الثلاثاء 17 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«سمر.. قبل آخر صورة».. فرصة أخرى للنجاة

تحظى أخبار إلقاء مياه النار على أوجه الضحايا وأجسادهم اهتمامًا واسعًا من الجمهور الذى تحدث عن هذه النوعية من الجرائم التى تسبب ذعرًا كبيرًا فى نفسه، وإذا شئنا الدقة، فإن الأثر الأكبر لهذه الجرائم يقع فى قلب النساء، لأنهن مرشحات محتملات للتشويه فى ظل العيش فى مجتمع محمل بتراث ذكورى يمنح فيه للذكور شرعية الانتقام حتى وإن كان هذا الانتقام شرسًا وعنيفًا فى أدواته مثل الانتقام بالتشويه بمياه النار.



وفى الفيلم الوثائقى (سمر قبل آخر صورة) الذى يعرض فى سينما زاوية، بعد عرضه الأول فى الدورة الماضية من مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، تشير المخرجة الشابة «آية الله يوسف» فى أولى تجاربها الإخراجية إلى هذه المخاوف، من خلال قصة «سمر» تلك الفتاة التى قرر طليقها أن يقضى على فرصها فى الحياة دون أن يقتلها، حتى تشعر بشبح الموت يطل على روحها فى كل مرة تقرر فيها أن تنظر للمرآة، لكنها تحاول أن تتعافى، وتعيد بناء حياتها، وأنسجة وجهها، فى محاولة منها فى إخفاء أثر المياه الكاوية الذى لا يزول تمامًا، لكنه يخف قليلًا بفعل العمليات، ومساحيق التجميل، والعين الصناعية التى تضطر إلى وضعها كل صباح فى مكان التجويف الذى انطفأ بداخله النور.

قصة «سمر» التى روتها صديقة مقربة من «آية الله يوسف» كانت ملهمة لها بشكل كبير، ودافعة لها لتحويلها إلى فيلم يتناول تلك الفترة من عمر الاعتداء التى لا يلتفت إليها أحد، فقصص تلك الجرائم تنتهى عادة بخبر صغير تعلن فيه الجريمة، وفى أفضل حال يعلن فيه عن إلقاء القبض على الجانى، ثم ينتهى الأمر دون النظر إلى مصير هؤلاء الضحايا الذين تتوقف بهم الحياة، وقليل منهم يحاول أن يعيدها إلى وضع التشغيل من جديد، ويمنح لنفسه فرصة أخرى للنجاة مثلما فعلت «سمر» التى قررت أن تمد يد العون إلى أخريات واجهن نفس المصير، وكانت منهن «سناء» تلك الفتاة الريفية التى ألقى ابن خالتها مياه نار على وجهها الصبوح حتى لا تذهب إلى خطيب غيره، فضيع ملامحها، وتسبب لها فى عذاب لا ينتهى، والمفارقة أن «سمر» أثناء فترة زواجها، قد شاهدت برفقة زوجها لقاء تليفزيونيًا لـ«سناء» تتحدث فيه عن معاناتها، وبينما كانت تشعر بالتعاطف تجاهها، كان زوجها يتوعدها بأن تلقى نفس المصير يومًا ما إذا خرجت عن طوعه، ولم تستكمل حياتها معه والتى كانت تعانى فيها من ويلات وعذاب، وبعد الطلاق نفذ المجرم تهديده، فما كان منها بعد مرورها بفترة تعافى طويلة، إلا أن تبحث عن «سناء» لتمد لها طوق نجاة ينتشلها من الغرق، ويخرجها من سجن التشوه البغيض.

الفيلم الذى بدأت رحلته منذ عام 2016، ولم يعرض إلا بعد ثمانية سنوات بسبب نقص الموارد، يوثق خمس سنوات من رحلة التعافى النفسى والجسدى ما بين القاهرة ودبى، حيث تصطحب «سمر» شريكتها فى المعاناة «سناء» إلى الطبيبة الإماراتية «أشواق الهاشمى» والجراح الهندى «موهن» اللذين تحمسا لإجراء جراحة تمنح «سناء» بعضًا من القدرة على مواجهة مجتمعها القاسى.

وفى الرحلة، تعيش الفتاتان ومعهما المخرجة انتصارات وانكسارات يعتصمن فيها بالأمل الذى هو الملاذ الأخير للناجيات، حتى وإن تعرضت «سمر» إلى محاولة استغلال من رجل آخر أوهمها بحبه، وحتى وإن خرج طليقها من السجن بعد قضاء خمس سنوات كفترة عقوبة لا تتناسب أبدًا مع قدر جرمه، ومع قدر المعاناة التى تسبب فيها لامرأة كانت يومًا ما شريكة حياته، وإذا كانت بطلتا الفيلم قد حاولتا التعايش مع جريمة طمس ملامح وجهيهما، ففى ظنى أنه لا يجوز للمجتمع كله أن يتصالح مع حالة الخوف الدائم التى تعيشها الضحايا، أو الضحايا المحتملين من جراء العقوبات الهزلية لهذه الجريمة التى لا يصلح معها سوى العقاب بنفس الطريقة لعل الجانى يرتدع قبل الإتيان بفعلته الشنيعة!