بعد فضيحة «تسنين اللاعبين».. نحقق: مافيا فى فرق الناشئين!

سيد دويدار
عقب تفجر فضيحة «تسنين» بعض لاعبى منتخب مصر تحت 17 سنة، أرسل النادى الأهلى خطابًا مسجلًا طالب فيه اتحاد الكرة بضرورة إجراء تحقيق شامل وعاجل فى تلك الظاهرة، التى تخرج عن السيطرة فى دوريات فرق الناشئين المختلفة، وأصبحت تمثل خطرا حقيقيا على مستقبل الكرة المصرية. وتزوير أعمار لاعبى دوريات الناشئين لها طرق وأساليب تكشف عن أباطرة فى مسار يجرى العمل به منذ سنوات، وأدى إلى خروج مواهب كانت تستحق الاستمرار على البساط الأخضر.
ألاعيب وتحايل على القانون، يتم من خلاله تزوير أعمار براعم وناشئين بغرض الدفع بهم للعب فى الأندية ضمن فئة عمرية تتيح لهم إظهار فارق إمكانيات يشاهدها القاصى والدانى، والنتيجة معاناة للمواهب الحقيقية فى الملاعب المصرية، وظلم لبراعم لديهم مهارة كروية تدهسها أقدام لاعبين أكبر بفارق 5 سنوات على الأقل.
من أشهر وقائع التزوير فى قطاع الناشئين، اكتشاف علاء نبيل، الذى كان يشغل منصب رئيس قطاع الناشئين بنادى المقاولون العرب، واقعة لاعب الزمالك (ح.س)، وتقدم «نبيل» بشكوى لاتحاد الكرة مثبتًا واقعة التزوير، وبالفعل تم إلغاء نتائج نادى الزمالك، وفاز المقاولون بالدورى وقتها.
يعد «التسنين» مأساة على لاعبى قطاعات الناشئين وأسرهم، وعلى المستوى الجماعى للعبة وقاعدة كرة القدم فى المنتخبات الوطنية، فهو يعد كارثة كبيرة بكل معنى الكلمة، فعندما يبلغ اللاعب 26 عامًا يكون قد اقترب بالفعل من اعتزال كرة القدم، وذلك لأن عمرة الحقيقى يتعدى 32 عامًا، وحال استكمال مسيرته بـ «التزوير» فسرعان ما يكتشف المدربون توقف تطوره البدنى والمهارى.
ويَقبل رؤساء قطاعات ومدربون فى أندية معروفة بواقعة «التسنين» رغبة منهم فى المكسب والفوز، لكنهم فى المقابل يضحون بمواهب حقيقية تحتاج إلى العمل على تنميتهم وتطوير مهارتهم واستكمال نموهم العضلى والجسمانى، ولك أن تتخيل وجود ناشئ تحت 16 عامًا تنمو لحيته وشاربه ويحتاج باستمرار لحلاقتهما حتى لا يفضحانه.
ولعل أكبر فضيحة كانت عند اكتشاف 8 لاعبين فى منتخب تحت 17 سنة، واستبعادهم بعد كشف تحليل الأسورة.
وعلى الهواء مباشرة اتهمت قناة النادى الأهلى نادى إنبى «بتسنين» لاعبين من فريق 2008، وعرض أسامة حسنى على الشاشة صورًا للاعبين ملامحهم أكبر من أعمارهم المقيدة على الورق لدى اتحاد الكرة، ثم أصدر النادى الأهلى بيانًا طالب فيه الاتحاد بمواجهة ظاهرة «التسنين» التى تقضى على مواهب كبيرة فى قطاع البراعم والناشئين، لافتًا إلى أن تلك التصرفات الخارجة على القانون تؤدى إلى تسريح لاعبين وقبول آخرين أكبر بـ 5 سنوات على الأقل.
طريقة «التسنين»
تتم عملية «التسنين» بعيدًا عن كرة القدم، عند عدم قيام الوالدين بتسجيل رضيعهما،وبالتالى عند استخراج شهادة ميلاد، وبعد سنوات يضطران إلى عمل محضر فى قسم الشرطة بأن نجلهما ساقط قيد، وفى المستشفى أو الوحدة الصحية يتم «تسنينه»، ويمكن خلال ذلك وعن طريق بعض معدومى الضمير قد ينجح تسجيله أقل من عمره الحقيقى بـ 5 سنوات، بعدها تستخرج شهادة الميلاد.
أما فى عالم كرة القدم فإنه عندما يرفض الطبيب «تسنين» اللاعب بالعمر الذى يؤكده والده، يقوم الأخير بإحضار طفل آخر يناسب المرحلة العمرية التى يريد فيها «تسنين» نجله، وبعد نيل الموافقة يقوم بتغيير صورة من تم «تسنينه» بصورة نجله، لتكون النتيجة تقييد لاعب فى دوريات البراعم أو فرق الناشئين، بفارق عمر عن أقرانه بـ 5 سنوات، ولك أن تتخيل نتيجة لعب طفل يبلغ من العمر 10 سنوات مع آخر أكبر منه بـ 5 سنوات، والفروق الجسدية والنفسية، وليس من المستغرب فى تلك الحالة أن يقوم المدرب بتسريح الأضعف والقضاء على موهبة كانت فى طريقها للتبلور.
انتحال شخصية
طريقة انتحال الشخصية من أجل اللعب فى فرق الأندية الكبرى، تتم من خلال تقديم أوراق الشقيق الأصغر، أو أحد الأقارب، وكثيرًا ما يستمر اللاعب بتلك الأوراق المخالفة للحقيقة فى التدرج فى فرق البراعم والناشئين، وفى الغالب لا تكتشف تلك الحيلة، لأن اكتشافها يحتاج لإعادة بحث فى الأوراق القديمة دون أن يكون هناك مبرر لذلك.
الغريب أن تلك الحيلة ظهرت مثل ظاهرة، عندما قام بعض الأندية بالتدقيق فى الأوراق المقدمة من أولياء الأمور، بعد الشك فى أعمار أبنائهم، وقتها طلبت الأندية كشف قيد عائلى لبيان ما إذا كان لدى المتقدم شقيق أصغر من عدمه، لكن ذلك لم يمنع أولياء أمور للانتقال بأكاذيبهم للتقدم إلى أندية أخرى أقل حذرًا.
أباطرة التزوير والتسنين إذا جاز التعبير، أقنعوا أولياء الأمور بحيلة غير قانونية وكارثية لاستمرار أولادهم فى الملاعب بأوراق غير أوراقهم، مستغلين فى ذلك حلم أولياء الأمور باحتراف أبنائهم وتحقيق ثراء مادى.
وتتلخص الحيلة فى إصدار شهادة وفاة للشقيق الأكبر بمقابل مادى يتعدى عشرة آلاف جنيه، للتغلب على خطوة القيد العائلى، حيث تظهر الأوراق الرسمية عندها أنه لا يوجد إلا الشقيق الأصغر.
ورغم أن تلك الحيلة تضع ولى الأمر فى ورطة حقيقية، لأن ابنه متوفٍ بحكم القانون، إلا أنه يستمر فى ممارسة الألاعيب ببعض المساعدة من أباطرة التزوير، إلى أن تتكشف الحقيقة وتصبح فضيحة فى نهاية الأمر.
شهادات الميلاد المضروبة
عند اكتشاف الأندية تزوير شهادة الميلاد، عن طريق القيد العائلى تقوم فى أغلب الأحيان بتسريح اللاعب دون إخطار جهات التحقيق، حفاظًا على «الطفل»من ضياع مستقبله.
هناك أيضًا حيلة أخرى، وهى إيهام «أباطرة» التزوير لولى الأمر الذى يكون فى الغالب شخصًا بسيطًا ولم يتلق القدر الكافى من التعليم بأن لنجله مستقبلاً كبيرًا فى عالم كرة القدم، وعن طريق بعض الخطوات البسيطة وبمقابل مادى سيضعونه على أول الطريق.
يقتنع الأب بعد «الزن ع الودان» الذى هو كما يقول المثل الشعبى «أمر من السحر»، ثم تبدأ أولى الخطوات بشراء إخطار ولادة بتاريخ قديم من أى مستشفى فى الأرياف أو منطقة شعبية، وبشهادة ميلاد ابن ليس له وجود أصلًا، وتم «تسنينه» يتقدم بنجله للقيد فى الفئة العمرية المستهدفة، مع استخراج شهادة وفاة لنفس الابن المتقدم ليصبح ليس له وجود، كل ما هو موجود فى الوقت الحالى شهادة ميلاد مستخرجة عن طريق «التسنين» ليلتحق اللاعب صاحب المستقبل الكبير بأحد فرق الأندية الكبرى بالتزوير، فيما يدفع قطاع البراعم أو الناشئين الثمن.
فكيهة وتتح ونوح وعماد
على أحد مقاهى حى منطقة ناهيا ببولاق الدكرور، يمكن لولى الأمر اختيار العمر الذى يريده لنجله، مقابل «فيزيتا»محددة، وكل نادٍ كبير وله سعر.
على تلك المقهى ستجد «نوح» «وتتح» المتخصصين فى «التسنين»، وتلبية رغبة وطلبات لاعب المستقبل ووالده، ولدى «نوح» علاقات متشعبة فى قطاع الصحة والمستشفيات، وأذرع يعتمد عليها فى المناطق النائية والأرياف، لجلب اللاعبين مقابل مبالغ مالية، ويحدد «نوح» وتتح» أسعار التسنين، بداية من إخطار الولادة بتاريخ قديم، وصولًا إلى تصاريح الدفن وشهادة الوفاة التى يتعدى سعرها 15 ألف جنيه، ويدير «نوح» و «تتح» عملهما بطريقة منفردة ومستقلة عن الآخر، وعن طريقهما جرى إمداد أندية كبيرة باحتياجاتهم من اللاعبين.
من أشهر أعمال «نوح» كانت تزوير وتسنين لاعب فى نادى شهير يدعى (م.ك) مواليد 2005 ليصبح من مواليد 2008، وتشير أغلبية وقائع التزوير و«التسنين» التى تم اكتشافها إلى انطلاقها من منطقة بولاق الدكرور.
وفى الهرم وتحديدا على كافية بـ «المريوطية» سوف تجد شخصًا يدعى «فكيهة»، من أخطر أباطرة «تسنين» اللاعيبن. وله واقعة نصب معروفة مع أحد الأندية الكويتية عندما أوهم مسئوليه بأنه المدير الفنى لأحد الفرق المصرية، واتفق معهم على مباراة ودية بمقابل مادى، وبالفعل قام بتكوين فريق من بعض لاعبى الدرجة الرابعة، باسم ناد مصرى، وعندما هزم فريقه بنتيجة ثقيلة قام الفريق الكويتى بنشر النتيجة على موقع النادى وبالصور، ما استدعى نفى مسئولى النادى المصرى الذى تم انتحال اسمه لإعلان أنه لم يلعب المباراة من الأصل، وأصدروا بيانًا بهذا الشأن، وهو ما دفع مذيعًا شهيرًا بأحد البرامج الرياضية للقيام بمداخلة هاتفية مع «فكيهة» وسأله نصًا: «عملتها إزاى دى يا كابتن».
و«فكيهة» مشهور فى منطقة الهرم بـ«التسنين» مقابل الأموال، وأن علاقاته متشعبة، ودفع بأكثر من لاعب لبعض الأندية وجميعهم «بطلوا» كورة.
من منطقة الهرم أيضًا هناك شخص يدعى عماد، مدرب كرة قدم فى أحد الأندية، لكن له صولات وجولات فى مجال «التسنين»، ومن بين أبرز إنجازاته لاعب من منطقة ترسا بالهرم، يلعب حاليًا فى نادى مغمور بالخارج.