دولة «30 يونيو» تنهى أزمة استمرت لأكثر من 50 عامًا فى مصر.. «كـــــــان» عندنـا أزمة «إسكان»
أحمد حلمى
أثبتت لنا الأيام أن ثورة الـ 30 من يونيو لم تكن ثورة ضد أوضاع سياسية كادت أن تعصف بمصر وتضعها على طريق اللاعودة وإنما كانت ثورة ضد أزمات مزمنة عانى منها الوطن لعقود كاملة.. كانت تؤرق حياة الناس وتعكر صفوها تلك الأزمات التى فشلت معها كل المسكنات وأنصاف الحلول وكانت بحاجة إلى حلول جذرية معروفة ومعلومة لدى الجميع.. لكن المشكلة كانت فى عدم وجود «الإرادة السياسية» لتنفيذ تلك الحلول.
إلى أن قامت ثورة 30 يونيو وحضرت معها الإرادة السياسية لتغيير الأوضاع وحل الأزمات بشكل جذرى.
من أخطر الأزمات التى كانت تعانى منها مصر أزمة الإسكان والتى وصلت إلى حد أجبرت فيه شريحة من المصريين إلى السكن فى عشش من الصفيح والكارتون بل ووصل الحال ببعض الناس إلى السكن فى المقابر.
بخلاف المشكلات التى حدثت لقطاع كبير من الشباب المقبل على الزواج لأكثر من نصف قرن من الزمان.
قامت الدولة المصرية بعد 2014 والتى كانت تعانى من الفجوة بين العرض والطلب على الوحدات السكنية فكنا نحتاج إلى 400 ألف وحدة سكنية سنويًا، بجانب عجز متراكم من السنوات السابقة قدره 2 مليون وحدة سكنية، ومناطق عشوائية غير مخططة يقطنها 15 مليون نسمة، ولمواجهة كل هذا، كان لزامًا وضع خطة طموحة لسد هذه الفجوة بجانب الخطة المقترحة «2024 : 2030» للوصول إلى إتاحة 3.7 مليون وحدة سكنية، بجانب العمل على استغلال الوحدات الشاغرة والتى يصل عددها إلى 2 مليون وحدة سكنية. كما كانت تعانى مصر من سوء العدالة فى التوزيع المكانى، ففى الفترة 1976 إلى 2014 كانت 100 % من مشروعات الإسكان تتم بالمدن الجديدة لمحدوى الدخل فقط، ويتركز معظمها بإقليم القاهرة الكبرى، بينما فى الفترة 2014 إلى 2023 تم تنفيذ %26 من الإسكان خارج المدن الجديدة، و%81 لمحدودى الدخل «الإسكان الاجتماعى – إسكان بديل العشوائيات»، وغطت جميع محافظات الجمهورية.
ويختص المؤشر الثالث بالقضاء على المناطق غير الآمنة وتوفير وحدات سكنية بديلة، حيث تم تطوير 357 منطقة غير آمنة، وتنفيذ 300 ألف وحدة سكن بديل، وتبلغ تكلفة الدعم الكلى للمناطق غير الآمنة 85 مليار جنيه، قيمة تكاليف الإنشاءات للسكن البديل لعدد 138 منطقة، بخلاف تطوير 219 منطقة، كما أن جميع الوحدات كاملة التأثيث، وهذه سابقة لم تحصل فى العالم، ومشروع السكن البديل للمناطق غير الآمنة بجانب مشروع الإسكان الاجتماعى، من المشروعات التى تفتخر بها الأمم المتحدة، وحصل على أعلى جائزة فى عام 2022 من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
نهضة عمرانية كبيرة تشهدها البلاد
شهدت مصر عقب ثورة 30 يونيو وخلال فترة تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية نهضة عمرانية كبيرة فى القطاع العقارى بمختلف مجالاته وصفها الخبراء على مستوى دول العالم بأنها مميزة وغير مسبوقة، فقد احتلت سياسات الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والتخطيط العمرانى أولوية متقدمة فى خطة الدولة المصرية منذ عام 2014 وحتى الآن فهى ترتبط بتوفير حزمة من الخدمات الأساسية التى تتصل اتصالًا مباشرًا بجودة الحياة اليومية للمواطن. مثل زيادة الرقعة العمرانية بكل مشتملاتها من المرافق والخدمات حيث مهدت الطرق واستحدثت آليات من شأنها تهيئة الحياة لاستقبال المواطن المصرى فى عدد من المدن العمرانية الجديدة.
وتعتبر النهضة العمرانية التى تشهدها مصر حاليًا تطبيقًا لمخرجات المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية «مصر 2052» وقد تم تحقيق وتنفيذ جزء كبير من مخرجات المخطط بما يتخطى المدد الزمنية المحددة بكثير.
إنشاء مدن الجيل الرابع لأول مرة فى مصر
شرعت مصر، ومنذ عام 2014 فى تنفيذ عشرات المدن الجديدة ضمن الجيل الرابع، وهى مدن ذكية ومستدامة، لتحقيق جودة الحياة للمواطن المصرى، وتعتمد كل مدينة منها، على قاعدة اقتصادية تتناسب مع طبيعة الإقليم الذى تقع فيه، وتحقق الغرض من إنشائها، ومن أهم تلك المدن، العاصمة الإدارية الجديدة، والتى تمثل مركزًا لريادة المال والأعمال، وتضم مشروعات يتم تنفيذها لأول مرة بمصر، كمشروع منطقة الأعمال المركزية، والبرج الأيقونى، وهو أطول برج فى أفريقيا بارتفاع نحو 400 متر، وكذا مشروع الحدائق المركزية «كابيتال بارك»، بطول نحو 10 كم، وهى أكبر حديقة مركزية فى الشرق الأوسط، وثانى أكبر حديقة مركزية فى العالم، وغيرهما من المشروعات الرائدة.
كما أنشأت عددًا من المدن الأخرى على كامل محافظات مصر مثل «العلمين الجديدة» و«المنصورة الجديدة» وصولًا إلى «أسوان الجديدة».
ملف الإسكان الاجتماعى
وفى ملف الإسكان الاجتماعى.. فقد شهدت الفترة من 2014 وحتى الآن الانتهاء من تنفيذ حوالى 800 ألف وحدة سكنية وجار تنفيذ نحو 400 ألف وحدة سكنية أخرى من خلال صندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى.. كما تم تقديم دعم فى صور متنوعة بقيمة تتجاوز 8 مليارات جنيه منذ 2014 وحتى الآن للوحدات السكنية ببرنامج سكن لكل المصريين، وبلغ عدد المستفيدين أكثر من 3 ملايين مستفيد قياسًا على أن متوسط عدد أفراد الأسر المستفيدة 5 أفراد للأسرة، بجانب إتاحة آلية تعامل المستفيدين للمرة الأولى مع البنوك بشكل مباشر، وزيادة عدد شركات المقاولات المشاركة فى تنفيذ المشروعات، مما أدى إلى توفير المزيد من فرص العمل.
كما تم وضع مجموعة من المعايير لتوفير التمويل اللازم للعمل على زيادة المستفيدين من المبادرة الرئاسية «سكن لكل المصريين»، وتتعلق تلك المعايير بمراجعة مستوى الدخل للمستفيدين المستهدفين بشكل دورى، وأسعار الوحدات السكنية، بجانب العمل على وضع الحوافز لجذب البنوك العامة والخاصة ومنها حسن الاستهداف بوضع معايير الوصول للأشخاص الأكثر حاجة للسكن، والذين لم يسبق لهم الاستفادة من سكن مدعوم.
كما تم إنشاء 1.5 مليون وحدة سكنية خلال السنوات السبع الماضية فى كل المستويات الاجتماعية المختلفة، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 2.4 مليون وحدة بزيادة مليون وحدة سكنية هذا العام.
تطوير القاهرة الخديوية وإعادتها إلى سابق جمالها
يأتى هذا المشروع المهم لإعادة القاهرة إلى ما كانت عليه قبل عقود من الإهمال والعشوائية واعادتها إلى ما كانت عليها فى فترة الخديو إسماعيل.
تشمل تطوير وتأهيل المبانى التراثية والإضاءة وتنسيق الموقع العام لمناطق ميدان طلعت حرب وميدان مصطفى كامل وشارع قصر النيل.. ويهدف المشروع إلى رفع كفاءة المبانى التراثية للحفاظ على ثروتها من المبانى المميزة خاصة بعد انتقال المصالح الحكومية إلى العاصمة الإدارية الجديد وإزالة التشوهات البصرية وتوحيد ألوان الواجهات وأعمال الإضاءة وأعمال الأرضيات والمقاعد واللافتات الإرشادية والإعلانية والتشجير وسلال القمامة وعمل مسارات للدراجات ومسارات لذوى الهمم مع مراعاة حركة المشاة.
القضاء على المناطق غير الآمنة
فى غضون سنوات قليلة نجحت الحكومة المصرية فى القضاء على أخطر ملف فشلت الحكومات السابقة فى حله أو حتى الاقتراب منه، فمنذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية حكم البلاد، وأخذ على عاتقه القضاء على هذا الملف الذى يهدد حياة آلاف الأسر، ووضعه فى مقدمة الملفات.
فهناك ما يقرب من 240 ألف أسرة استفادت من مناطق تطوير العشوائيات غير الآمنة خلال الفترة الماضية والمستهدف فى المرحلة الحالية 600 ألف أسرة، كما أن هناك «خطة البناء غير المخطط لـ10 سنوات المقبلة تستهدف 22 مليون مواطن أى ما يقرب 5 ملايين أسرة.
وأنفقت مصر أكثر من 4 تريليونات جنيه خلال الـ 6 سنوات الماضية على مشروعات التنمية، وتحملت الدولة فى تكلفة تطوير المناطق غير الآمنة الكثير، حيث بلغ إجمالى عدد المناطق غير الآمنة على مستوى الدولة 351 منطقة، بها 242905 وحدات، ومنذ شهر يونيو 2014 وحتى شهر يونيو 2020، تم تطوير 296 منطقة بها 175897 وحدة (222 منطقة تم تنفيذها بها 143261 وحدة – 74 منطقة تم الانتهاء من إجراءاتها بها 32636).
وتواصل الدولة تنفيذ أعمال التطوير لـ54 منطقة بها 65487 وحدة، بالإضافة إلى تطوير 7 مناطق بها 1521 وحدة، وقدرت تكلفة تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة بـ61 مليار جنيه (إجمالى سعر الأراضى 23 مليار جنيه - إجمالى تكلفة المشروعات 39 مليار جنيه)، ومن أبرز المناطق التى تم تطويرها خلال السنوات الماضية وشهدت نهضة غير مسبوقة كانت منطقة مثلث ماسبيرو ومدينة 15 مايو ومدينة بدر ومدينة 6 أكتوبر.
تنمية الصعيد وسيناء
لم يعد الصعيد مهملًا ولن تعود سيناء منسية هذا الهدف وضعته الجمهورية الجديدة ووجهت لهما أكبر حزمة من التمويلات من الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الماضية.
قطاع الإسكان شهد طفرة كبيرة بتنفيذ 14 مدينة جديدة و188 ألف وحدة سكنية، وتم افتتاح عدد من مشروعات الإسكان فى صعيد مصر شملت المشروعات: مدينة أسوان الجديدة، والمرحلة الأولى بمدينة غرب قنا، والمرحلة الأولى من مدينة ناصر غرب أسيوط، والإسكان الاجتماعى بقنا الجديدة، وإسكان جنة بالمنيا الجديدة، والإسكان الاجتماعى بأسيوط الجديدة، والإسكان الاجتماعى بالمنيا الجديدة.
وكان لسيناء نصيب كبير من الاهتمام فعلى صعيد الإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات، فقد تم تنفيذ 48.2 ألف وحدة إسكان اجتماعى، كما تم تنفيذ 54.5 ألف وحدة إسكان اجتماعى لتطوير العشوائيات، علمًا بأن سيناء ومدن القناة خالية من العشوائيات غير الآمنة، وفيما يتعلق بالتجمعات التنموية فقد تم تنفيذ 4259 بيتًا بدويًا، كما تم إنشاء 18 تجمعًا تنمويًا بمحافظتى شمال وجنوب سيناء و17 أخرى جارتنفيذها.
إشادة خبراء التخطيط العمرانى
ما قامت به الدولة المصرية حاز على رضاء الخبراء والمتخصصين فى التخطيط العمرانى فى مصر.
حيث أشاد الدكتور/ سعيد حسانين استشارى التخطيط العمرانى بما حدث من نجاحات كبيرة فى ملف الإسكان خلال السنوات الماضية حيث أفاد بأن الدولة كانت تعانى لفترات طويلة من حالة انهيار للعقارات داخل المدن القديمة، فضلًا عن المشكلات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية فى هذه المناطق.
وأضاف أن اتجاه الدولة لإزالة العشوائيات والمناطق غير الآمنة، كان لابد لإنقاذ المواطنين من الهبوط الذى حدث فى هذه المناطق وذكر أن أكثر من %35 من حجم المدن الموجودة كانت مناطق عشوائية وغير آمنة، خاصة المناطق المركزية والتى كانت لها قيمة كبيرة مثل الفسطاط والمناطق التاريخية.
وأوضح حسانين أن الدولة وضعت خطة بحيث تكون خالية من العشوائيات والمناطق غير الآمنة، وكانت البداية فى عام 2014 بعمل خطة لإزالة جميع المناطق العشوائية والتخلص منها فى 2020، وتم التعامل مع 192 منطقة بالتطوير أو التجديد الحضرى وتم إخراجها من المناطق غير الآمنة.
وأشار إلى أن 2 مليون مواطن كانوا يعيشون فيها استفادوا من تطويرها، لافتًا إلى أن الدولة عملت على توفير جميع الخدمات الناقصة وجميع الشبكات المرفقية الضرورية للحياة، مؤكدًا أنه تم توفير 250 ألف وحدة سكنية للسكان فى هذه المناطق، وتم طرح عدة بدائل للتعامل مع المواطن، مؤكدًا أن المناطق الخطرة وغير الآمنة كانت تصل فى مصر إلى نحو 360 منطقة.
كما أشار حسانين أنَّه فى الفترات والسنوات السابقة وقبل تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى لم تكن تحظى محافظات الصعيد بأى اهتمام على مستوى المشروعات، موضحًا أنَّه كان لابد من تدخل الدولة لحل مشكلات الصعيد.
وشدد على أنَّ القيادة السياسية ساندت المخططات التنموية فى الصعيد، وبدأت حقبة التطوير والنهضة التنموية الشاملة فى الصعيد وكان هدفها تحسين المستوى المعيشى للمواطن الصعيدى، ولذلك تمّ التركيز على تحسين وتطوير البنية التحتية سواء كانت للمعيشة لتحسين جودة الحياة وتحسين الاقتصاد لتوفير فرص عمل للمواطنين.
أما الدكتور سيف الدين فرج أستاذ التخطيط العمرانى فقال إن القيادة السياسية بعد 2014 تولت نهج القضاء على جميع ما يؤرق المواطن المصرى، وبالتالى تم إزالة المناطق شديدة الخطورة مثل منطقة الطيبى وتل العقارب والسيدة زينب، وهى مناطق غير آدمية.
وأضاف فرج أن هذه المناطق تحولت لنموذج للعمارة الحديثة التى تتواءم مع الطراز المعمارى القائم فى منطقة السيدة، وأصبحت اليوم روضة السيدة 1 وروضة السيدة 2، من خلال وحدات سكنية آمنة وتهوية وإضاءة طبيعية.
كما أفاد أيضًا أن المنظومة العمرانية بعد عام 2014 لم تتم بأسلوب تلقائى، لكنها تمت من خلال استراتيجية عمرانية وضع لها محاور أساسية، أولها التخلص من المساكن شديدة الخطورة والمتمثلة فى العشوائيات.
وذكر أن الاستراتيجية العمرانية المتبعة متكاملة وليست على محور واحد، فهى تضع فى الاعتبار الجانب الاقتصادى والاجتماعى والعمرانى، فعندما تُنشأ مدينة جديدة تكون متكاملة من حيث المبانى والطرق والخدمات والبنية الأساسية، كل هذا يخلق فرص عمل وبالتالى يكون الوضع الاقتصادى أفضل.
وأشار الدكتور سيف الدين فرج، إلى أن إنشاء مدن جديدة شيء مهم لاستيعاب الزيادة السكانية فضلاً عن الاهتمام بالقاهرة التاريخية مهم لاستعادة ذاكرة الماضى وربطه بالحاضر والمستقبل.
إشادات دولية واسعة
إشادات دولية كبيرة أثنت على جهود الدولة فى التعامل مع المناطق العشوائية، حيث صرح صندوق النقد الدولى بأن الحكومة المصرية تتبنى برامج حماية اجتماعية تهدف لتوفير السكن اللائق للفئات الأكثر احتياجًا.
من جانبها أشادت الإيكونوميست باهتمام الحكومة المصرية بالعديد من مخططات الإسكان لذوى الدخل المنخفض، كما توقعت أن يكون قطاع البناء محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادى.
كما أكد برنامج الأمم المتحدة UNHABITAT، على أن الدولة المصرية أظهرت التزامًا جادًا من أجل تطوير المناطق العشوائية خلال الأعوام السابقة، حيث طبقت استراتيجيات شاملة وناجحة نجم عنها نتائج جيدة.
بدورها ذكرت فيتش أن الدولة المصرية تتخذ خطوات عديدة لمعالجة قضايا قطاع الإسكان، مشيرة إلى أن هذا القطاع سيستمر فى الحصول على الدعم لتوفير وحدات الإسكان الاجتماعى واستمرار المشروعات لنقل المواطنين من المناطق العشوائية إلى الوحدات السكنية الجديدة.
وبشأن ما جاء فى تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة 2021 فى هذا الصدد، ذكر التقرير أن هناك إرادة مصرية كبيرة للحفاظ على كرامة الإنسان من خلال إنهاء أزمة العشوائيات والمناطق غير الآمنة وتوفير الإسكان الاجتماعى للفئات المتوسطة.