
هناء فتحى
عكس الاتجاه.. غزّة وسردية البطولة والإبادة
لم يكن المدهش فقط هو أن هذا الكتاب الذى تتبع غزة والعدوان الإسرائيلى عليها منذ طوفان الأقصى وما قبلها بسنوات عديدة بدأت مع احتلال إسرائيل لدولة فلسطين، لكاتبه دكتور «نبيل عبدالفتاح» الباحث والكاتب الصحفى ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هذا الكتاب المعنْوَن بـ«المقاومة الحرية» قد صدر عن دار ميريت بعد حرب الإبادة على غزة بشهرين اثنين وكأنه كُتِبَ توًّا، بل وما زالت فصوله وصفحاته قادرة على تتبع تسعة أشهر من العدوان على غزة، واستشراف ما سوف يحدث فى السنوات القادمة كما يقول العرّاف، وكان المدهش أنه وهو الكاتب الصحفى الأكاديمى استطاع أن يستخرج ويستكشف من تحت ركام بيوت غزة سردية روائية وشعرية تحكى حكايا ومواويل، يكتبها شعراء وقصاصون وكُتَاب بوستات على وسائل التواصل الاجتماعى بلغة ساحرة شديدة الإيجاز، كتابات مختلفة وتؤرخ بكل الوجع لفصول التغريبة الفلسطينية الجديدة.. وكأنه ينتصر للمجاز الصادق أكثر من تصديقة للتأريخ (الشخصانى) المخاتل والمختَلّ، بل وكأنه يقول إن تاريخ فلسطين قد أرّخ له ولا يزال روائيون وشعراء تجدهم فى كل وادٍ فلسطينيٍّ يهيمون، بعضهم كتب وسجّل مأثورته ومات تحت الأنقاض.
فى 295 صفحة وستّة فصول تبدأ بـ (مدخل الاحتلال والحرية المحاصرة والمقاومة) وتنتهى بـ(غزة ثنائية الحرية والاستقلال) مرورًا وعَرَجًا على فصول أخرى تحكى عن تاريخ والعدوان الغربى على دُوَلنا واحتلال بلادنا وصمود الشعوب.
فى عنوان فرعى (هذا ما قالته غزة وقصيدة الحياة فى الموت) ختم به دكتور «نبيل عبدالفتاح» الفصل الثانى من الكتاب والذى حظى بعنوان (المقاومة والعقل العربى) سوف تجد أن هذا العنوان (هذا ما قالته غزة) كان مقدمة لكتاب منفصل وإلكترونى قام بجمع كل الكتابات الأدبية والشهادات التى تلت طوفان الأقصى والتى بالفعل أرّخت لأيام وأشهر الموت والإبادة، وصدر الكتاب الذى كان بمثابة تظاهرة شعرية إلكترونية فى ديسمبر الماضى قادها 26 شاعرًا عربيًا وشاعر فلسطينيٌ واحد، كانت تظاهرة إلكترونية قابلت تظاهرات شعبية واقعية ضخمة أمريكية وأوروبية قادها شباب بلاد برة.
يكتب «نبيل عبدالفتاح» متسائلاً ومجيبًا: أى خطاب سياسى أو أدبى هذا القادر على وصف هذهِ الأساطير التوراتية التى يزفها المتطرفون المدنيون الإسرائيليون لشرعنة هذا الاحتلال الاستيطانى الغاشم؟ كل هذهِ الكراهية أنا! من القادر على سرد هذهِ الصور والحكايات عبر أنساق اللغة؟ أيّْ سردية تلك التى تستطيع التوقف أمام هذا الانفجار للغة العنف والحرب فائقة الكراهية التى تنسال من أفواه وسلوك بعض قادة اليمين الدينى الصهيونى المتطرف؟ ما هى اللغة ومجازاتها القادرة على حمل لغة الأطفال صغار السن من الخارجين من تحت القصف وتدمير المنازل بلا أب وأم وإخوة وهم يصفون ما حدث لهم، انظر إلى الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى والتلفازية الفضائية وأنصت إلى اللغة الطفولية وإلى ملامح الوجوه التى يسكنها الرعب والخوف والأجسام المرتعشة، انظر إلى اللغة الطفولية ومفرداتها التى تمازجت وتناقصت مع لغة الكبار: براءةً محمولةً على نُضج صُنِعَ من ثقافة المقاومة كنمط حياة فى قطاع غزة.
ولا ينسى الكاتب الأكاديمى دكتور نبيل عبدالفتاح وهو الدارس والمدرس المحاضر وصاحب الدراسات والكتب فى فقه الحركات الأصولية بشكل عام وحركة حماس وباقى حركات فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل خاص أن يؤكد على شرعية المقاومة وأحقيتها فى النضال المسلح ضد المحتل الصهيونى ، ولا ينسى ولا يخشى فى ذات الوقت أن ينتقد تلك الحركات المقاومة الفلسطينية كونها لم تُعْنَ بمسألة الحرية الفردية كاهتمامها بفكرة تحرر الأرض الفلسطينية كلها من النهر الى البحر، وأنها أعادت إلى الجغرافيا السياسية للإقليم العربى المسألة الفلسطينية إلى الواجهة.
يقول الكاتب والباحث الدكتور «نبيل عبدالفتاح» تأكيدًا على فكرته الأساسية التى يُدْرِجُها فى كل فصول الكتاب: تبدو الحرية قرينة المعنى مع المقاومة والكفاح الوطنى من أجل الاستقلال، ومن هنا تطورت ثقافة المقاومة وأيديولوجيات مواجهة الاستعمار الغربى أيًا كان ومعها كل معانى الحرية والاستقلال.