شعبى.. حى قصة شعب فى سطور
مقاومة قلم.. «القاسم» الذى لقب بـ«شاعر المقاومة»
وفاء وصفى
كَذَبَ زَعمُ الزاعم أنك صفحة تاريخ مطويّة
خَرَصٌ قول الشانئ إنك مسكون بالموت
حيّ أنت
حى فى ساعد عامل
حى فى جبهة فلاح
حى فى عزم مقاتل
يغزل من أوردة الليل الرابخ أوردة لصباح..
كذب زعم الزاعم أنّك مسكونٌ بالموت
يا شعبى
حيٌّ حيٌّ أنت..
يَدُك المرفوعة فى وجه الظالم
راية جيل يمضى
وهو يهز الجيل القادم:
«قاومتُ.. فقاوم!»
صوتُك يا شعبى أغنيتى الشعبيّة
من بيت تمتد إلى بيت
وتزلزل جدران سجون القاتل والسارق
فى الرملة.. فى المجدل.. فى شطَّة
فى الدامون وعكا والجلَمه
وتزلزل جدران «المسكوبية»..
دمك النازف. يا شعبى. رايتك اللينينيّة
والأرض بطاقتك الحزبية
والأرض.. شيوعيّة!
انهضْ فوق ركام الموت
ولتسمع كل جهات العالم هذا الصوت
يا شعبى الغاضب.. حيّ أنت!
أَقدِمْ يا إعصار الموت الزاحف
أَقدِمْ
لستُ بخائف
أقدم يا إعصار
قد تحنى قامتها شجرة
لكن لن تحنى قامتها كل الأشجار!
أقدم يا إعصار
واشهدْ رايتك المنكسِرة
تحت إرادة هذا السد
كتف تسند كتفًا
ويَدٌ راسخةٌ فى يد!
أَقدم يا نتن الأزمنة المحتضرة
كى يفهم أعداء الشمس
من نهبوا خيرات الشرق
بزجاجة كوكا كولا
وبربطة عنق
كى يفهم أعداء الشمس
هذا الدرس:
أرتال الدبابات الجرّارة
أقوى منها قصّاصةُ طفل
أسراب الفانتوم،
مهما كانت عاليةً
أعلى منها خصية طفل
وجيوش العدوان وآلات الحرب الهمجيّة
السافر منها. والكامن فى سوء النية
تقهرها بسمةُ طفل!
وليفهم كل الجنرالات الحمقى
أن النصر الأكبر
معقود للجنرال الأكبر
أكتوبر!
وليفهم كل السادة
وكلاب السادة:
مهما طال الليل
نحن نُقصّر عمر الليل
فانهض فوق ركام الموت
يا شعبى حى أنت!
انهض فى دمك النازف (رايتك اللينينيّة)
فى غضب الأرض (بطاقتك الحزبيّة)
والأرض.. شيوعيّة!!
امتلك الأدباء الفلسطينيون قلما يختلف عن جميع الأقلام الأخرى، فحبر قلمهم هو الدم الذى يسفك منذ عقود كثيرة، لقد قدم هذا الشعب من النضال والمقاومة ما لم تعرفه شعوب أخرى، لقد قاوم بكل شىء يملكه، بداية من الحجارة، مرورًا بالقلم وانتهاء بأرواحهم ومع ذلك لم ولن تنتهى مقاومتهم لأنهم ببساطة شديدة وكما كتب الشاعر «سميح القاسم» شعب حى فكانت قصيدته التى أصبحت أغنية تتغنى بها الشعوب «شعبى حى»..
وسميح القاسم هو أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين، الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضى العام 48، وكان رئيس التحرير الفخرى لصحيفة كل العرب، عضو سابق فى الحزب الشيوعى.
ولد القاسم لعائلة فلسطينية فى مدينة الزرقاء بتاريخ 11 مايو 1939 حيث عَمِل والده فى قوّة حدود شرق الأردن فى ذلك الحين، عادت عائلته إلى الرامة سنة 1941، وتعلّم فى مدارس الرامة الجليليَّة (1945-1953)، والناصرة (1953-1957). علّم فى إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسى فى الحزب الشيوعى قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبى.
كانت عائلة سميح من الموحدين الدروز، والدُهُ كان ضابطًا برتبةِ رئيس (كابتن) فى قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم.
وأثناء عودة العائلة إلى فلسطين فى القطار، فى الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب وخافوا أنْ تهتدى إليهم الطائرات الألمانية! وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى آن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه فى وجوههم لردعهم، وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثرًا عميقًا فى نفسه: «حسنًا لقد حاولوا إخراسى منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفى أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتى».
ويبدو أن عائلة القاسم عرفت المقاومة منذ بدايتها فقد روى بعض شيوخ العائلة أنَّ جدَّهم الأول خير محمد الحسين كانَ فارسًا مِن أسياد القرامطة قَدِمَ مِن شِبه الجزيرة العربية لمقاتلة الروم واستقرَّ به المطاف على سفح جبل حيدَر فى فلسطين على مشارف موقع كانَ مستوطنة للروم، وما زالَ الموقع الذى نزل فيه معروفًا إلى اليوم باسم «خلَّة خير» على سفح جبل حيدر الجنوبى.
وآل حسين معروفون بميلهم الشديد آلى الثقافة وفى مقدّمتهم المحامى على حسين الأسعد، رجل القانون والمربى الذى ألّفَ وترجَمَ وأعدَّ القواميس المدرسية وكتَبَ الشِّعر وتوزَّعَتْ جهودُهُ بينَ فلسطين وسوريا ولبنان وأَقامَ معهد الشرق لتعليم اللغات الأجنبية فى دمشق.
سُجِن سميح القاسم أكثر من مرة كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنـزلى وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعرى والسياسى وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، فى الوطن وخارجه. اشتغل مُعلمًا وعاملًا فى خليج حيفا وصحفيًا.
لقد كان القاسم شاعر غزير الإنتاج يتناول فى شعره الكفاح ومعاناة الفلسطينيين، وما إن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة فى العالم العربى كما كتب أيضًا عددًا من الروايات، وكان من بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطينى يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل فى الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير فى الرأى العام العالمى فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
أسهَمَ القاسم فى تحرير «الغد» و«الاتحاد» ثم رَئِسَ تحرير جريدة «هذا العالم» عام 1966.
وعادَ بعد ذلك للعمل مُحررًا أدبيًا فى «الاتحاد» وآمين عام تحرير «الجديد» ثمَّ رئيس تحريرها. وأسَّسَ منشورات «عربسك» فى حيفا، مع الكاتب عصام خورى سنة 1973، وأدارَ فيما بعد «المؤسسة الشعبية للفنون» فى حيفا.
كما رأس اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين فى فلسطين منذ تأسيسهما وكذلك ترأس تحرير الفصلية الثقافية «إضاءات» التى أصدرها بالتعاون مع الكاتب الدكتور نبيه القاسم ثم أصبح رئيس التحرير الفخرى لصحيفة «كل العرب» الصادرة فى الناصرة.
بصَدَرَ للقاسم أكثر من 87 كتابًا فى الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة فى سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة فى القدس وبيروت والقاهرة، كما تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى.
حصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف فى عدّة مؤسسات، اهمها جائزة «غار الشعر» من إسبانيا،و جائزتين من فرنسا عن مختاراته التى ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربى عبداللطيف اللعبى.
كما حصلَ على جائزة البابطين وكذلك حصل مرّتين على «وسام القدس للثقافة» من الرئيس ياسر عرفات، وجائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة «السلام» من واحة السلام، جائزة «الشعر» الفلسطينية.
تميزت كتابات القاسم بالاختلاف فكان مادة خصبة للنقاد فتقول عنه الشاعرة والباحثة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسى إنه الشاعر الوحيد الذى تظهر فى أعماله ملامح ما بعد الحداثة فى الشِّعر العربى.
ووصفه العديد من الكتاب بأنه «هوميروس من الصحراء» و«قيثارة فلسطين» و«متنبى فلسطين».
وسميح القاسم فى رأى العديد من الشعراء هو «شاعر العرب الأكبر» «شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل»، «الشاعر القديس» والعديد من الصفات الأخرى التى ألصقت به مثل «شاعر المقاومة الفلسطينية» و«شاعر القومية العربية» و«الشاعر العملاق» وهو «شاعر الغضب الثورى» «شاعر الملاحم»، و«شاعر المواقف الدرامية» و«شاعر الصراع»
وإنتاج القاسم غزير وكثير فقد تخطت أعماله الـ80 عملا توزّعت ما بينَ الشعر والنثر والمسرحية والرواية والبحث والترجمة ومن أهمها مواكب الشمس - قصائد - (، 1958م)، أغانى الدروب -(1964م)، دمى على كفِّى (1967م)، دخان البراكين (1968م)، سقوط الأقنعة، ويكون أن يأتى طائر الرعد - قصائد - (1969م) وغيرها من الأعمال الخالدة التى حفرت فى وجدان التاريخ.
وتوفى سميح القاسم، بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذى داهمه مدة 3 سنوات والذى أدى إلى تدهور حالته الصحية فى الأيام الأخيرة 19 أغسطس 2014.