
محمد هانى
النتيجة دائمًا «صفر»
بالتأكيد فإن الأزمة أكبر بكثير من مباراة كرة لم تُلعب لانسحاب أحد طرفيها فى دورى مأزوم أصلًا نقف منذ سنوات عاجزين عن تحديد موعد سليم لبدايته ونهايته أو وضع جدول منضبط وملزم ومعلن لمبارياته.
وبصرف النظر عما يمكن أن تصل إليه هذه الأزمة «أو لا تصل» فستظل النتيجة الوحيدة للبناء على وضع فاسد وغامض ومختل، هى المزيد من الأزمات والسقوط فى دوامات فشل لا تنتهى.
ولا أظن أن هناك صوتًا واحدًا يستطيع أن ينكر التشوهات المزمنة فى صناعة كرة القدم المصرية، سواء على مستوى الأندية والبطولات المحلية أو على مستوى المنتخب الوطنى والبطولات القارية والدولية، فباستثناء الأهلى والزمالك وصراعاتهما التى تجاوزت حدود المنافسة الرياضية إلى ما هو أبعد، نجد أنفسنا أمام حقيقة مريرة تترسخ عامًا بعد عام وهى أن الكرة المصرية أوشكت أن تفقد أحد أهم وأكبر أصولها وعوامل قوتها وبهجتها وتوهجها وتنوعها، وهى «الأندية الجماهيرية» التى دخلت تحت وطأة ضعف الموارد المالية وغياب (أو تغييب) الرؤية وعدم تحديث القوانين، إلى نفق مظلم لا يبدو أنها ستنجو منه.. فخرجت فعليًا من مواقع المنافسة الحقيقية إلى حيث تصارع فقط من أجل البقاء «بالتناوب»، بينما حلت محلها تدريجيًا أندية بلا جماهير مملوكة لشركات أو جهات أو بنوك أو «مستثمرين»، فبخلاف الناديين الكبيرين لا يوجد فى الدورى المصرى هذا الموسم إلا أربعة أندية جماهيرية (المصرى والاتحاد والإسماعيلى والمحلة) ثلاث منها مهددة بالهبوط!!.
ولا شك أن غياب التنافس المستند إلى توزيع الانتماءات الجماهيرية الطبيعية يضعنا أمام بطولة لا بد أن يزيد فيها التعصب الأعمى بين الأهلى والزمالك.
ولا ينكر أحد أن هناك أزمة ثقة (مزمنة أيضًا) بين الأندية واتحاد الكرة منذ عقود، بصرف النظر عن أسماء الذين تولوا رئاسته أو عضوية مجلس إدارته، وهى الأزمة التى ازدادت التباسًا بوجود رابطة الأندية فأصبحت إدارة الكرة متعددة الرؤوس وربما متداخلة الاختصاصات.
وفى غياب مواجهة جادة وشاملة لأوضاع الكرة المصرية تظل الحرائق الصغيرة والكبيرة قائمة.. وتظل الخسائر مستمرة.. وتظل المساحات الرمادية سائدة بأنصاف الحقائق وأنصاف المعلومات،وأنصاف القرارات بداية من أزمات تتحول إلى احتقانات لانتقال لاعب من ناد إلى ناد، ومرورًا بالتشكيك الدائم المتبادل بين الجميع فى التحكيم المحلى وفى نزاهة القرارات المتعلقة بمواعيد المباريات وفى توزيع حقوق البث والرعايات، ووصولًا إلى عجز المنتخب الوطنى عن الفوز ببطولة القارة منذ عام 2010 وعجزه عن تجاوز دور المجموعات فى كأس العالم فى المرات الثلاث اليتيمة التى شارك فيها، بينما نجحت منتخبات عربية وإفريقية فى تجاوز ذلك بمراحل، بل ورأينا منتخب المغرب فى الدور قبل النهائى.
وتحت سحابات الدخان الكثيف ضاع منا الطريق وتعثرت الخطى وتاهت أصوات العقل والعلم والموضوعية واتسعت وتعقدت شبكات المصالح الضيقة وانتعش سماسرة وانتهازيون.. وهكذا ننام ونصحو منذ سنوات طويلة على سيناريوهات بائسة متكررة مخجلة ونظل غرقى فيها، بينما القضايا التى كان يجب أن نفكر فيها أصبحت أبعد من مستويات طموحنا وإمكانياتنا.. بداية من وضع أسس قوية وعصرية لإصلاح ثم لتعظيم وتطوير صناعة الكرة بكل عناصرها ووصولًا إلى الحصول على حقوق بث البطولات القارية والعالمية والدوريات الكبرى.
إن كرة القدم مثلها مثل ملفات أخرى ستبقى فى وضع التراجع المستمر ما دمنا نتعامل معها بسياسة إطفاء الحرائق وتسكين المشاكل وإمساك العصا من المنتصف وإرجاء المواجهة والخضوع لمراكز القوى وتغليب التوازنات والمواءمات على الحلول الحاسمة العلمية النزيهة.