واشنطن لا تخرج فائزة فى حرب.. ولا تتوقف عن ضخ الأموال فى المؤسسة العسكرية!.. المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى.. القوة الأكثر تدميرا فى العالم

مرڤت الحطيم
القنابل تقتل وتدمر، لكنها تجعل الناس أغنياء أيضا! لذا لا بد أن تتوقف الهيمنة المخفية للمجمع الصناعى العسكرى ويجب علينا القضاء عليها. بهذه الجملة نشر موقع TomDispatch تحقيقا لديڤيد فاين وتيريزا أريولا، يتناول تمويل المجمّع الصناعى العسكرى الأمريكى ونشأته والشكل الذى يبدو عليه الآن، وتأثير تعاظم قوّته على البشرية، والحاجة إلى القضاء عليه. ما هو الجيد فى الحرب؟ لا شىء على الإطلاق.. ولكن بالنسبة لهذا البلد، فقد تبين أن الحرب كانت مفيدة لكثير من الأمريكيين الذين ينتمون إلى الطبقة العليا، ولا سيما صانعى الأسلحة لدينا.
المجمع الصناعى العسكرى للكونجرس أثبت أنه بقرة حلوب من الدرجة الأولى (برغم أننى أكره إهانة الأبقار بهذه الطريقة) وفقا للكاتب. فقد تدفقت عليه الأموال ببساطة خلال هذا القرن؛ ومع ذلك، يبدو أنها غير كافية بشكل أو بآخر. ومؤخرا، نسف زعيم الأقلية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل طلب الرئيس بايدن للحصول على مبلغ 850 مليار دولار لميزانية البنتاجون لعام 2025، معتبرا إياه غير كاف وطالبه برفع قيمته. وتحقق له ذلك وذلك يتحقق دائما.
وفى بلد تواصل فيه ميزانية البنتاجون وميزانية الأمن القومى الأوسع بكثير فى الارتفاع، يتساءل الكاتب مستغربا كيف أنه منذ خروج الولايات المتحدة منتصرة من الحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن حجم الأموال التى ضختها فى المجمع الصناعى العسكرى أو عدد القواعد العسكرية التى أنشأها جيشها على مستوى العالم، لم تظهر هذه الدولة فى أى حرب كبيرة شاركت فيها من حرب كوريا فى أوائل الخمسينيات إلى حرب ڤيتنام فى الستينيات إلى حروب هذا القرن فى أفغانستان وباكستان والعراق والحرب العالمية على الإرهاب التى رافقتها منتصرة بحق. نعم، إن الدولة التى تعادل ميزانيتها الدفاعية ميزانية الدول التسع التالية مجتمعة لا يمكنها أن تفوز بالحرب أو تتوقف عن ضخ الأموال فى مؤسستها العسكرية والمجمع الصناعى الضخم المصاحب لها. واليوم، يسلط كل من فاين وأيرولا الضوء فى هذا المقال على حجم الكارثة التى ثبت أنها حلت بهذا البلد، مدعومين بمجموعة استثنائية من الصور الأصلية المتعلقة بالمجمع الصناعى العسكرى التى لم تنشر من قبل. نحن بحاجة للتطرق إلى ما تفعله القنابل فى الحرب. القنابل تمزق اللحم وتهشم العظام. القنابل تقطع الأوصال وتسبب ارتجاجات عنيفة فى الدماغ والرئتين وأعضاء الجسد الأخرى لتنزف بعد ذلك وتتمزق وتتوقف عن العمل. القنابل تسبب الجروح وتقتل وتدمر لكنها تجعل الناس أغنياء أيضا!

والسؤال البديهى بالطبع هو كيف؟ ولمواجهة ما قد يتطلبه الأمر لتفكيك المجمع الصناعى العسكرى، لا بد أن نفهم أولا كيف نشأ والشكل الذى يبدو عليه. ونظرا لحجمه المذهل وتعقيداته، أنشأنا وفريقا من الزملاء سلسلة من المعلومات التى تنشر للمرة الأولى للمساعدة فى تصور المجمع الصناعى العسكرى والضرر الذى يتسبب به. لقد نشأ المجمّع الصناعى العسكرى بعد الحرب العالمية الثانية، كما أوضح أيزنهاور، بفعل عملية دمج مؤسسات عسكرية ضخمة، كالبنتاجون والقوات المسلحة ووكالات الاستخبارات وسواها، مع قطاع ضخم لتصنيع الأسلحة. فاتحدت هاتان القوتان، العسكرية والصناعية، مع الكونجرس لتشكيل المثلث الحديدى الاستثنائى أو ما يعتقد بعض العلماء أن أيزنهاور أطلق عليه فى البداية وبشكل أكثر دقة تسمية المجمع العسكرى الصناعى التابع للكونجرس. وحتى يومنا هذا، بقى هؤلاء الثلاثة أساس المجمع الصناعى العسكرى ورهينة دوامة دائمة من الفساد المقنن الذى يتضمن أيضا الكثير من المخالفات غير القانونية. ويعمل النظام الأساسى لهذا المجمع على النحو الآتى: أولا، يأخذ الكونجرس مبالغ طائلة منا نحن دافعى الضرائب كل عام ويعطيها للبنتاجون. ثانيا، يقوم البنتاجون، بناء على توجيهات الكونجرس، بتحويل أجزاء ضخمة من هذه الأموال إلى الشركات المصنعة للأسلحة والشركات الأخرى بواسطة جميع العقود المربحة للغاية، ما يمنحه أرباحا بقيمة عشرات المليارات من الدولارات. ثالثا، تستخدم الشركات المتعاقدة جزءا من الأرباح للضغط على الكونجرس من أجل الحصول على المزيد من عقود البنتاجون، التى يسعد الكونجرس عموما بتقديمها، ما يؤدى إلى استمرار دوامة لا نهاية لها على ما يبدو.

إلا أن المجمع الصناعى العسكرى يعد أكثر تعقيدا وغدرا من ذلك. وفى ما يعد فعليا نظام رشوة مشروعة، تساعد تبرعات الحملات الانتخابية بانتظام فى تعزيز ميزانيات البنتاجون وضمان منح عقود أكثر ربحية، غالبا ما يستفيد منها عدد صغير من الشركات المتعاقدة فى منطقة أو ولاية تابعة للكونجرس. وتطرح هذه الشركات قضيتها بمساعدة جيش افتراضى يضم أكثر من 900 من مجموعات الضغط فى واشنطن. والكثير منهم مسئولون سابقون فى البنتاجون، أو أعضاء سابقون فى الكونجرس أو موظفون فى الكونجرس، تم تعيينهم من خلال سياسة الباب الدوار التى تستفيد من قدرتهم على الضغط على زملائهم السابقين. وتتبرع هذه الشركات المتعاقدة أيضا لمراكز الأبحاث والمراكز الجامعية الراغبة فى دعم زيادة إنفاق البنتاجون، وبرامج الأسلحة، والسياسة الخارجية المعسكرة إلى أبعد حدود. كما تعد الإعلانات وسيلة أخرى لدفع برامج الأسلحة إلى المسئولين المنتخبين. بالإضافة إلى ذلك، يقوم صانعو الأسلحة بنشر صناعتهم بين أكبر عدد ممكن من دوائر الكونجرس، ما يسمح لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب بنسب الفضل إليهم فى خلق الوظائف. فى المقابل، تخلق وظائف المجمع الصناعى العسكرى غالبا دوامة من التبعية فى المجتمعات ذات الدخل المنخفض التى لا تملك سوى عدد قليل من المحركات الاقتصادية الأخرى، ما يؤدى فعليا إلى شراء دعم السكان المحليين.
من جانبها، تنخرط الشركات المتعاقدة بانتظام فى التلاعب القانونى بالأسعار، مما يؤدى إلى فرض رسوم زائدة على دافعى الضرائب مقابل جميع أنواع الأسلحة والمعدات. وفى حالات أخرى، يؤدى احتيالها إلى سرقة أموال دافعى الضرائب. ويعد البنتاجون الوكالة الحكومية الوحيدة التى لم تجتز أى عملية تدقيق على الإطلاق، ما يعنى أنه لا يستطيع فعليا تتبع أمواله وأصوله؛ ومع ذلك، فهو لا يزال يتلقى من الكونجرس أكثر مما تحصل عليه أى وكالة حكومية أخرى مجتمعة. ويضمن المجمع الصناعى العسكرى كنظام، أن يكون إنفاق البنتاجون والسياسة العسكرية مدفوعا ببحث الشركات المتعاقدة عن أرباح أعلى من أى وقت مضى ورغبة فى إعادة انتخاب أعضاء الكونجرس، وليس من خلال إجراء أى تقييم حول كيفية الدفاع عن البلاد بأفضل طريقة. وليس مستغربا أن يكون الجيش المؤلف غير مطابق للمواصفات، خاصة فى ضوء الأموال التى تم إنفاقها. ويتحتم على الأمريكيين الصلاة لئلا يضطروا فعليا إلى الدفاع عن الولايات المتحدة.

ولا يمكن لأى قطاع آخر، ولا حتى شركات تصنيع الأدوية الكبرى أو شركات النفط الكبرى، أن تضاهى قوة المجمع الصناعى العسكرى فى تشكيل السياسة الوطنية والسيطرة على الإنفاق. ففى الواقع، بات الإنفاق العسكرى اليوم أكبر (مع مراعاة معدل التضخم) مما كان عليه خلال الحرب فى ڤيتنام أو أفغانستان أو العراق أو حتى فى أى وقت منذ الحرب العالمية الثانية، على الرغم من عدم وجود تهديد يبرر هذا الإنفاق ولو من بعيد. ويدرك الكثيرون الآن أن المستفيد الأساسى من أكثر من 22 عاما من الحروب الأمريكية التى لا نهاية لها فى هذا القرن كان القسم الصناعى من المجمع الصناعى العسكرى، الذى حقق مئات المليارات من الدولارات منذ عام 2001.
من انتصر فى أفغانستان؟ متعاقدو القطاع الخاص، كان عنوان الصفحة الرئيسة لصحيفة وول ستريت جورنال فى عام 2021. كان من الممكن استبدال كلمة أفغانستان فى هذا العنوان بكوريا أو ڤيتنام أو العراق، من بين حروب أمريكية أخرى تبدو وكأنها لا تنتهى منذ الحرب العالمية الثانية. لكن استفادة المجمع الصناعى العسكرى من هذه الحروب ليست مصادفة. وقد جرت البلاد إلى الدخول فى صراعات فى دول عديدة بدءا من كوريا وڤيتنام وكمبوديا ولاوس مرورا بالسلڤادور وجواتيمالا وبنما وجرينادا، وصولا إلى أفغانستان وليبيا والصومال وغيرها الكثير. وقد وصل عدد القتلى والجرحى فى هذه الحروب إلى عشرات الملايين. فعدد الوفيات المقدرة الناجمة عن حروب ما بعد أحداث 11 سبتمبر فى أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا واليمن يشبه إلى حد مخيف عدد الوفيات الناجمة عن الحروب فى ڤيتنام ولاوس وكمبوديا الذى يقدر ب 4.5 ملايين شخص. هذه الأرقام كبيرة جدا بحيث يمكن أن تصبح مخدرة.
ومن الناحية البيئية؛ يتسبب المجمع الصناعى العسكرى بأضرار بيئية لا يمكن إصلاحها فى كثير من الأحيان، بما فى ذلك تسمم النظم البيئية، وفقدان التنوع البيولوجى المدمر، والبصمة الكربونية للجيش الأمريكى، الذى يعد أكبر من أى منظمة أخرى على وجه الأرض. فخلال فترة الحرب أو التدريب اليومى يقوم المجمع الصناعى العسكرى فعليا بتعزيز ظاهرة الاحتباس الحرارى وتغير المناخ من خلال حرق الوقود لتشغيل القواعد والمركبات وإنتاج الأسلحة. إن التكاليف البشرية والبيئية التى يتحملها المجمع الصناعى العسكرى غير مرئية بشكل خاص خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وفى الأراضى الأمريكية وغيرها من المناطق الرمادية السياسية، تعتمد الاستثمارات فى البنية التحتية والتكنولوجيات العسكرية جزئيا على مواطنة الدرجة الثانية لمجتمعات السكان الأصليين، التى غالبا ما تعتمد على الجيش فى كسب معيشتها.
ومثلما دعم المجمع الصناعى العسكرى الحروب فى الخارج، دعم التسلح فى الداخل. فعلى سبيل المثال، لماذا أصبحت قوات الشرطة المحلية مسلحة إلى هذا الحد؟ باختصار منذ عام 1990، سمح الكونجرس للبنتاجون بنقل أسلحته ومعداته الفائضة بما فى ذلك الدبابات والطائرات المسيرة إلى وكالات إنفاذ القوانين المحلية. تتيح عمليات النقل هذه للبنتاجون والشركات المتعاقدة معه الطلب من الكونجرس القيام بعمليات شراء بديلة؛ الأمر الذى يؤدى إلى دعم المجمع الصناعى العسكرى بشكل أكبر. وسعيا لتحقيق أرباح جديدة من أسواق جديدة، قامت الشركات المتعاقدة أيضا ببيع منتجاتها العسكرية على نحو مطرد مباشرة إلى فرق الأسلحة والتكتيكات الخاصة (SWAT) وقوات الشرطة الأخرى، وفرق دوريات الحدود، وأنظمة السجون. وقد أنفق السياسيون والشركات مليارات الدولارات على تسليح الحدود والسجن الجماعى، ما ساعد فى دعم ظهور مجمع الحدود الصناعى ومجمّع السجون الصناعى المربحين على التوالى. وقد ألحقت عمليات التسليح المحلية الضرر بمجتمعات السود واللاتينيين والسكان الأصليين بشكل غير متناسب.
سيدافع البعض عن المجمع الصناعى العسكرى من خلال الإصرار على أننا نحتاج إلى وظائفه؛ والبعض الآخر من خلال الادعاء بأنه يبقى الأوكرانيين على قيد الحياة ويحمى بقية أوروبا من روسيا ڤلاديمير بوتين؛ وآخرون من خلال التحذير من النفوذ الصينى. وتعد كل هذه الحجج مثالا على الدرجة التى تعتمد بها قوة المجمع الصناعى العسكرى على صناعة الخوف والتهديدات والأزمات بشكل منهجى لمساعدة تجار الأسلحة وغيرهم فى المجمع الصناعى العسكرى على زيادة ثرواتهم من خلال تحفيز الإنفاق بشكل أكبر على التسلح والحرب على الرغم من السجل شبه المتواصل من الفشل الكارثى فيما يتعلق بكل صراع أمريكى منذ الحرب العالمية الثانية.
ويجب أن تكون الضرورة الملحة لتفكيك المجمع الصناعى العسكرى واضحة. فمستقبل الكائنات والكوكب يعتمد على ذلك. إن الطريقة الأكثر وضوحا لإضعاف المجمع الصناعى العسكرى تكمن فى حرمانه من مصادر تمويله، ألا وهى أموال ضرائب الأمريكيين. وقليلون هم من لاحظوا أنه بعد ترك منصبه، دعا رئيس البنتاجون السابق كريستوفر ميللر فى عهد ترامب إلى خفض ميزانية البنتاجون إلى النصف.وحتى التخفيض بنسبة 30 %، كما حدث لفترة وجيزة بعد انتهاء الحرب الباردة فى عام 1991، من شأنه أن يحرر مئات المليارات من الدولارات سنويا. تخيلوا كيف يمكن لهذه المبالغ أن تبنى حياة أكثر أمنا وصحة وأمانا فى هذا البلد، بما فى ذلك التحول الاقتصادى العادل للعسكريين وموظفى الشركات المتعاقدة الذين يفقدون وظائفهم. وتذكروا أن هذه الميزانية العسكرية ستظل أكبر بكثير من ميزانية الصين أو روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية مجتمعة. إن مجرد التفكير فى خفض ميزانية البنتاجون لهو أمر صعب، لأن المجمع الصناعى العسكرى قد استحوذ على كلا الحزبين السياسيين، ما يضمن عمليا استمرار الإنفاق العسكرى المتزايد الأمر الذى يعيدنا إلى لغز كيفية تفكيك المجمع الصناعى العسكرى كنظام.