها مثل «يارا محمد» و«حورية».

لكن لا يمكن تجاهل أن السوق باتت مهيّأًة لمثل هذه الأصوات. جمهور «التريند» يبحث عن الإثارة اللحظية، لا عن الكمال أو الاستمرارية. قد تحصد «رحمة» ملايين المشاهدات على المنصات، لكن دون أن تترسخ فى ذاكرة الجمهور.

وهنا تطرح المعضلة: هل تكتفى «رحمة» بمكانة مؤقتة وسط زحام من الأصوات النسائية المتشابهة؟ أم تسعى إلى بناء مشروع فنى يمنحها تميّزًا واستمرارية، على غرار «شيرين» التى عبرت من الأفراح إلى المسارح العربية الكبرى؟

لتنجو «رحمة» من أن تكون ظلًّا باهتًا لغيرها، لا بد لها من إعادة تعريف ذاتها. تحتاج إلى منتج فنى يقرأ صوتها لا جسدها، وإلى شعراء يتحرّرون من منطق «اللايكات»، وملحنين يفهمون كيف تُصنع الأغنية التى تعيش.

«رحمة محسن» تمتلك تجربة حياتية فريدة، يمكن أن تُترجم إلى محتوى غنائى أصيل ومعبّر عن واقعها الاجتماعى الذى عاشت به وعانت من ظروفه القاسية. ولكن عليها أن تقرر الآن: هل تكون مجرد ظاهرة تيك توك عابرة؟ أم صوتًا حقيقيًا يُضاف إلى ذاكرة الأغنية المصرية؟.