الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

سياسة جديدة ينتظرها العالم من «ستارمر» أحداث الشرق الأوسط تحسم نتيجة الانتخابات البريطانية

انتهت الانتخابات النيابية البريطانية وجاءت نتائجها وفق توقعات استطلاعات الرأى العام، ووصل العماليون إلى السلطة بأغلبية برلمانية كبيرة، واستحقَّ المحافظون هزيمة غير مسبوقة. الخاسر الأكبر الثانى كان حزب «اسكوتلندا القومى». نتائج الانتخابات جاءت لتؤكد أن الأحزاب المنقسمة لا تربح انتخابات. 



الخسارة الانتخابية الثقيلة للقوميين الاسكوتلنديين المطالبين بالاستقلال، تؤكد أن حظوظهم فى المطالبة وتحقيق استفتاء ثانٍ على الاستقلال قد تلاشت مع الريح. وليس من حقّهم تعليق الهزيمة على مشاجب الآخرين.

وفى العادة، لا تقتصر برامج الانتخابات النيابية على الإشكالات المحلية؛ مثل الصحة والتعليم والهجرة غير القانونية والاقتصاد، أما التأثير السياسى الخارجى فبنسبة ضئيلة، لكن فى الانتخابات الأخيرة تبيّن تأثير الموقف من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين فى قطاع غزّة.

تأثير أحداث غزّة بدأ قبل الانتخابات بانسحاب عدد من القيادات العمالية المحلية فى مختلف المجالس البلدية، بل وفى مناصب مرموقة بحكومة الظل. وبعد الانتخابات تبيّن أن خمسة من وزراء حكومة الظل العمالية فقدوا مقاعدهم البرلمانية لصالح مرشحين مستقلين، دخلوا الانتخابات تحت مظلة غزة، وكانوا فى السابق أعضاء فى حزب «العمال»، وأنَّ وزيرين عماليين آخرين فى حكومة الظل كادا يخسران مقعديهما، ومن ضمنهما وزير الصحة الجديد ويز سترينتغ.

والأجدر بالإشارة أن أصوات حزب «العمال» تقلصت بنسبة 11 فى المائة، بالدوائر الانتخابية التى يوجد بها ناخبون مسلمون بنسبة سكانية تصل إلى 10 فى المائة. وهذا يفضى إلى استنتاج مفاده أن تطورات الأحداث فى الشرق الأوسط، قد فرضت حضورًا استثنائيًا فى هذه الانتخابات. وتبيّن أن ما يجرى فى غزّة يمثل أهمية لدى نسبة من الناخبين. الأمر الذى يفضى إلى استنتاج آخر؛ وهو أن الجالية العربية والإسلامية فى بريطانيا قد بدأت تنتبه لأهمية أصواتها انتخابيًا.

 انتصار تاريخى

حقق حزب العمال، من يسار الوسط، انتصارًا فى جميع أنحاء البلاد، حيث ضاعف عدد أعضاء البرلمان بأكثر من الضعف وحصل على أغلبية مماثلة لتلك التى حققها تونى بلير فى عام 1997.

ويبدو أن المحافظين سيحصلون على حوالى 154 مقعدًا، أى أقل من نصف مقاعدهم لعام 2019، ويأتى ذلك فى أعقاب خسائر متعددة فى المناطق التقليدية مثل المقاطعات المحيطة بلندن. وظهرت خيارات الناخبين بشكل واضح، بعد خمس سنوات من السياسة البريطانية التى شهدت فضائح متعددة واستقالات كثيرة، بما فى ذلك استقالة اثنين من رؤساء الوزراء، بوريس جونسون وليز تروس.

فى خطاب النصر، دعا ستارمر إلى «العودة للسياسة كخدمة عامة»، راسمًا تناقضًا بين أسلوب جونسون المسرحى وأسلوبه الأكثر رصانة.

ويبدو أن الناخبين يريدون التغيير الذى وعد به ستارمر. ويبقى السؤال هنا فيما إذا كان حزب العمال - الذى ليس محصنًا تمامًا من حربه الداخلية - قادرًا على تحقيقه.

وقد فقد المحافظون المئات من المشرعين، كما فقد العديد من كبار السياسيين وظائفهم. ويشمل ذلك وزراء الحكومة الحاليين أو السابقين مثل روبرت باكلاند وبينى موردونت وغرانت شابس.

أما الخاسر الآخر فكان جاكوب ريس-موج، أحد كبار مؤيدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وجونسون الذى اكتسب شهرة بسبب نهجه المريح تجاه احتمال الخروج من الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق.

كان معدل بقاء أعضاء البرلمان المحافظين حوالى 41 ٪، ولاحظ أستاذ السياسة فيليب كاولى وماثيو بيلى، أن هذه النتائج أسوأ قليلًا من توقعات نجاة ركاب الدرجة الثانية على متن تايتانيك - 42 ٪ منهم بقوا على قيد الحياة.

حتى فى نظام يهيمن عليه حزبان، هناك الكثير مما يمكن التوقف عنده أبعد من الأرقام الرئيسية.

ومن المتوقع أن يرتفع عدد الديمقراطيين الليبراليين من 11 مقعدًا فقط فى عام 2019 إلى 56 مقعدًا، مما يعيد حزب الوسط إلى دوره المألوف كثالث أكبر قوة فى وستمنستر.

فى خطاب الفوز الذى ألقاه فى الساعات الأولى، تحدث زعيم حزب «ليب ديم» إد ديفى عن الناخبين الذين شعروا «بخيبة الأمل، والتسليم بالأمر، واليأس من التغيير» بسبب الانتظار الطويل لسيارات الإسعاف وأطباء الأسرة، والأنهار المليئة بمياه الصرف الصحى.

كان الفائز الكبير الآخر فى هذه الليلة هو نايجل فاراج، الشعبوى اليمينى الذى قاد حزب استقلال المملكة المتحدة وضغط من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.

وتعدّ هذه أول انتخابات عامة فى المملكة المتحدة منذ خروجها رسميًا من الاتحاد الأوروبى. وُصِف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى من الكثير من الأحيان بأنه «ثورة».

المحافظون الذين قادوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى - جونسون، وريس- موج، ومايكل جوف - أصبحوا جميعًا خارج مجلس العموم، فى حين يبدو سوناك فى موقف محرج.

لن يكون هناك أى تحول فى السياسة، فقد استبعد ستارمر، على الرغم من أنه أيد البقاء، الانضمام مرة أخرى إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبى أو الاتحاد الجمركى.

ولكن دون قيود من بروكسل، لم يتبق له الآن سوى عدد من القرارات الحاسمة حول النموذج الاقتصادى للمملكة المتحدة ومكانتها فى العالم.

 خيارات صعبة

يجد حزب المحافظين نفسه أمام مفترق طرق، فبعد أن كان الحزب المهيمن فى المملكة المتحدة على مدى القرنين الماضيين، يُعانى اليوم من هزيمة تاريخية على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عام 1832.

عرض روبرت باكلاند، وهو وزير سابق فى مجلس الوزراء، مقترحًا للمضى قدمًا بعد أن فقد مقعده فى تحول كبير لصالح حزب العمل.

وقال باكلاند إنه «سئم سياسة فن الأداء» وأن الحزب بحاجة إلى «العودة للتصرف بشكل جيد». وحثت بينى موردونت، وهى من كبار المحافظين الآخرين الذين خسروا، على العودة إلى الوسط.

أيًا كان الزعيم التالى لحزب المحافظين- وهناك الآن قائمة تضم 150 مرشحًا للاختيار من بينها- سيواجه بعض المعضلات الصعبة ليتعامل معها.

 تحديات خارجية

بعد أقل من 24 ساعة على دخوله «10 داونينغ ستريت»، تلقّى رئيس الوزراء البريطانى الجديد سلسلة إحاطات استخباراتية حول أهم التحديات التى تواجه حكومته الجديدة. ولا شكّ فى أن قضايا الشرق الأوسط، لا سيّما الحرب فى غزّة ومخاوف اتّساع الحرب إلى لبنان، أخذت حيّزًا مهمًّا من القضايا المطروحة أمام أول حكومة عمالية تتسلّم زعامة البلاد منذ 14 عامًا.

وفى مقابل التحديات الجسيمة التى تواجه ستارمر، ووزير خارجيته الجديد ديفيد لامى، فى فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران، تنظر حكومته بتفاؤل تجاه عدد من الفرص التى يتيحها التقارب الاقتصادى والتجارى مع دول الخليج. فما توجّه ستارمر حيال بعض أهم قضايا الشرق الأوسط اليوم.

وفى أول موقف له بعد تعيينه، الجمعة، دعا وزير الخارجية البريطانى الجديد ديفيد لامى إلى «وقف فورى لإطلاق النار» فى غزة، فى مؤشّر على سعى الحكومة الجديدة للعب دور فاعل فى إنهاء الحرب التى دخلت شهرها التاسع. وقال لامى الذى تولّى حقيبة الخارجية بعد فوز العماليين فى الانتخابات التشريعية، الخميس: «إنه سيعمل... على دعم وقف فورى لإطلاق النار (فى غزة) والإفراج عن الرهائن». وأضاف: «سأبذل كل ما فى وسعى لمساعدة (الرئيس الأمريكى) جو بايدن على التوصل إلى وقف لإطلاق النار».

وكان موقف كير ستارمر من حرب غزة قد لعب دورًا محوريًا فى الانتخابات. ففى مقابل غالبيته الكبيرة فى مجلس العموم، حرم الناخبون الغاضبون من سياسة «العمال» تجاه الشرق الأوسط الحزب من مقعد محورى ترشّح فيه جوناثان آشوورث، الذى كان موعودًا بمنصب وزارى فى الحكومة الجديدة، ليفوز به المستقل شوكت آدم.

إلى جانب حرب غزة، لا شكّ فى أن ستارمر سيبحث خلال اجتماعه مع الرئيس الأمريكى جو بايدن مخاوف اتّساع رقع الصراع إلى لبنان. وتعمل الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية منذ أسابيع إلى الحؤول دون تصاعد الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله» فى جنوب لبنان.

وتزامن استلام حكومة ستارمر الجديدة مهامها مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التى فاز بها مسعود بزشكيان. وتتوقع مصادر بريطانية أن يتّخذ ستارمر نهجًا أكثر حزمًا تجاه إيران، وسط ترجيح البعض انفتاحه على تصنيف الحرس الثورى على قائمة الإرهاب. وذكرت مجلة «سبكتاتور» المقرّبة من «المحافظين»: «أن (حزب العمال) يخطط لتصنيف الحرس الثورى الإيرانى، وتضييق الخناق على الشبكات المحلية الإيرانية، ونشر مزيد من القوات فى الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط». وعدّت المجلّة أن عودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تدعم حكومة ستارمر فى تنفيذ هذا التوجه.

 الحوثيون والبحر الأحمر

يتوقّع أن يواصل رئيس الوزراء البريطانى الجديد سياسة سلفه ريشى سوناك فى مواجهة اعتداءات الحوثيين فى البحر الأحمر. وكان ستارمر قد تعرّض لانتقادات حادّة من داخل حزبه مطلع هذا العام، بعد دعمه التحرك العسكرى البريطانى فى البحر الأحمر، وإدانته إيران «لرعايتها الإرهاب». 

وفى مقال لصحيفة «الإندبندنت»، دافع زعيم المعارضة آنذاك عن موقفه، وقال إنه يأتى دعمًا لـ«المصلحة الوطنية». وبدا أنه أعطى الضوء الأخضر لمزيد من العمل العسكرى الأميركى والبريطانى، قائلًا: «يجب أن نحتفظ بالمرونة للرد بالسرعة اللازمة على التهديدات».

وفى إشارة إلى أنه لن يتهرب من القيام بعمل عسكرى، حذّر ستارمر فى مقاله «أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الضرر ببريطانيا، ومهاجمة مصالحها، وتهديد شعبها» بأنهم «يجب ألا يساورهم شك فى عزم بلادنا على الرد على عدوانهم». وأضاف: «أن هجمات المتمردين الحوثيين على السفن التجارية فى البحر الأحمر تهدد أحد أهم طرق التجارة فى العالم، وتعرض حياة المدنيين والعسكريين البريطانيين للخطر»، متابعًا: «يجب أن يتوقفوا، ومن الصواب أن تلعب بريطانيا دورها، إلى جانب حلفائنا، فى ردع هذه الهجمات».

وتجاريًا، تسعى المملكة المتحدة لزيادة حجم التبادل الاقتصادى مع دول الخليج، كما أبرمت لندن كثيرًا من اتفاقيات التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجى فى السنوات الماضية، ولعلّ أبرزها مجلس الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، الذى جرى إنشاؤه عام 2018 لتطوير التعاون فى مجال التجارة والطاقة والدفاع.