د. أسامة الأزهرى وزير الأوقاف (2): الإلحاد خطر كبير وأحد أنواع التطرف الفكرى.. ويتطلب مواجهة فكرية عميقة منظمة

إعداد: صبحى مجاهد
فى شهر رمضان تفتح روزاليوسف صفحاتها لإثراء العقل بفهم دينى صحيح.. ونتعرف على أمور مهمة فى الشهر الكريم.. وفى روضة رمضان هذا العام نقدم مادة صحفية من نوع خاص تشبع رغبة القارئ فى معرفة رأى الدين فى بعض القضايا وتأخذ بيده للجلوس على مائدة أحد كبار العلماء للتعرف على رأى الدين فى العديد من القضايا، حيث خصصنا هذا العام بابًا خاصًا بفقه الصيام، يوصل لنا أحكام الصوم بصورة سهلة ومبسطة من خلال استضافة د.شوقى علام المفتى السابق على صفحات روزاليوسف.
كما سيكون معنا خواطر لفضيلة الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء نستقى من خلالها العديد من الرسائل الإيمانية التى تشرح صدورنا لفهم الدين.
وفى روضة رمضان هذا العام سيكون معنا حوار أو قضية نناقشها نتعرف من خلال على أمور دينية أو أمور تتعلق بالساحة الدعوية.
فى الجزء الثانى من لقائنا مع د. أسامة الأزهرى وزير الأوقاف نستعرض رؤيته فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وأهميته، وسمات التطرف وكيفية المعالجة.. والمنطلقات الفكرية لجماعات التطرف.
كما سيتم التعرف على كيفية مواجهة التطرف اللادينى والتى تعتبره وزارة الأوقاف من أكثر القضايا خطورة مثله مثل التطرف الدينى.. وهو ما سنتعرف عليه وأكثر من خلال السطور التالية :
تحدثنا عن دور الأوقاف فى مواجهة التطرف الدينى فماذا عن جانب التطرف اللادينى كالإلحاد؟
- الإلحاد خطر كبير وأحد أنواع التطرف الفكرى وينبغى التعامل معه بحرص وبوعى كامل ودراسة.. والإلحاد يتطلب مواجهة فكرية عميقة منظمة.
وقد جمعنى لقاء سابق مع بابا الفاتيكان تخلله بحث سبل التعاون لمواجهة الإلحاد، وشددنا على أهمية بناء منظومة فكرية عقلية قادرة على التصدى للفكر الإلحادى ودعاته، الذين ينطلقون من محددات ثلاثة: الاستفزاز، والافتخار، والانتشار. وكان العمل المستمر لبناء علاقة قوية وراسخة بين المؤسسات الدينية ممثلة فى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء ومشيخة الطرق الصوفية ونقابة الأشراف، من أجل صياغة وإقرار برامج عمل مشتركة لصالح الدين والوطن، فنحن نسعى معًا لتعظيم جسور التعاون مع الجهات الأربع لأننا نريد أن نقدم للمصريين شيئًا تستريح له نفوسهم.
كما تم تكثيف الجهود الدعوية فى إطار استراتيجية شاملة لبناء الإنسان ومكافحة التطرف بجميع أشكاله.
قلتم إن الملحدين عدة شرائح، فما معنى ذلك؟
- عكفنا على دراسة ومتابعة متأنية وضعنا فيها أيدينا على أهم شرائح الملحدين، كما فعلنا فى رصد سمات المتطرفين، ليكون رصدنا ومواجهتنا فى وزارة الأوقاف لهذه القضية على بينة وعلم، فوجدنا أن الملحدين ينقسمون إلى أربع شرائح، الأولى: شريحة لديها مفهوم إلحاد ينفى وجود الإله بالأساس وينفى أى قوة غيبية، كما هو معلوم عند القائلين بنظرية الانفجار العظيم، وأعظم منظريها الفيزيائى الشهير ستيفن هوكينج؛ والشريحة الثانية هو «الملحد الربوبي»، وهو ملحد يومن بوجود قوة غيبية ما، ولكنه ينكر الوحى أو النبوة أو التشريعات أو العناية الإلهية؛ والشريحة الثالثة من الملحدين ترى أن الأدلة التى تنفى وجود الإله أو التى تثبته شديدة التساوى، ما يجعلهم يصلون فى نهاية المطاف إلى عدم وجود طريق قطعى، وتسمى هذه فئة «الملحد اللا أدري»؛ والشريحة الرابعة الملحد المنفجر نفسيًا، وهو لا ينكر وجود إله، ولكنه بالتعبير الدارج «زعلان من الإله» بسبب عدد من الإشكاليات مثل وجود الأمراض والزلازل والفقر والأشياء التى تروع الإنسان.
وتنوعت الجهود لعلاج هذه الإشكاليات، بعضها فى ندوات ولقاءات مباشرة مع الطلاب كما حدث فى جامعة أسيوط، وبعضها فى صورة لقاءات تليفزيونية وندوات وحوارات ومؤلفات يعمل المجلس الأعلى عليها.
تجديد الخطاب الدينى
وماذا عن قضية التجديد فى الخطاب الدينى، وما الأسس التى ينبغى أن يقوم عليه؟
- تجديد الخطاب الدينى مهمة كبيرة، وقد تتبعنا من قام بهذه المهمة العظمى، منطلقين من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها»، وقد ألف الإمام السيوطى رحمه الله كتابًا أسماه «التنبئة بمن يبعثهم الله على رأس المئة»، وقد ألف فى هذا الصدد غيره الكثير من العلماء.
والتجديد هو: اقتدار علماء الشريعة فى كل زمان على أن يولدوا من معين الشرع الشريف أجوبة حكيمة هادية منيرة على أسئلة هذا الزمان وعلى إشكالات هذا الزمان وعلى فلسفات هذا الزمان، وإذا قام العلماء فى كل جيل بتقديم هذه الأجوبة فقد مارسوا صنعة التجديد.
ومن أهم أسس التجديد، أن يكون العالم شديد الارتباط بالأصل، والوعى بمقاصد الشريعة، ومعرفة تضاريس الدين فى فلسفته ورؤيته وعقائده وأخلاقه وقيمه وروحه ونسقه وغاياته البعيدة، وأنوار الهداية المحمل بها من الارتباط بالأصل، والاتصال بالعصر ومعرفة لغته وثقافته وفهمه ومداخله، ثم حسن الربط ما بين الأصل الشرعى وما بين العصر الذى نعيش فيه.
ورؤيتنا لتجديد الخطاب الدينى تتمثل فى أن يكوِّن الخطاب الدينى وعرضه الإعلامى عبر الأوساط والوسائط المختلفة منظورًا واسعًا لمقاصد الشرع الحنيف، من خلال الاحتكاك بالعالم، والانفتاح على ثقافاته، والاتصال بهذا العصر، والمقدرة على توليد أجوبة وحلول من معين الشريعة على مشكلات هذا العصر وعلى أسئلة هذا الزمان، ويصعب تجديد الخطاب الدينى فى ظل عدم وجود استراتيجية واضحة محددة يمكن من خلالها توزيع الأدوار، وتحديد أبعاد دور كل مؤسسة فى تجديد الخطاب الدينى.
وثمة بُعد مهم فى قضية التجديد ومواجهة أفكار التطرف يتعلق بضرورة بناء الثقة بين القائمين على الخطاب الدينى والمجتمع، وهى نقطة شديدة الأهمية، ودونها لا إمكان لوجود عمل حقيقى، فالمفتاح الحقيقى قضية الثقة.
فهم النصوص الدينية
يأخذنا هذا إلى أهمية الفهم الصحيح لنصوص الشريعة، وأثر الفهم المنحرف؟
- وفى هذا الأمر يشير الأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى، إلى قول النبى (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ ممَّا أتخوَّفُ عليكم رجلٌ قرأ القرآنَ، حتَّى إذا رُؤِيَتْ بهجتُه عليه وكان ردءَ الإسلامِ اعترَّه إلى ما شاء اللهُ، انسلخ منه، ونبذه وراءَ ظهرِه، وسعَى على جارِه بالسَّيفِ، ورماه بالشِّركِ. قال: قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أيُّهما أوْلَى بالشِّركِ: المرمِيُّ أو الرَّامي؟ قال: بل الرَّامي».
هذا الحديث الشريف يحوى ثلاث مراحل للشخص الذى غير وبدَّل وانحرف، المرحلة الأولى: مرحلة الأمان، ولها ثلاث سمات؛ (١) أنه أوتى القرآن، و(٢) رؤيت عليه بهجة القرآن، و(٣) كان ردء للإسلام، والمرحلة الثانية: مرحلة التغيُّر والانحراف وتتلخص فى كلمة «غيرَّه إلى ما شاء الله»، والمرحلة الثالثة: وهى مرحلة الخطر، وهو التحول إلى شخص قاتل وتكفيرى يحمل السلاح، وهذا تلخيص نبوى أمين ودقيق لكل تيارات التطرف عبر الزمن، لذا ينبغى أن يكون لدينا علم ووعى ومواجهة وتحصين ضد هذا الفكر الذى ينشط أحيانًا ويخبت أحيانًا.
وما أثر الفهم والوعى الصحيح؟
- للعلم والمعرفة الأهمية القصوى لنحسن فهم النصوص الشرعية، فتكون سببًا للبناء والعمران، وليست سببًا للدمار والخراب.
سمات الفكر المتطرف
إذا انتقلنا إلى سمات الفكر المتطرف: هل هى ثابتة أم متغيرة؟
- الموجات الجديدة من التطرف لها سمات تختلف عن الموجات القديمة، فهناك فوارق كبيرة بين موجة الإرهاب فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، وبين الموجة المعاصرة، وأبرز هذه السمات - كما أوضحها الوزير:
الأولى: عدم الاعتماد على بنية فكرية، فموجة الإرهاب التى شهدتها مصر فى السبعينيات والثمانينيات كانت الجماعات تحتاج فيها إلى احتكاك مباشر لنشر تلك الأفكار فى المساجد وعبر الكتب وأشرطة الكاسيت، وتحويل فكرة التكفير من التكفير الجامد الذى يمكن أن يعيش به الفرد فى المجتمع ولو منعزلًا، إلى تكفير حركى فعال مؤثر على الأرض، ولكن بات الاستقطاب اليوم يعتمد على اجتذاب أى نفسية محتقنة ومنفجرة على مواقع التواصل الاجتماعى، ويكون الاعتماد على الأبعاد النفسية، وبالتالى تراجع الجانب الفكرى.
الثانية: اختزال الزمن فى عمليات التجنيد، خلافًا للموجة السابقة للإرهاب التى كانت عمليات التجنيد فيها قد تمتد لأشهر، لكن فى الموجة المعاصرة باتت أسرع، وقد تمتد عدة ساعات، وهناك مثال واضح على ذلك، وهو الإرهابى «عبد الرحيم المسماري» الذى اعترف بأنه انضم إلى «داعش» لمجرد سماعه أحد أناشيد التنظيم.
الثالثة: أننا أمام منتج متقدم من أفكار سيد قطب، فالتنظيمات الإرهابية منذ تنظيم الفنية العسكرية والتكفير والهجرة وتنظيم الجهاد إلى القاعدة وداعش تنهل من أفكار سيد قطب، التى جاءت فى كتابه «فى ظلال القرآن»، فكتاب «رسالة الإيمان»، و«الفريضة الغائبة» عبارة عن بضع فقرات من الظلال، وبالمثل فإن قائد تنظيم «بوكو حرام» تحدث عن تأثره بكتاب «فى ظلال القرآن»، وأبو محمد العدنانى المتحدث باسم «داعش» عكف على دراسة الظلال لمدة 20 عامًا.
الرابعة: بروز الإغراق الإلكترونى، فمثلًا جماعة الإخوان تهتم كثيرًا بالجانب التقنى، وأيضًا تنظيم «داعش»، وفى عام 2015 أغلقت إدارة تويتر 10 آلاف حساب تابعة لـداعش، وبلغ التنظيم حد إصدار نسخة من مجلته الإنجليزية، وإصدارها كذلك بلهجة جنوب وشمال تونس مثلًا، كما برز استخدامه للألعاب الإلكترونية الخاصة بالأطفال للترويج لأفكاره.
وهل توجد منطلقات فكرية واحدة تجمع كل هذه التيارات؟
- عدد هذه التيارات يقارب الأربعين تيارًا، تدعو إلى نحو 35 فكرة، ولكن توجد سبعة أفكار تُعد القاسم المشترك بينها جميعًا، وهي: (التكفير أو الحاكمية، والجاهلية، والولاء والبراء، والفرقة الناجية، وحتمية الصدام، والاستعلاء بالإيمان، والتمكين)، وفكرة الحاكمية هى البذرة الأساسية للفكر المتطرف، ومن خلالها تم تكفير المجتمعات، و«الولاء والبراء» هو محور استهداف فكرة الوطن.
وما أهم الآليات التى يمكن من خلالها مواجهة التنظيمات والجماعات المتطرفة؟
- يجب التحرك فى ثلاثة أبعاد: البعد النفسى، والبعد التقنى، وتجديد الخطاب الدينى، ففى البعد النفسى، لابد من الاهتمام بدراسة الأبعاد المتعددة للتطرف والإرهاب، وتحديدًا البعد النفسى، وقد كتب فيه الدكتور قدرى حفنى، والدكتور شاكر عبد الحميد، والدكتور محمد المهدى، لكننا فى حاجة إلى توسع كبير، خاصة مع عكوف التنظيمات المتطرفة والإرهابية فى استقطاب أى نفسية محتقنة ثائرة تبحث عن غطاء ومبرر.
وفى البعد التقنى يجب مواجهة توظيف التنظيمات المتطرفة عبر الوسائط الإعلامية الحديثة، بتدشين منصات على مواقع التواصل، تكون بالغة القوة والفاعلية، عبر كيانات فعلية، تضم طواقم عاملة كبيرة، وتوفير الموارد اللازمة.
وفى البعد الثالث ننبه على أنه لا يتم استخدام تلك المنصات لمواجهة أفكار التطرف فقط، ولكن أيضًا لتجديد الخطاب الدينى، ونشر مقاصد الشريعة وتوليد العلوم والأجوبة على إشكالات العصر، والوعى بمقاصد الشريعة، وشرح تضاريس الدين فى فلسفته ورؤيته وعقائده وأخلاقه وقيمه وروحه ونسقه وغاياته.