السبت 17 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

بين حرب الإبادة والتجويع غزة تصرخ ألمًا وجوعًا

صرخات مدوية تصدر من كافة بقاع «غزة»، فمنها من تجهر بأسى على فقدان العائلات، ومنها من تعلو من شدة الإصابات الناجمة عن الغارات، وأخرى تخرج من البطون لتصف آلام الجوع لعدم الاكتفاء بالفتات.



 

وفي ظل تواصل التقارير الأممية اليومية التي تحذر من تفاقم أزمة المجاعة داخل «غزة»، جراء حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال بمنتهى الوحشية على سكان القطاع المحاصر، تكافح الأسر الفلسطينية يوميًا لتوفير ولو وجبة واحدة من الطعام.

ومع استمرار الحصار الإسرائيلي الشامل، باتت أخطر أنواع المجاعة على بُعد عتبة واحدة لنسب كبيرة من عائلات «غزة»، حيث أدى التقليص المتعمد للطعام، والمياه، والطاقة، والمساعدات الإنسانية، التي تدخل «غزة» إلى ترك أكثر من 1.1 مليون فلسطيني يواجهون ظروفًا معيشية كارثية، وتحديدًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على «رفح» الفلسطينية في أوائل مايو الماضي، إذ أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن المساعدات التي تدخل القطاع انخفضت بمقدار الثلثين.

بدوره، أدرك المجتمع الدولي بشكل متزايد مدى خطورة الأزمة الغذائية في «غزة»، خاصة بعد أن طلبت المحكمة الجنائية الدولية -في مايو الماضي- إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة المسئولية الجنائية عن جرائم حرب شملت (تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب).

حجم المعاناة

ذكرت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) في تقريرها الأخير، الذي نُشر في 31 مايو الماضي، أن المجاعة قد تكون بدأت في شمال «غزة» في أبريل الماضي؛ متوقعة استمرارها حتى شهر يوليو الجاري على الأقل، دون حدوث تغييرات كبيرة في تقديم المساعدات الغذائية. 

من جانبه، توصل التقرير الأخير للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) عن «غزة» إلى نتيجة مماثلة، حيث أوضح أن كل القطاع يُصنف بأنه في حالة طوارئ، وهي (المرحلة الرابعة) من التصنيف التي تسبق المجاعة (المرحلة الخامسة). 

وأفاد التقرير بأن أكثر من 495 ألف شخص داخل «غزة» (أي ما يمثل 22 % من السكان) يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في (المرحلة الخامسة)، التي تواجه فيها الأسر نقصًا شديدًا للغذاء، والتضور جوعًا، واستنفاد القدرة على المواجهة.

وحذر التقرير الدولي من استمرار المخاطر العالية لحدوث مجاعة بأنحاء قطاع «غزة»، في ظل استمرار الصراع والقيود المفروضة على الوصول الإنساني؛ موضحًا أن نحو 96 % من سكان القطاع (أي ما يقدر بمليوني و100 ألف شخص) يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ متوقعًا استمرار هذا الوضع حتى سبتمبر المقبل.

كما أضاف التقرير أن أكثر من نصف الأسر الفلسطينية اضطرت إلى بيع ملابسها، من أجل شراء الطعام بالمال؛ فيما لجأت ثلث الأسر إلى جمع النفايات لبيعها؛ وذلك في ظل تأكيد أكثر من نصف الأسر بعدم وجود طعام لديها في أغلب الأحيان؛ بينما تقضي أكثر من 20 % من الأسر أيامًا وليال كاملة دون تناول أي طعام. 

بدوره، أبدى برنامج الأغذية العالمي القلق البالغ، بشأن تقليص قدرة المنظمات الإنسانية على توفير المساعدات الحيوية في جنوب «غزة»؛ بينما حذرت منظمة الصحة العالمية من أن خطر المجاعة لا يزال قائمًا في جميع أنحاء قطاع «غزة» بسبب استمرار الحرب، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية.

 

العواقب الصحية لأزمة الجوع

أكد الباحث في برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «زين سوانسون»، ومديرة برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «كيتلين ويلش»، أن أزمات الجوع وسوء التغذية الحالية لن تكون وقتية تنتهي بمجرد انتهاء العدوان والحصار الإسرائيلي، بل ستؤثر على سكان «غزة» لعدة أجيال قادمة.

وأوضحا أن العواقب الصحية المباشرة لانعدام الأمن الغذائي، والمجاعة، وسوء التغذية الحاد الشديد بالنسبة للأطفال، يمكن أن يؤدي إلى عدد لا يحصى من النتائج الصحية السلبية الخطيرة، بما في ذلك: التقزم، اختلال التوازن الهرموني، ضعف الجهاز المناعي، تلف نظام الأعضاء (مثل: ضعف نمو الدماغ، ووظيفة القلب)؛ مؤكدين أنه بالنسبة لأطفال «غزة» الناجين من الحرب، ويعانون من سوء التغذية، سيتعرضون إلى حالات وأوضاع لا رجعة فيها. 

فعلى المستوى الفردي، يمكن أن يؤدي التعرض لسوء التغذية في مرحلة الطفولة إلى زيادة عبء الأمراض غير السارية، وانخفاض وظائف المناعة طوال الحياة اللاحقة؛ بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التأخر في النمو المرتبط بسوء التغذية إلى ضعف دائم في القدرة الإدراكية، والمهارات الحركية، وزيادة خطر حدوث مشكلات سلوكية ، وانخفاض كبير في التحصيل التعليمي. 

أما العواقب الأخرى طويلة المدى، التي سيواجهها أطفال «غزة» المتأثرون بالصراع، فسيواجهون تهديدات حادة ومزمنة بسبب سوء التغذية، إلى جانب مواجهة العواقب الجسدية، والنفسية، والاجتماعية العميقة، الناجمة عن العنف الشديد الذي شهدوه خلال الصراع؛ ففي شهر إبريل الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن طفلًا واحدًا يُقتل أو يُصاب كل عشر دقائق في «غزة».

كما أن التعرض للحرب في وقت مبكر من الحياة، يمكن أن يؤدي إلى تغييرات فسيولوجية وجينية دائمة، تتردد صداها عبر الأجيال القادمة.. وعلى مدى فترات طويلة من الزمن، أو من خلال فترات شديدة من المشقة، يعطل هذا من النمو الصحي، ما سيؤدي إلى زيادة العبء بشكل خاص على «غزة» بمجرد انتهاء الحرب.

بشكل أكثر وضوحًا، أكد الباحثان أن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، والذي يمتد لأجيال قد حدث بالفعل في «غزة»، مع وجود ما يقرب من نصف السكان هم دون سن 18 عامًا؛ موضحين أن التأثيرات على الصحة البدنية والعقلية سيكون لها عواقب وخيمة وواسعة النطاق على رفاهة المجتمعات في «غزة»، لأن الأطفال يتأثرون بشكل غير متناسب بالصراع المسلح، وسوء التغذية، ويمثلون في نفس الوقت نسبة كبيرة من سكان «غزة». 

ومثل الأطفال، فإن النساء الحوامل والمرضعات معرضات بشدة لتأثيرات انعدام الأمن الغذائي الشديد.. في ظل تأكيد %95 من النساء الحوامل والمرضعات في جميع أنحاء شمال «غزة» تناول كميات غذائية غير كافية بشكل خطير، حيث يستهلكن وجبتين أو أقل من مجموعات الطعام يوميًا.

لذلك، فمن المؤكد أن العواقب الصحية المزمنة، الناجمة عن هذا العدوان والحصار الإسرائيلي، سيشعر به سكان «غزة» لعقود من الزمن، وسوف يرثها أولئك الذين لم يولدوا بعد.

 

في النهاية.. عجزت الكلمات في تحريك مشاعر العالم، أمام سكان يستشهدون ويصابون يوميًا من الغارات والجوع، في ظل هرولتهم في الشوارع، وهم يخوضون رحلة محفوفة بالمخاطر سيرًا على الأقدام، بين الحطام وأكوام الركام، التي اختلطت بأشلاء الشهداء، وتناثر الدماء، بحثًا عن طعام وشراب، بعيون حائرة تصرخ في صمت، بينما يعتصر فؤادهم من الألم، لعدم قدرتهم على إسكات جوع صغار كل ذنبهم أنهم ولدوا في «غزة».

لم يعد للمرادفات جدوى من وصف قتامة المشهد داخل قطاع «غزة».. حيث مارس جيش الاحتلال كافة الجرائم اللاإنسانية بحق شعب أعزل يموت ألف مرة في الدقيقة، وهو في انتظار التوديع القادم.