الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الجمهورية الجديدة تفكك ترسانة القوانين المتضاربة ثورة تشريعات اقتصادية تُصحِّح مسار حركة الاستثمار

بينما كانت تغادر مصر مرحلة ساد فيها تضارب القوانين وتشعّب التشريعات، ومع انفتاح أبواب الجمهورية الجديدة انطلاقًا من ثورة 30 يونيو، كان لزامًا على الدولة المصرية تفكيك ترسانة القوانين الاقتصادية التى أدت إلى تكبيل الاقتصاد على مدار سنوات طويلة، وتسببت فى إبطاء حركة الاستثمار برغم المقومات الكبيرة والفرص المتنوعة فى الاقتصاد المصرى.



 

ولم يكن أمام القيادة السياسية والحكومة إلا التحرك السريع لكسر قيود الاستثمار ورفع الثقة لدى المستثمرين التى اهتزت بشكل عنيف فقد اقتصرت حصيلة الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر خلال العام المالى 2012/2013 على نحو 3.6 مليار دولار، وذلك بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

وقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بفضل الإصلاحات ورغم التحديات الكبيرة والأزمات الدولية بنسبة %170 خلال عام 2023 عن مستواها فى 2013 لتسجل 9.8 مليار دولار، وثمة توقعات بمواصلة ارتفاعها لمستويات غير مسبوقة خلال عام 2024. وبدأت مصر خطة للإصلاح الاقتصادى انطوت على إصدار عدد من القوانين الاقتصادية الجديدة، تعالج الخلل فى القوانين التى كان بعضها عبارة عن أوامر ملكية مضى على إصدارها ما يقرب من المائة عام.

 قانون الاستثمار الموحد

وفى مقدمة القوانين التى كان هناك حرص على سرعة إصدارها، قانون الاسثمار الموحد، وهو القانون الذى أقره مجلس النواب المصرى فى مايو 2017، تحت رقم 72 لسنة 2017 بنصه المعدّل، بعدما وافق المجلس على منح رئيس الوزراء صلاحية إصدار اللائحة التنفيذية لمشروع القانون بعد عرضه على وزيرة الاستثمار وبموافقة مجلس الوزراء، وأكد على ضرورة مشاورة الحكومة للجنة الاقتصادية فى البرلمان فيما يخص صياغة اللائحة.

وتضمن القانون الجديد حوافز كبيرة للمستثمرين من بينها خصم 50 فى المائة من الضرائب المستحقة على المشاريع الاستثمارية فى المناطق الجغرافية الأكثر احتياجًا للتنمية، طبقًا للبيانات والإحصائيات الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وخصم 30 فى المائة من الضرائب المستحقة على المشاريع الموجودة فى باقى أنحاء الدولة.

وأعاد القانون العمل بالمناطق الحرة للقطاع الخاص، وهى مناطق معفاة من الضرائب والجمارك، وهى السياسة التى عطلت إقرار القانون بسبب اعتراضات على التخلى عن إيرادات ضريبية فى وقت تنتهج فيه الحكومة سياسات تقشفية.

كما أقر القانون وفقًا لنص المادة 20 منه والمادتين (42و43) من لائحة التنفيذية، نظام الرخصة الذهبية، حيث يمكن تعريف الرخصة الذهبية بأنها موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما فى ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة له، يجوز منحها للشركات بقرار من مجلس الوزراء، ويجوز أن تتضمن هذه الموافقة سيران أحد الحوافز الواردة بهذا القانون على المشروع أو أكثر، تكون هذه الموافقة نافذة بذاتها دون حاجة إلى اتخاذ أى إجراء آخر.

 قانون التراخيص الصناعية

أما ثانى التشريعات المهمة التى تم إقرارها، فهو القانون رقم 15 لسنة 2017 بشأن تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية، وذلك بعد إقراره من مجلس النواب.

حيث تضمن القانون 5 مزايا، يأتى فى مقدمتها منح التراخيص فى مدة أقصاها 30 يوما، وربما يكون هذا هو الهدف الرئيسى من قانون التراخيص الصناعية، خاصة وأن الحصول على التراخيص للمنشآت الصناعية كان يستغرق بحسب تصريحات المسئولين فى وزارة الصناعة – أكثر من 600 يوم، لذلك راهنت الحكومة على هذا القانون للقضاء على بيروقراطية منح التراخيص، ولسرعة حصول المستثمر على رخص التشغيل.

ووفق مشروع قانون التراخيص الصناعية، فإن الحصول على ترخيص للمنشأة الصناعية يكون بنظام الإخطار عبر هيئة التنمية الصناعية، فيما عدا ما يتعلق بالصناعات الضارة بالبيئة أو ذات المخاطر المتعلقة بالأمن، حيث يكون الترخيص لها بنظام الإخطار المسبق للجهات الإدارية، كما أن ثالث مزايا القانون الجديد أنه يجعل من التراخيص الممنوحة للمنشآت الصناعية غير محدد المدة، إلا فى الأحوال التى ستبينها اللائحة التنفيذية للقانون.

ولا يسرى نظام الترخيص بالإخطار فى المناطق الصناعية التى يٌحظر فيها قيام أى نشاط صناعى أو يحظر فيها إقامة أنواع معينة من الأنشطة الصناعية، وهنا القانون شدد على أن الصناعات التى تحتوى على درجة كبيرة من المخاطرة سواء على البيئة أو الأمن لن يتم منحها ترخيص بنظام الإخطار المباشر، على أن يكون المنح بنظام الترخيص المسبق بعد دراسة الجهات المختصة، وهو رابع مزايا القانون.

وشدد القانون على أن ترد الجهة المانحة للترخيص خلال مدة 30 يوما فقط، بعد أن تقدم المنشآت جميع أوراقها مستوفاة الشروط، وهو ما يؤكد مساعى وزارة الصناعة للإسراع فى منح التراخيص.

كما يلزم القانون الجهات الإدارية المختص الرد على طالب الترخيص خلال سبعة أيام فقط حال وجود نقص فى الأوراق أو أنها غير مستوفاة للشروط، ويتم الرد النهائى خلال 14 يوما فقط من تاريخ تسليم الأوراق المستوفاة للشروط، وفى حالة عدم الرد يعتبر رفضا لطلب الترخيص.

ويسمح القانون بمنح الترخيص للمنشآت الصناعية التى لم تستوف الإجراءات غير الجوهرية أو غير الأساسية، والتى لا تخلف ضررا بالبيئة أو بالصحة العامة، على أن يكون الترخيص مؤقتًا ولمدة عام، وهو ما يشير إلى التيسير على المنشآت الصناعية وعدم تعطيل عملها.

ويسمح القانون الحالى بإنشاء ما يسمى بمكاتب وشركات الاعتماد والتى لها الحق بمنح المنشآت الصناعية وإصدار خطابات أو وثائق بتوافر الشروط للمنشآت طالبة الترخيص، على أن يتم إرسال تلك الخطابات للجهات المختصة، على أن لا تعتد الجهات المانحة للترخيص بهذه الخطابات بعد مضى عام على تحريرها.

قانون تنمية المشروعات الصغيرة

وضمن حزمة التشريعات التى تم إقرارها قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لعام 2020 والذى يعمل على تفعيل دور جهاز تنمية المشروعات باعتباره الجهة المسئولة والداعمة لهذا القطاع، ويقدم القانون مجموعة من الحوافز والمزايا لدعم وانطلاق هذه المشروعات لتصبح له دور أساسى فى دفع عمليات التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل للشباب.

 قانون البنك المركزى  والجهاز المصرفى

وكان لزامًا على الدولة إصدار تشريع جديد يراعى التطورات فى القطاع المصرفى العالمى، ويدعم قدرة البنك المركزى على الرقابة، كما يقوى آلياته لإدارة السياسة النقدية، ولذلك فقد تم إصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى، رقم 194 لسنة 2020.

وتضمن القانون عددًا من الصلاحيات للبنك المركزى من بينها حماية جميع بيانات العملاء وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم فى البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، حيث لا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابى من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة أو من أحد ورثته أو من أحد الموصى لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانونى أو وكيله أو بناء على حكم قضائى أو حكم تحكيم.

ووفقا للمادة، مع عدم الإخلال بالاستعلامات الواردة بهذا القانون، يسرى الحظر المنصوص عليه فى الفقرة الأولى من هذه المادة على جميع الأشخاص والجهات بما فى ذلك الجهات التى يخولها القانون سلطة الاطلاع أو الحصول على الأوراق أو البيانات المحظور إفشاء سريتها طبقا لأحكام هذا القانون، ويطل هذا الحظر قائمًا حتى ولو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لأى سبب من الأسباب وحدد القانون قواعد للرقابة والإشراف على البنوك والضوابط المرتبطة بأنشطتها، حيث نص فى المادة 84 منه على أنه يضع مجلس الإدارة قواعد للرقابة والإشراف على البنوك والضوابط المرتبطة بأنشطتها، وله فرض معايير أو ضوابط أو قواعد محددة على أى بنك حال توافر ظروف تستدعى ذلك، وذلك طبقًا لأحكام هذا القانون، على أن تتضمن بوجه خاص:

كما تضمن قواعد حوكمة البنوك، وعلى الأخص القواعد المتعلقة بتحديد مسئوليات والتزامات مجلس إدارة البنك ولجانه، وتعزيز استقلالية أعضائه، وتحديد آلية تقييم الأداء، ونظام المكافآت، وخطط التعاقب الوظيفی، إلى جانب قواعد الإفصاح، وإعداد القوائم المالية المستقلة والمجمعة، والبيانات الواجب نشرها وكيفية النشر ووسائله.

 قانون الثروة المعدنية

وبعد سنوات طويلة من جمود أنشطة التنقيب عن الذهب واقتصادر الأمر على شركة سنتامين ومنجم السكرى منذ عام 2005، فقد تم إصدار قانون جديد للثروة المعدنية، وهو القانون رقم 145 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية فى يناير 2020، بهدف التغلب على معوقات الاستثمار، وأتاح القانون تيسيرات كبيرة فى طرح المزايدات الجديدة خاصة التنقيب الذهب.

وبناء على القانون الجديد تم طرح عدد من المزايدات العالمية، كان أولها مزايدة عام 2020 وشمل 320 قطاعا على مساحة حوالى 56 ألف كيلو متر مربع فى المنطقة الواقعة بين خطى عرض 23 - 28 درجة بالصحراء الشرقية والبحر الأحمر والتى تم تقسيمها إلى⅛×⅛ للقطاع الواحد لتصل مساحة القطاع إلى حوالى 170 كيلو مترًا مربعًا.

وجاء قانون الثروة المعدنية كخطوة أولى وأساسية فى إطار خطة مصرلتطوير عدد من المدن التعدينية الصناعية على ساحل البحر الأحمر فى الصحراء الشرقية، وأخرى فى الصحراء الغربية، وذلك فى إطار مخططها لتعزيز قطاع التعدين والثروة المعدنية فى مصر.

وكشفت وزير البترول والثروة المعدنية أنَّ المخطط يشمل إنشاء مدن تعدينية صناعية متكاملة فى عدد من المواقع الواعدة بالمواد الخام، تتضمن مصفاة للذهب فى الصحراء الشرقية، تشمل مختبرات وتجهيزات فنية لخدمة الاكتشافات الواعدة فى هذا المجال.

 تعديل قانون المحاكم الاقتصادية

وأقر البرلمان مؤخرًا مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008.

وأكد عدد من أعضاء مجلس النواب، أهمية تعديلات قانون المحاكم الاقتصادية فى تحقيق العدالة وسرعة الفصل فى المنازعات الاقتصادية بما يساعد على خلق بيئة جاذبة للاستثمار.

وقال النائب أيمن أبو العلا: «إن التعديلات المعروضة فى قانون المحاكم الاقتصادية تعديلات مهمة جدا، كما أن التقاضى على مرحلتين يسهم فى تحقيق العدالة ويسهم فى دعم الاقتصاد المصرى، وننتظر أن يتم الانتهاء من مشروع قانون الإجراءات الجنائية بشكل كامل».

وقانون المحاكم الاقتصادية يرتبط بقانون المرافعات المدنية والتجارية، ويدعم سرعة الفصل فى المنازعات الاقتصادية، وبموجب التعديل ستختص المحاكم الاقتصادية بنحو 20 قانونًا اقتصاديًا.

كذلك أكد النائب مكرم رضوان، أن التشريعات الاقتصادية مهمة لدعم الاقتصاد، وأهمية وجود تشريع لخلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمار، مشيدا بتعديلات قانون المحاكم الاقتصادية وأهميتها فى حل الكثير من المشاكل التى تواجه المستثمرين، كما أنه يعد ضمانة لكفالة حقوق الإنسان لأنه أقر مبدأ التقاضى على درجتين وهو أمر مهم لتحقيق العدالة.

 تقرير «الأونكتاد»

ونظرًا للإصلاحات التشريعية الكبيرة، إلى جانب جميع الإجراءات والقرارات الاقتصادية المهمة فقد كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) عن تصدر مصر قائمة البلدان الإفريقية الأعلى جذبا للاستثمارات الخارجية، وهو التقرير الذى يغطى الفترة من أول يوليو 2022 وحتى 30 يونيو 2023.

وكشف تقرير أونكتاد عن أن مصر كانت البلد الوحيد فى القارة الإفريقية الذى شهد زيادة تعادل الضعف على أساس سنوى فى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى دخلت اقتصادها خلال عام 2023، مشكلة بذلك حالة استثنائية إيجابية مقارنة بجميع البلدان الإفريقية الأخرى الأعلى جاذبية لأموال المستثمرين الأجانب.

وأكد التقرير أن ما حصلت عليه مصر من استثمارات خارجية مباشرة جاء بزيادة تعادل الضعف عما تلقته من استثمارات أجنبية مباشرة فى عام 2022، وأنها تفوقت بفارق كبير عن قائمة الدول الإفريقية التسع الأخرى التى تمتعت بالجاذبية الأعلى للمستثمرين الأجانب خلال عام 2022 - 2023، حيث اجتذبت مصر 11 مليار دولار أمريكى خلاله من الاستثمارات الأجنبية، بينما جاءت جنوب إفريقيا فى الترتيب الثانى إفريقيا بعد مصر واجتذبت 9 مليارات دولار أمريكى خلال ذات الفترة.