الأحد 8 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أبطال.. جبن الموت أمامهم..

مات أحمد عبدالعزيز…



مات القائد الذى تحدى الموت فى كل لحظة من لحظات حياته، ولكن الموت جيان أمام الجبابرة- كما يقول نابليون- فقد جبن الموت أن ينازل البطل فى المعركة، وطعنه فى ظهره كما يطعن الجبناء جبابرة الأرض.

ومنذ نحو ثلاثة عشر قرنًا، مات خالد بن الوليد ميتة شبيهة بميتة أحمد عبدالعزيز، فقد طعنه الموت من الخلف بمرض مفاجئ ألم به بعد انتهاء معاركه التى سطرت فى تاريخ العرب صفحات خالدة يفخر بها، وقد قال خالد وهو على فراش الموت:

لقد خضت أربعين معركة وليس فى جسمى موضع شبر إلا وفيه طعنة أو ضربة.. وها أنا أموت على فراشى كالبعير.. فهلا نامت أعين الجبناء؟!) كان خالد بن الوليد يعبر فى هذه الكلمة عن روح كل قائد عسكرى من قادة الحروب، فإن أمنية كل قائد أن يموت بين جنوده فى ساحة المعركة.

ولكن.. «ما هرب الموت من أحد كما يهرب من أمام الأبطال، كما قال الإسكندر..

فمنذ عشرين قرنًا، فتح الإسكندر الأرض من أدنى الشرق إلى أقصى الغرب وأخضع ممالك الدنيا، وخاض معارك ليس لها مثيل فى التاريخ.. كان يقود جيشه بنفسه ويتقدم جنوده على فرسه المجنون.. ولكنه لم يمت فى المعركة.. بل مات بالحمى بعد أن أخضع الدنيا، مات شاباً قبل أن يتمتع بثمار انتصاراته الرائعة.. وقد التفت إلى قواده قبل أن يموت قائلا:

(لم يزرنى الموت إلا عندما اشتهيت الحياة!!)

ونهاية يوليوس قيصر شبيهة بنهاية الإسكندر، قال هذا القائد الرومانى الذى أخضع الشرق والغرب تحت أقدام روما، عاد إلى عاصمة ملكه ليستمتع بنشوة النصر، وعند ما اجتمعت روما كلها أمام مجلس السيناتو لتحيى بطلها العظيم، طعنه خائن فى ظهره، فارتمى تحت تمثال بومباى.. بومباى الذى طارده يوليوس قيصر حتى قضى عليه وعلى جيوشه، فرفع القائد العظيم عينه إلي تمثال خصمه وقال:

(كانت نهايتك أمجد من نهايتى، فقد مت في المعركة).

وتاريخ العرب ملىء بقصص القواد الذين اغتالهم الموت بعيدًا عن المعركة ولعل أعجب قصة فى التاريخ العربى هى قصة المثنى بن حارثة.. فقد زحف إلى أرض العراق ليسطر بسيفه فى تاريخ الإسلام أروع صفحات المجد، وكان المثنى يحرص دائمًا على أن يكون فى مقدمة جنوده، وقد خاض جميع المعارك وانتصر فيها، وكانت معركة البويب ومعركة الجسر خاتمة معارك المسلمين، والتى انتهت بانتصار تام الجيوش الفرس.

وقد حدث فى معركة رأس الجسر، أن وقف المثنى بن حارثة وهو القائد العام- وبجانبه عشرة من أبطال المسلمين اختارهم بنفسه، وأخذوا يحمون رأس الجسر حتى يعبر الجيش العربى النهر، وكانت السهام تنهال على الأبطال كأنها المطر، ومع هذا فلم يمت أحد منهم، ولكن المثنى أصيب بضربة رمح خفيفة ألصقت زرد درعه الحديدى بجسمه وكان الجرح صغيرًا جدًا، لم يعبأ له الحارث..

وانتهت المعركة بالنصر لجيوش المثنى ومضت الأيام.. وفجأة تقيح الجرح الصغير وتسبب فى موت القائد العظيم، وكان آخر ما قاله وهو على فراش الموت الآية الكريمة: (إينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة).

ومات الحجاج بن يوسف، ضارب الكعبة ومخضعٍ الخوارج.. مات بجزام لم ينفع فيه دواء.. وهكذا مات طارق بن زياد، وجنكيز خان، وصلاح الدين الأيوبى، ونابليون بونابرت وإبراهيم باشا، وعرابى وهندنبرج وفوش ولود ندورف وفون مولتكاه وأتاتورك ولنكولن، وغيرهم وغيرهم من كبار قواد الحرب.. ماتوا جميعًا على فراشهم بعد أن خذلوا الموت فى ميدان المعركة! ومن أعجب قصص الأبطال فى التاريخ الحديث، قصة المارشال تاى، الماسة المتألقة بين قواد نابليون فى حروبه، فقد كان الإمبراطور يقول عنه: (تاى أشجع الشجعان) وقد خاض الماريشال ناى معارك أوستراليز وما رنجو وأوجرام وينا وجميع معارك روسيا القاسية، ولم يمت بل بقى مع نابليون ليشترك فى معركة واترلو، وفى هذه المعركة الأخيرة كتب الماريشال تاى أروع صفحة من صفحات البطولة والشجاعة، فقد كان يقذف بنفسه فى المعركة فتحطمت فى يده ستة سيوف وأربعة من الجياد.. وكان يزأر كالأسد صائحًا: تعالوا يا جنود.. واشهدوا كيف يموت مرشالات فرنسا!!) ولكن الماريشال تاى لم يمت بل ادخره الموت، ليقتله لويس الثامن عشر بتهمة الخيانة العظمى!!

وفى الحرب العالمية الأخيرة مات رومل، ثعلب الصحراء الغربية، مات برصاصة فى ظهره.

ومات الجنرال باتون قائد الحملة. الأمريكية فى حادثة سيارة وهو متجه إلى حفلة ساهرة!!

وفى الثورة السورية الكبرى كان البطل الشهيد فائق العسلى من أبرز أبطال سوريا، ولم يخسر معركة واحدة خاضها ضد الفرنسيين.. ولكن فى فترة من فترات الراحة بعد إحدى المعارك، لدغته حية بينما كان مستلقيًا بجانب صخرة فمات بعد ساعات!! ولم تشهد حرب فلسطين قائدًا فدائيًا جبارًا كأحمد عبدالعزيز، وقد كان القائد فوزى القاوقجى باشا يسميه: (قاهر الموت فى أرض السلام).

ولكن. لقد صدق الإسكندر عند ما قال. (ما هرب الموت من أحد كما يهرب من أمام الأبطال) فلقد كان الموت أجبن من أن ينازل أحمد عبدالعزيز فى ميدان القتال وجهًا لوجه.  

 

 

نمر فلسطين.. وثعلب الصحراء

نشر الكولونيل ديان، القائد اليهودى لمنطقة القدس، حديثًا عن البطل أحمد عبدالعزيز جاء فيه:

.. لقد أعجبت بقائدين فى حياتى، هما الماريشال رومل والجنرال أحمد عبدالعزيز، وقد كان لى شرف محاربتهما فى ميدان القتال، فلم أستطع أن أميز بين صفات هذين القائدين لا من الوجهة «التكتيكية» ولا من وجهة الكفاءة العسكرية بل أستطيع أن أؤكد أن هناك تشابها كبيرا بين القائدين، فكلاهما سريع الحركة، نارى الإرادة، حاضر البداهة، يتقدم صفوف جنوده حتى يكاد يسبق الدوريات الأمامية.

وقد قلت له: عندما اجتمعنا آخر مرة فى القدس: (لم يكن لى شرف مصافحة الماريشال رومل، ولكنى أحس وأنا أمد لك يدى، أنى أحيى فيك شخصية ثعلب الصحراء الغربية) ومن عجائب الصدف، أن يستشهد أحمد عبدالعزيز فى اليوم التالى!   

 

 

المتهم الأول أحمد عبدالعزيز!

 

فى عام 1924 كان أحمد عبدالعزيز طالبا فى مدرسة التوفيقية الثانوية وكانت الثورة المصرية ما زالت مندلعة.

واتهم أحمد عبدالعزيز بقتل جندى بريطانى فى ضاحية مصر الجديدة، واستطاع أن يفر قبل أن يقبض عليه، ولكن زميله الذى اشترك معه فى الحادثة وكان اسمه إبراهيم موسى اعترف عليه، فقبض على أحمد عبدالعزيز وأدخل السجن، ثم عرض على شهود الحادث من الجنود البريطانيين فلم يتعرفوا عليه لأنه كان قد أطلق شاربه وهو فى السجن، فأفرج عنه بعد أن ظل مسجونا مدة شهرين. 

أما زميله الذى اعترف عليه فقد مات بالحمى داخل السجن بعد أسبوع واحد من إدلائه باعترافه.

وفى حادث مقتل السردار السير لى ستاك قبض على أحمد عبدالعزيز وأدخل السجن للمرة الثانية، ولكنه استطاع أن يثبت أنه كان داخل مدرسته وقت وقوع الحادث، فأفرج عنه.

وكان أحمد عبدالعزيز يعتقد أن الثورة كان يجب أن تستمر بعد أن عاد سعد زغلول من الاعتقال، لأن الثورة لم تقم من أجل اعتقال سعد بل من أجل استقلال مصر.. ومصر لم تستقل بعد. ومن يومها أصبح أحمد عبدالعزيز معارضا لسعد زغلول.