ثلاثة عصور مختلفة فى عمل فنى شديد الإتقان: خذوا العبرة من (أهل الكهف)
سارة سراج
فى أى زمن كان هناك من هو على حق ومن هو على باطل، من تحركه المصالح ومن يحركه الدفاع عن الحق بصرف النظر عن دينه أو ما يعبده، تلك حقيقة كونية منذ بداية الخلق وحتى ينتهى، ولا مرجعية لأى إنسان سوى نفسه والأنا العليا أى الضمير الذى تعمق فى فلسفته عالم النفس «سيجموند فرويد» وهو المرجعية الأخلاقية أو الأسس التى تشكل روح كل منا وتحركه يمينا أو يسارا وعلى أساسه يتحمل نتائج أفعاله حتى ولو انتصر الشر فى بعض الأحيان..
تلك هى رسالة فيلم (أهل الكهف) الذى يُعرض على شاشة السينما فى سباق موسم عيد الأضحى المبارك، وهو لا يمت بصلة لقصة أهل الكهف فى القرآن الكريم، لكنه معالجة درامية سينمائية لمسرحية «توفيق الحكيم» التى حملت ذات العنوان (أهل الكهف) كما كتب على الشاشة فى مستهل العمل الفنى.
الفيلم من إخراج «عمرو عرفة» ومعالجة درامية لـ«أيمن بهجت قمر» وبطولة عدد من النجوم سوف نتطرق للحديث عنهم فيما بعد.. لكن بالحديث عن هذا العمل الفنى فهو من نوعية دراما الخيال الممزوجة بالتاريخ واختلاف العصور فنحن نتحدث عن ثلاثة عصور مختلفة وهي سنة 250 ميلاديا و559 ميلاديا و620 ميلاديا، بما تتضمنه من صراعات وأحداث تؤكد أن التاريخ يُعيد نفسه وصراع المصلحة والسلطة مستمر حتى نهاية الزمن.
التفاصيل.. سر النجاح
تلك النوعية من الأعمال الفنية تتطلب من صُناعها دقة عالية فى مختلف عناصرها الفنية وذلك ما نجح فيه صُناع فيلم (أهل الكهف) بشكل كبير بداية من الموسيقى التصويرية التى أعتبرها بطلا أساسيا من أبطال العمل وعنصر قوة أضاف كثيرا للحالة العامة والمزاج النفسى للمَشاهد..فعلى سبيل المثال فى مشاهد الحروب كما حدث فى بداية العمل، تسمع موسيقى تشبه المارشات العسكرية، مُعتمدة بشكل كبير على دق الطبول بسرعة عالية مع تصاعد حدة الحرب وتتداخل معها الآلات الوترية مثل «التشيللو والكونتراباص» التى تُعزف بشكل سريع وكأن أوتارها جنت كجنون الحرب نفسها، مما يُدمجك كمُشاهد مع حالة تلك المَشاهد من توتر وترقب وتسمع دقات قلبك تعلو وكأنك تُحارب معهم، وأيضًا فى المشاهد الدرامية القائمة على تبادل المشاعر أو إسداء النصائح، تسمع آلات الكمان مع التشيللو ببطء ليُشعرك بحالة الشخصيات وما يشعرون به من ألم أو حزن أو حب.
ولو تطرقنا للعنصر الفنى الآخر الذى يجعلك تصل لمعايشة شبه كاملة للأحداث وهو حركة الكاميرا والقطع السريع الممتع بين الكادرات والزوايا خاصة فى مشهد معركة الانتقام التى خرجت باحترافية عالية خاصة من حيث عنصر التصوير وحركة الكاميرا، فقد تنوعت بين الحركة الاستعراضية للمكان عامة والشعب الحاضر وعدده وبين كادرات قريبة للشخصيتين الأساسيتين وهما «القائد سبيل» الذى يجسد دوره «خالد النبوى» والقائد بولا» الذى يجسد دوره «محمد ممدوح» مع كادر أوسع لمقصورة الامبراطور ومساعده وابنته لتوضيح ردود الأفعال مع كل تصاعد للأحداث، إلى جانب استخدام الزاوية المنخفضة تارة للتأكيد على سيطرة شخص على آخر والزاوية المرتفعة تارة أخرى لتوضيح ضآلة وانكسار أحد الأطراف.
حرفة الـ In cast
بالطبع نجح صناع العمل بشكل كبير فى اختيار الفنانين لتجسيد الشخصيات الأساسية والثانوية وبالتالى نستطيع أن نُقّر أن حرفة الـ in cast تحققت فى هذا العمل الفنى.بالنسبة لأبطال الفيلم وهم: «خالد النبوى» و«محمد ممدوح» و«محمد فرّاج» فقد خرج أداء «النبوى» فى دور «سبيل» مبدعا فى كل تفاصيله سواء الرسم الجسمانى للشخصية من ملابس تلائم هذا الزمن وشكل الشعر واللحية مع الحذاء وملاءمة جسده لكونه قائد جيش، فقد ظهر مفتول العضلات صاحب لياقة بدنية عالية، أما بالنسبة للرسم النفسى للشخصية فقد جسد «النبوى» دور «القائد سبيل» باحترافية وحب وصدق وصل للمُشاهد بشكل كبير، فعندما تتغلغل الشخصية داخل روح الفنان تصل للجمهور ببساطة ويصدقها ويتفاعل بل ويتوحد معها أيضا.
أما «محمد ممدوح» فى دور «القائد بولا» فقد جمع بين رومانسية ولين الرجل مع أسرته وبين شدته وعنفوانه كقائد جيش، فأظهر ببراعة ذلك الجانب العاطفى خاصة فى مشهد بكائه على حرق أسرته وأظهر الجانب العنيف القوى فى معاركه سواء مع العدو أو مع صديقه ضد الإمبراطور الظالم ومأخذى الوحيد على شكل جسد «محمد ممدوح» الممتلئ غير المتماشى مع كونه قائد جيش.
ولو تحدثنا عن أداء «محمد فرّاج» الذى جسد شخصيتين وهما التوأم «نور» و«نار» والذى يُعتبر تحديا كبيرا لأى فنان ليُثبت به قدرته التمثيلية على التلون بين سمات هذا وذاك، ما تحقق بالفعل ونجح فيه «فرّاج» وأقنعك كمُشاهد أنهما شخصيتان مختلفتان تماما من حيث الفكر وطريقة الكلام والحركة وذلك نجاح وإثبات لموهبته الحقيقية فى حد ذاته.
وبالطبع قامات فنية أخرى أضافت لهذا العمل الفنى بتجسيدها المبدع لأدوارها وعلى رأسهم «أحمد عيد» فى دور «مليخة» الذى يعتبر اللمسة الكوميدية التى تخفف من حدة الأحداث وقسوتها أحيانا، والفنان القدير «رشوان توفيق» الذى جسد دور رجل عجوز يؤمن بالمعجزات وأضاف بموهبته وأدائه المُتقن المعهود للمشاهد فخرجت معه قوية دراميا.
ناهيك عن الملابس والديكور والإكسسوارات ودقة تجسيدها على الشاشة نظرا لأننا نعايش ثلاثة عصور مختلفة، لكل منها ذوق وأقمشة وشكل فنى خاص.. ولذلك ومن المرات القليلة التى أشجع فيها الجمهور لمشاهدة فيلم سينمائى لأنه عمل فنى مهم وخاص وصاحب رؤية مميزة وشكل فنى مُبهر يأخذك لعالمه ويفصلك عن واقعك لساعتين من الزمن، أدعم مشاهدة (أهل الكهف).