الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قبل أن يضيع الوقت

قبل أن يضيع الوقت

لو أن القرار بيدى، لدعوت فورًا إلى مؤتمر جاد وممتد ورفيع المستوى حول «مستقبل الثقافة المصرية»، ففى ظل الأحداث اللاهثة، والمتغيرات الاجتماعية العنيفة، وحروب المعلومات والهوية، وصراعات فرض السيطرة لإعادة ترتيب موازين القوى إقليميًا ودوليًا، يصبح الحديث عن يقظة «العقل» وسلامة «الوجدان» ضرورة قصوى.. وهذان هما الثقافة، التى لا يجب النظر إليها أو التعامل معها باعتبارها مجرد ترف نخبوى أو تسلية شعبية. 



وفى تقديرى فإن أىّ سياسات أو جهود أو فعاليات أو قرارات اتُخذَت على مدار عقود فيما يخص الثقافة لم تحقق (ولن تحقق) أىّ نتائج مهمة، ولا طفرات حقيقية ولا تطورا فارقا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وذلك بصرف النظر عن أسماء الوزراء المتعاقبين أو اختلاف درجة كفاءتهم، لعدة أسباب أهمها:

أولًا: أن التعامل مع الثقافة يجب أن يكون وفق رؤية استراتيجية وليس مجرد خطوات تكتيكية فى لحظة راهنة، وهذا أكبر من أن يكون مسئولية وزير أو مجلس وزراء، فالدولة لا بد أن تحدد رؤيتها للثقافة وماذا تريد منها.

ثانيًا: أن الأمر يتطلب مواجهة شجاعة تفتح جميع الملفات بصراحة وفى وقت واحد دون تردد، لتحديد القضايا الكبرى التى يجب التعامل معها لأن أية حلول جزئية لأزمات صغيرة ستؤدى حتمًا إلى استمرار الغرق فى نفس المشاكل، وهذا هو الحادث فعلًا بدليل أن أغلب مشاكلنا مزمنة.

ثالثًا: وهذا هو الأهم، أنه لا بد من الوصول إلى حلول حقيقية وغير تقليدية لأخطر مشكلتين تعوقان تنفيذيًا أى انطلاق للثقافة منذ عقود، وهما: 

ضعف الإمكانيات المادية المؤدى للعجز عن تمويل وتسويق خطط كبرى بعيدة المدى، ووجود قوانين ولوائح جامدة تقيد أى تحرك طموح. 

وهما المشكلتان اللتان تجعلان أىّ حكومة يدها مغلولة. 

رابعًا: لا يمكن أن نحقق طفرة حقيقية إذا ظلت سياسات وإدارة الثقافة والإعلام والتعليم جُزرًا منفصلة.. والتاريخ القريب يؤكد أن ذلك هو القاعدة للأسف، بل إنه أحيانًا يتجاوز الأمر حدود الانفصال وعدم التعاون والتنسيق- سواء بين الوزراء أو بين المجالس والهيئات الكثيرة المعنية- ليصل إلى التناحر.

لن تستعيد الثقافة المصرية قوتها الضاربة ما لم تحدد الدولة رؤيتها الاستراتيجية للثقافة ثم الخطط التنفيذية لتحقيق تلك الرؤية والمدى الزمنى لتحقيقها.. ولن يحدث ذلك دون أن يكون قوامه الرئيسى مفكرى مصر وعلمائها وفنانيها وإعلامييها وصحفييها وكتابها، وليس أصحاب المواقع التنفيذية فقط المقيدين بحدود واعتبارات الوظيفة.

نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية بمفهومها الشامل وعبر كل الوسائط التقليدية والمستحدثة، ونملك بالقطع طاقتها الأصلية، الأصيلة والمتجددة، فى السينما والمسرح والدراما والنشر والإعلام والتعليم.. ثورة تصل إلى قلب المجتمع يشعر بها ويشارك فيها وتعبر عنه وتمتد إقليميًا لتغير وتؤثر وتستعيد (كما هو طبيعى) موقعها القائد.

إن مؤتمرًا حول «مستقبل الثقافة المصرية» إذا تعاطينا معه بالجدية والمسئولية الواجبتين يمكن أن يخرج عنه ما يمكن أن نسميه « وثيقة الدولة فى الثقافة» التى تحدد الرؤية الاستراتيجية والأهداف والملامح الأساسية لخطط تحقيقها، ثم يتولى الأمر بعد ذلك المسئولون التنفيذيون بحيث يصبح الطريق واضحًا لا يخضع لتقلبات مرحلية ولا لتصورات شخصية ولا لأن يأتى مسئول لاحق ليهدم ما بدأه سابقه.

لقد أخطأنا بالقطع عندما اعتبرنا فى مرحلة ما أن الثقافة «سخافة» والمثقفين «أفندية أراذل».. ثم أخطأنا فى مرحلة أخرى عندما جعلنا المُنتَج الثقافى «من النخبة إلى النخبة» فكانت الكارثة أن تيار الثقافة الأساسى والرسمى لم يصمدا أمام ثقافة التطرف والإرهاب والعشوائية التى احتلت الشوارع وغزت المدن والقرى فسممت العقول ولوّثت السلوك. ولا يجب أن نستمر الآن فى الخطأ.