السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شاعر الصورة وصاحب الكاميرا الحرة سعيد شيمى.. المصور الذى تحرر من البلاتوهات إلى الشارع

حصول المصور السينمائى سعيد شيمى (82 عاماً) مؤخراً على جائزة الدولة التقديرية، هو بمثابة تتويج لسنوات تصل لأكثر من خمسين عاماً، جعل من الصورة السينمائية شكلاً ومذاقاً بصرياً استثنائياً، ليس لكونه واحدًا من جيل السينما المتمردين، لكنه من جيل شكلته الثورة، ومن ثم النكسة التى هزمته وجيله كاملاً فى ستينيات القرن الماضى. ليس ذلك فحسب فما جعل منه مصوراً استثنائياً هو أنه قادم من عالم السينما التسجيلية، ذاق طعم الحرب، والهزيمة، مع أبناء جيله فى مقدمتهم محمد خان، وعاطف الطيب، وعلى عبدالخالق، وداوود عبدالسيد وخيرى بشارة.. الجيل الذى جمعه هم واحد وهو صناعة سينما واقعية، حقيقية، قريبة من الشارع وحكاياته.



 

 

 

كان طفلا مشاغباً، يهوى الالتصاق بنافذة منزل العائلة المطل على قصر عابدين، يراقب بحماس الطوابير العسكرية فى تدريباتها واستعراضها اليومى على أنغام الموسيقى العسكرية التى كانت تعزفها فرقة يقودها شخص أثناء السير ويرفع عصاه برشاقة يوجه بها العازفين.. فى كل مرة كان «سعيد» يراقب الموكب والفرقة، كأنه يشاهدا فيلماً، ويخشى أن تفلت العصا من يد القائد.. نما أول أحلام الصبى وتمنى أن يكون قائد فرقة الموسيقى العسكرية، يقذفها عالياً ثم يلتقطها بمهارة أكبر.

ظل سنوات طفولته، يراقب الموكب العسكرى لتحركات الملك، ومواكب شاهد فيها عودة القوات المصرية التى خاضت حرب فلسطين عام 1948، وإجراءات أمنية فى ميدان عابدين أمام القصر الملكى يوم اندلاع ثورة 1952.. بدأ الحس والانتماء الوطنى ينضج فى قلب الفتى الصغير، وهو ما جعل منه شخصًاً نهمًا للمعرفة والصورة.. عرف طريق قاعات السينما، عندما مرضت والدته، لم تكن لديها القدرة على رعاية سعيد وشقيقاته، فكان على الأب أن يصحبهم إلى قاعات السينما المنتشرة فى ذلك الوقت فى نواحى العتبة وشارع عماد الدين وعابدين.

كانت تلك البوابة السحرية لشيمى للعالم، شاهد أفلاماً إيطالية وفرنسية وإنجليزية وحتى الأفلام الهندية التى كان لها رواج ملحوظ.. وكان ما يلفت الصبى سعيد شيمى وهو أفلام الحركة، لدرجة أنه فى أحد المرات التى أصطحبه والده للسينما كان يمسك بيديه جيداً خوفاً من إصابة أى من الجالسين أمامه أو جواره، لانفعاله بالحركة والأكشن فى الفيلم.

بدأ بكاميرا فوتوغرافيا والده، يلتقط صوراً، يبتكر ألعاباً مع صديق طفولته محمد خان، كان يصنع من كرتونة الأحذية شاشة سينما، كان الصبيان يتبادلان الأدوار، خان يكتب قصصاً ويقرأها لشيمى، والأخير يمثل كأنه يصور. نما حلم السينما بين الاثنين، ثم سافر خان إلى لندن، منذ ذلك الحين، استمرت المراسلات البريدية بينهما.. كل منهما كان عين الآخر على السينما.. خان يكتب له عن الأفلام التى كان يشاهدها، وشيمى كان العين الأخرى له عما يعرض فى دور العرض السينمائية والأفلام.

فى بداية الستينيات، انغمس الشيمى فى مشاهدة الأفلام من مختلف البلدان فى العالم، إلى أن أقيم أسبوع الفيلم الفرنسى عام 1964 فى سينما رمسيس، انبهر الشاب سعيد شيمى، بتلك السينما التى كانت تنتمى إلى ما يسمى «الموجة الجديدة»، وكان يعتمد التصوير بها على الكاميرا الحرة، والكاميرا المحمولة التى يمسكها مدير التصوير بنفسه.. هذا ما جعل الشغف بالتصوير السينمائى يكبر لديه، ومحاولته دراسة السينما، لكن لم يتم قبوله عدة مرات، إلى أن اضطر «شيمى» إلى دراسة التاريخ فى كلية الآداب، لكنه استمر فى التصوير بكاميرا 8 مللى كان قد استلفها من خاله.. وكانت هى البداية، لم يمت الإصرار على دراسة السينما والتصوير، ففى عام النكسة 1967 قرر سعيد شيمى سحب أوراقه من كلية الآداب بدون علم عائلته والتقدم للمرة الخامسة فى معهد السينما، ففى تلك المرة اجتاز امتحانات القبول فى قسم التصوير.

كانت نكسة 67 سنة التحول، فبدأ سعيد شيمى وأبناء جيله ممن أطلقوا على أنفسهم جيل النكسة، فى التعبير عن الانكسار، والهزيمة، إلى الخروج من ممر ضيق كانت السينما وقتها سينما بعيدة عن الشارع، عن الواقع الذى يعيشه المصريون فى ذلك الوقت.

وفى تصريح سابق على صفحات روزاليوسف ألقى سعيد شيمى اللوم على الجيل الجديد فى السينما ووصفهم بأنهم جيل لا يبذل أى مجهود للمعرفة ولا الثقافة، وبالتالى فإن هذا الجيل ليس لديه الرغبة فى معرفة الحقيقة، مثل جيلنا الذى ذاق طعم الهزيمة.. وبعد أفلام كانت مدعومة من جانب الدولة وهى أفلام مهمة فى تاريخ السينما مثل الأفلام (الأرض) و(المومياء) و(الحرام)، ثم فجأة شعرنا بعد ما كنا نعيش على القمة، حدثت النكسة، وألقت بنا الريح أسفل السافلين.. أى قائد يهزم فى معركة، فإن الشعب يرفضه، ورغم ذلك تمسك الشعب بـ«عبدالناصر»، هنا بدأنا نتساءل: كيف يتمسك شعب بقائد مهزوم! وما حدث عقب موته، وتوديع الشعب المهزوم له، هو ما جعل جيلنا يفكر فى طريقة تجعل من الفنون تعويضا عن الهزيمة والانكسار.. ثم جاء السادات، وألغى مؤسسة السينما، وأنشأ هيئة أطلق عليها خدمات السينما، وكان تبريره هو أن الدولة خسرت ما يقرب من 8 ملايين جنيه فى السينما التى أنتجها قطاع الدولة. بعد 1973 بدأ التغيير، ولأننا جيل تربى فى أحضان الثورة، حاولنا صناعة سينما تعبر عنا، دونما الاعتماد على الدولة، فأنشأنا جماعة السينما الجديدة، والتى كان أول إنتاجاتها فيلم (أغنية على الممر) إخراج «على عبدالخالق»، وكان الفيلم بداية لدعم روح الصمود والانتصار بعد هزيمة مؤلمة.. وبدأ جيلنا الذى لم يجد مساعدة من الدولة فى إنشاء وتأسيس شركات إنتاج خاصة.. ثم بدأ هو جيله عمل أفلام مليئة بالمبادئ والأفكار التى يحملونها، وخرجت أفلام مهمة مثل (العار) و(الحريف)، والتى غيرت مفهوم السينما، وخلقت تيارا جديدا عن الصمود والهوية والمهمشين.. على الرغم من الإمكانيات الضئيلة فى وقتها، فإننا كجيل قمنا بعمل أفلام نريدها، وليس أفلاما لا تعبر عن أفكارنا.. الآن الوضع أكثر اختلافا وتطورًا فى آليات التصوير. 

خلق سعيد شيمى لنفسه مساحة مميزة فى صناعة الصورة، وقراره أن يكون هو حامل الكاميرا بنفسه، دون الاعتماد على مساعد، خلق روحًا مختلفة فى طريقة التصوير وهى الكاميرا الحرة، كان دائما المصور الوحيد فى ذلك الوقت الذى يخلق حلولاً فنية بإمكانيات ضئيلة، ليكون دائما الداعم للمخرج فى خلق صورة واقعية سينمائية ساحرة.

الحديث عن سعيد شيمى لا ينتهى.. لذا روز اليوسف سوف تفتح خزائنه السينمائية والشخصية وحكايات خصها بنا فى سلسلة حوارات فى الأعداد المقبلة.