الإثنين 17 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ترامب وهتلر..غرور القوة مغلف بالأكاذيب!‏

ترامب وهتلر..غرور القوة مغلف بالأكاذيب!‏

لا أنكر أن الفكرة خطرت فى بالى قبل فترة، تحديدا مع قبعات دونالد ترامب الحمراء (أجعل ‏أمريكا عظيمة مرة أخرى)، فالعبارة تشبه شعارات أدولف هتلر وهو يدغدغ مشاعر الألمان ‏ويحثهم على الثأر من هزيمتهم فى الحرب العالمية الأولى، مما حدث لهم من إذلال وتنازلات ‏فى معاهدة فرساى، لكننى استبعدت الفكرة، وقلت فى نفسي: ليس إلى هذه الدرجة.



 

 صحيح ‏أن ترامب قلب الدنيا رأسا على عقب فى بضعة أسابيع، بينما هتلر احتاج إلى عشرين سنة ‏كاملة ليبدأ فى صناعة الفوضى العالمية، ويجب على الكاتب أن يلتزم بالتفكير العلمى المنظم ‏والقيم العليا فى كل ما يكتب ولا يدع مشاعره الرافضة للرجل وتفكيره وسياساته تقوده، وإلا ‏فقدت كتاباته قيمتها!، والأهم أن أمريكا هى التى تقود النظام العالمى الآن، وإن كانت قيادة ‏رديئة وكفاءة عارية، ولم تهزم مثل ألمانيا فى حرب عالمية، وإن خسرت بعض الحروب ‏الصغيرة فى فيتنام وأفغانستان، وفشلت فى أعمال «الشرطة الدولية» التى نفذتها فى كوريا ‏والعراق! ‏

لكن فكرة ترامب وهتلر اللعينة عادت مجددا بخدعة، وقالت لى: تعالى نلعب مع برامج الذكاء ‏الاصطناعى؟، هززت رأسى كأننى أرفضها، ثم قلت: لا مانع، الدنيا الصيام، وتسلية الصيام ‏بأفكار جديدة مع الذكاء غير الإنسانى، قد تكون ممتعة وتحمل مفاجآت عميقة.‏

وبأدب سألت برنامج «كوبايلوت»: هل توجد عناصر تشابه بين الرئيس دونالد ترامب والزعيم ‏أدولف هتلر؟

أجاب كوبايلوت بتحفظ واضح: هذه مقارنة مثيرة للجدل، وعموما ينصح المؤرخون بالحذر ‏عن رسم أوجه تشابه بين الشخصيات والأحداث التاريخية، بسبب اختلافات جوهرية فى ‏الظروف والسياقات، لكن يمكن أن أشير إلى بعض التشابه:‏

‏- النزعة القومية ووعود الانتعاش الوطنى، وكلاهما استخدم هذا النوع من الخطابات، ووعدا ‏بإعادة بلديهما إلى مواقع العظمة.‏

‏- التوسع فى الدعاية والتجمعات لتنمية قاعدة جماهيرية قوية للدعم ونشر رسائلهما.‏

‏- التنمر على الأقليات والمهاجرين وتحميلهما مشكلات زاعقة فى بلديهما.‏

‏- الهجوم على وسائل الإعلام وانتقادها بنشر أخبار كاذبة والتحيز ضدها.‏

‏- تجاهل المعايير الديمقراطية، وكلاهما متهم بتقويض الأعراف والمؤسسات الديمقراطية.‏

لكن من المهم أيضا أن نعترف بوجود اختلافات كبيرة بينهما، وتجاهلها يجعل المقارنة ‏مضللة، وعموما هذا النوع من المقارنات بين الشخصيات السياسية يستخدم غالبا فى التربص ‏وشيطنة الخصوم السياسيين، ويجب التعامل معه بحذر شديد وتفكير.‏

لم تعجبنى إجابة كوبايلوت، وأحسست أنه يراوغ إلى حد ما، فقررت أن أورطه فى أسئلة ‏مباشرة، يصعب الفكاك منها.

وسألته: اذكر مقالات أو كتابات عن هذه التشابه؟

وخر صريعا وأخرج كل ما فى جوفه..مقالات وكتابات وكتب وأفلام تسجيلية، مثل فيلم ‏‏(دونالد ترامب يعكس صعود أدولف هتلر إلى السلطة) للمخرج كين بيرنز، عرض كتاب ‏‏«هل دونالد ترامب فاش؟» بقلم روبرت باكستون فى «نيويورك ريفيو بوكس»، «أوجه التشابه ‏بين ترامب وهتلر» بقلم ويليام برانون، مقارنة بين نهجهما فى التلاعب الإعلامى والميول ‏الاستبدادية..الخ.‏

تركت كوبايلوت، بعد أن شكرته على كلمة السر التى أدخل بها إلى عالم «ترامب– هتلر»!، ‏ وأسرعت إلى خطب أدولف هتلر، منذ بداياته فى العشرينيات إلى نهاياته فى الأربعينيات، ‏رحت أقلب فيها، ولغرابة ما وجدت، هل يعقل أن دونالد ترامب اطلع على بعضها؟، لا وألف ‏لا، ترامب رجل مال وأعمال، ويصعب أن تكون له اهتمامات ثقافية وتاريخية إلى هذه ‏الدرجة، إذن من أين جاء التماثل فى العبارات؟

‏(نحن فى حاجة إلى دولة قوية، نعم أنا قادر على توحيد ألمانيا وقيادتها إلى العظمة، أعدكم ‏بخلق فرص عمل وتحسين معيشة الألمان أى شخص يجرؤ على معارضتنا سنحوله إلى ‏أشلاء، أتمنى من كل ألمانى أن يدرك أهمية ما نفعل، وينحنى برأسه إمام إرادة الرب الذى ‏صنع فينا هذه المعجزة).‏

ماذا يقول ترامب للأمريكيين غير ذلك وإن كان هتلر خطيبا مفوها أكثر براعة وتأثيرا؟

لكن أغرب ما عثرت عليه كتاب عرضته جامعة شيفيلد البريطانية على موقعها فى 8 يونيو ‏‏2024، عنوانه فى غاية الإثارة ( ترامب وهتلر: دراسة مقارنة فى الكذب) للبروفيسور هينك ‏دى بيرج، وهو هولندى الجنسية وأستاذ اللغة الألمانية بـ«شيفيلد»، والعرض كان اقتباسا من ‏مقال نشرته الجارديان قبلها بأيام للكاتب دافيد سميث.‏

قبل أن ندخل فى التفاصيل، علينا أن نعرف أن صحيفة واشنطن بوست رصدت 30 ألف ‏أدعاء كاذب أو مضلل خلال سنوات رئاسة دونالد ترامب الأولى، نعم أكثر من 30 ألف كذبة ‏فى أربع سنوات، بمعدل 21 كذبة فى اليوم!‏

أما هتلر فهو مبتكر مفهوم الكذب الكبير، ومعناه أن الجماهير العريضة تقع فى الكذبة الكبيرة ‏أسهل من الكذبة الصغيرة، لأنهم لا يستطيعون أن يعتقدوا أن شخصا مهما يمكنه أن يكذب ‏بهذه الطريقة الفضيحة، وإذا أعلنوا عن شكهم فيه فقد يتعرضون لسخرية الآخرين.‏

نعود إلى الكتاب، يقارن فيه دى بيرج بين هتلر وترامب باعتبارهما فنانين فى الأداء السياسى ‏والتواصل مع الجماهير، كما يُخضع أخلاقيات العمل وأسلوب الإدارة وغرائب الأطوار ‏والنرجسية لدى الرجلين للفحص الدقيق.‏

ويؤكد دى بيرج أن كليهما كان صادقا فى كذبه على الجماهير، على رأى الممثل الأمريكى ‏جورج بيرنز: أهم شىء فى التمثيل هو الصدق، وإذا استطاع المرء تزييف ذلك فقد حقق ‏النجاح المذهل.‏

وشعار ترامب وهتلر كان واحدا «أجعل ألمانيا/ أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ويعرفان جيدا ‏كيف يجذبان الانتباه باستخدام النكات والإهانات واللغة المتطرفة، وهى أدوات تجعلهم دائما ‏تحت الأضواء.‏

وكلٌ من هما وجد نفسه فى بيئة تناسبه وظروفًا يمكن أن يلعب عليها: ناخبون غير راضين ‏عن أوضاعهم الراهنة لأسباب مختلفة، ويريدون تغيير النظام، وأمامهم مرشح مناهض ‏للمؤسسة ويقول أنه سيقوم بإعادة هيكلتها.‏

وقد فسرت الصحفية الأمريكية سالينا زيتو أسباب نجاح ترامب فى أول انتخابات رئاسية فى ‏عام 2016 فى تقرير نشرته مجلة (زا اتلانتك): «الصحافة تنقل عنه حرفيا لكن ليس بجدية، ‏أنصاره يأخذونه على محمل الجد لكن ليس حرفيا».‏

أما المفاجأة فهى ما نشرته الكسندرا فييرمان فى مجلة «هارفارد بوليتكل ريفيو» يوم تنصيب ‏ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بعنوان مقارنة بين خطاب ترامب وأيديولوجية هتلر، وقالت ‏فيه: كشخص ينحدر من أصول يهودية أشكنازية، تشعرنى المقارنة بين ترامب وهتلر بقلق ‏وحزن بالغين، خطاب ترامب يعكس العنصرية، وخطاب هتلر جريمة ضد الإنسانية، ورددت ‏عبارة «المهاجرون يسممون دماء الولايات المتحدة» أكثر من أربع مرات على لسان ترامب ‏فى عام 2023، وفى كتاب هتلر «كفاحي» قال: إن جميع الحضارات العظيمة فى الماضى ‏اندثرت، لأن العرق المبدع الأصلى مات بسبب تسمم الدماء.‏

ترامب يستخدم دوما خطابا معاديا للأجانب والمهاجرين والأقليات إلى حد وصفهم «حيوانات، ‏وليسوا بشرا»، ويعتمد على التكتيكات التى استخدمها هتلر خلال صعوده إلى السلطة.‏

وانتهت الكاتبة إلى خلاصة: يجب اعتبار التشابه فى التجريد من الإنسانية بين ترامب وهتلر ‏‏ هو الأكثر إثارة للقلق، فقد يستخدم لتبرير الأفعال العنيفة ضد الإنسان الأضعف ، ويعزز ‏المضى قدما إلى مزيد من تجريد البشر السود والمهاجرين من إنسانيتهم.‏

وسؤالى الآن: ماذا حدث فى المجتمع الأمريكي؟، وكيف تقهقرت المثل العليا والقيم الإنسانية ‏إلى هذا الحد الرئاسى؟