قهوة الإبداع

ضمن باقة الأعمال الدرامية الثمينة فئة الـ15 حلقة فى النصف الثانى من رمضان، عُرض مسلسل «قهوة المحطة»، وهو عمل فى المجمل يحمل عبق شكسبير ونفحات روائعه فى كتاب « المآسى الكبرى»، وعبقرية نجيب محفوظ فى «المذنبون»، وفلسفة الكاتب عبدالرحيم كمال ومخزون ثقافته ورؤيته العريضة للواقع فى ضوء المستجدات التي طرأت على المجتمع، الآن، مستعرضًا مفاصل لعصور من تاريخ مصر، بجانب عظمة المخرج إسلام خيرى فى قيادة هذه المقطوعة الدرامية الجميلة بعد أن أمتعنا فى النصف الأول برائعة «جودر». فى «قهوة المحطة»، جريمة قتل شاب حالم قادم من بلد المواويل سوهاج أحمد غزى «مؤمن الصاوى» باحثًا عن حبه وحلمه بأن يصبح ممثلاً شهيرًا، تكشف عورات المجتمع بين الماضى والحاضر، وسط تفاصيل مذهلة ومدهشة ومهرجان رفع شعار الإبداع للجميع، مع روعة الكبار فى العمل، الملك فؤاد «رياض الخولى»، والمعلم رياض «بيومى فؤاد»، وضابط المباحث عمر الموافى «أحمد خالد صالح» الذي تتكشف عنده الأحداث فى جريمة الجميع فيها جناة وضحايا.

العمل يعزف لوحة فنية بديعة وسيمفونية محقونة بالأصالة والمعاصرة من لحم ودم الكاتب والمفكر «عبدالرحيم كمال» والمخرج والعَالم الدرامى «إسلام خيرى»، على خلفية صوت أحمد منيب وأشعار عبدالرحيم منصور «يا وعدى على الأيام» وهى إحدى روائع الثمانينيات، ولم يكتفِ المؤلف والمخرج من عصارة ثقافتهم وانتمائهم لهذه الفترة بأغنية منيب، بل من الممكن أن نلمسها فى أغنيات قال إيه بيسألونى «حبك مفرحنى فرح الطير بطيرانه» ألحان خالد الذكر الشيخ سيد مكاوى التي تستمع إليها الموهوبة «فاتن سعيد» على خليفة حبيبها «أحمد غزى» وأغنية «أحلى طريق فى دنيتى» لفايزة أحمد وسيرة الحب لأم كلثوم، حتى تترات مسلسلات بوابة الحلوانى وذئاب الجبل.

 و«ليه يا زمان ماسيبتناش أبريا وواخدنا ليه فى طريق ممنوش رجوع»، و«ندق ندق بوابة الحياة بالإيدين قومى افتحى لولادك الطيبين» و«قالوا علينا ديابة واحنا يا ناس غلابة».. فمن منيب وعبدالرحيم منصور إلى بليغ وحجاب، فى مسلسل سيكون نقطة تحول فى حياة كل عناصره، حتى من قام بأداء مشهد واحد، فى مقدمتهم الموهبة الكبيرة «أحمد غزى» الذي كتب شهادة ميلاده، والرائعة الموهوبة «فاتن سعيد» مفاجأة دراما رمضان، و«أحمد خالد صالح» مفتاح سر المسلسل فى أروع أدواره، والعظيمان رياض الخولى وبيومى فؤاد، وانتصار التي تحصد مقابل اجتهادها وعصارة خبراتها، إلى جانب نبوغ «غادة طلعت» قنبلة المواهب الموقوتة التي نجحت بامتياز فى مجاراة غول التمثيل «رياض الخولى وتمكن أحمد ماجد»، وتفوق حسن أبوالروس وعلاء مرسى وعلاء عوض وضياء عبدالخالق وسليمان عيد وآلاء على وانصهار موهبة «يوسف عثمان وعمر شريف» مع عزف ثلاثى المنيا «هالة صدقى» فى تراكها الصحيح و«محمد الصاوى وفتوح أحمد، فى مهرجان الإبداع للجميع.

فى «قهوة المحطة» أو قهوة الإبداع، تصاوير ومعانٍ مذهلة وإسقاطات بالجملة على الماضى والحاضر، فمجتمع الأسياد والعبيد من الممكن أن تلمحه فى شخصية «الملك» فى صورة الاتجار بأعضاء البشر، والحمار الذي أصبح أغلى من الحصان، واللى مايعرفش يمشى ويسبق الكل، بجانب رسائل الدين لله والوطن للجميع ضد هواة الفتنة الطائفية والمتطرفين فى مصر وطن المبدعين.