الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

جزارة من طِراز خاص «تقوى الحلوانى».. تتحدث اللغات ورُغم بساطتها تخدم أبناء منطقتها

قررت امتهان مهنة مختلفة ومغايرة للمجتمع لتثبت نفسها وبجدارة بين صفوف الرجال. مهنة الجزارة ظهرت فى السينما المصرية من خلال شخصية الجزار الرجل المُخيف الذى يمسك بالساطور فى يده ويُبث الرعب فى قلوب الناس. وتعددت أشكال الجزار فى السينما ما بين طيب وشرير وكوميدى؛ ولكن ما لم يكن على البال هو أن تشغل هذه المهنة أنثى ناعمة تضع الماكياج وتتحدث اللغات. 



فى عالمٍ غالبًا ما تهيمن عليه الصورة النمطية والمهن التقليدية، تظهر لنا قصص غير اعتيادية تحمل فى طياتها الكثير من الإلهام والتحدى. وقصتنا اليوم عن جزارة إمبابة السيدة تقوى الحلوانى الشهيرة بأم إسلام البالغة من العمر 55 عامًا، التى تخرجت من المعهد الفنى التجارى وأصبحت أمًا لشاب موظف وفتاتين إحداهما مهندسة والأخرى فى المرحلة الثانوية.

دفعتها الصدفة لتكون واحدة من القلائل اللاتى يعملن فى مهنة الجزارة. لم يكن الأمر مخططًا له فى البداية، بل كان هذا العمل يبدو بعيدًا كل البعد عن اهتماماتها؛ لكنه سرعان ما تحول إلى باب رزق. فقبل احترافها لمهنة الجزارة عملت أم إسلام لمدة 15 عامًا كموظفة فى عدد من المهن المختلفة. ورغم رفضها المستمر فى العمل بمهنة والدها ووالدتها الصعبة إلا أنها فى نهاية المطاف التحقت بذات المهنة كوالديها لتقضى فيها 35 عامًا.. روزاليوسف التقت بالسيدة تقوى الحلوانى لتخبرنا عن رحلتها فى عالم الجزارة وبدأت السيدة تقوى بالحديث عن مهنتها المميزة التى يتم وصفها بأنها مهنة رجالى قائلة: «لم يعد هناك وظائف تقتصر على الرجال، أصبحت المراة تعمل فى جميع الوظائف الآن».. وإلى نص الحوار.

 كيف بدأت بالعمل فى مهنة الجزارة؟ وهل عملتِ فى مهن أخرى قبلها؟

- لقد ورثت المهنة عن والدى ووالدتى. فلو لم تكن عائلتى فى كار الجزارة لكان من المستحيل أن أعمل فى هذه المهنة مطلقًا؛ ولكن قبل ذلك كنت أعمل لمدة 15 عامًا كسكرتيرة تنفيذية فى شركات مقاولات وشركات استيراد وتصدير، كما عملت فى مصنع غزل ونسيج فى السويس، وعملت فى مكتبة توريدات، ولكننى كنت أتعرض لمضايقات فى العمل وكان مرتبى ينقضى كله على احتياجاتى من الماكياج والملابس. وكانت أمى هى من ألحقتنى بالعمل بالجزارة معها، وفى بداية عملى كنت أقف معها وأساعدها وأتعلم منها. وعندما بدأت فى العمل كجزارة كان مكتوب كتابى. وكان زوجى شيف جزار وحاصل على بكالريوس تجارة.

 كيف يكون يومك العادى فى العمل؟ 

- رُغم أننى مريضة قلب فأنا قد قمت بعملية قلب مفتوح وقمت بتغيير شريانين إلا أننى أقف على «فرشة الشغل» وحدى. أخرج من البيت فى الرابعة فجرًا وأذهب إلى سلخانة نكلا ثم أعود إلى إمبابة لكى أبيع ثم أعود للبيت مرة أخرى فى البراجيل. 

 ما أبرز التحديات التى واجهتك عندما التحقتِ بهذه المهنة كامرأة، وكيف تعاملتِ معها؟ 

- كان من التحديات التى واجهتنى هى دخولى لهذا المجتمع أولًا فرُغم أن أهلى جزارين إلا أننى لم أكن أدخل إلى السلخانة فهى مهنة صعبة وخطيرة، يمكن أن تتعرضى فيها إلى جروح عن طريق الخطأ. أو يتم ذبح عجل بشكل خاطيء فيقع على الشخص أو أن يقوم أحد العجول بضربك، أو يجرح سكين يدك، فهى مهنة شاقة وخطيرة. وهو على رأس كل التحديات. 

 هل حصلتِ على تدريب على المهنة قبل الالتحاق بها، وماذا كانت طبيعة التدريب الذى حصلتِ عليه؟

- بالطبع حصلت على تدريب على المهنة قبل البدء فى العمل بشكل فعلى بمفردى، فكنت أقف مع والدتى وكانت تُعلمنى كيف أستطيع أن أمسك السكينة بطريقة صحيحة، وكيف أشّفى اللحمة، وكيف أقُطّع الكوارع، وكيف أكسر الرأس، وتدريجيا تعلمت كل تفاصيل المهنة بدقة. 

 ما هى المهارات التى يجب على الجزار أن يتقنها جيدًا؟ 

- لابد أن يكون الجزار على علم كم كيلو من اللحوم يمكن أن ينتج عن البهيمة بينما هى على قيد الحياة، هل سيحقق له الربح أم سيخسر فى ثمنه. لابد أيضًا أن يكون على علم كيف يُشّفى اللحمة، وكيف يُقّطع اللحمة. وإذا كان هناك فرح لا بد أن يكون على علم كيف يقوم بتقطيع اللحمة التى تكفى للفرح. وأن يعرف أنواع اللحوم وأنواع القطعيات. 

فالجزارة فيها أنواع هناك جزار أورمة وهو الجزار البياع، وهناك جزار يُشّفى، وهناك جزار أورديفر أى يوضّب اللحمة، وهناك جزار بيشكار وهو الذى يذبح الذبيحة بداخل السلخانة. 

 ما أبرز اللحظات أو المواقف الصعبة التى لن تستطيعى نسيانها فى العمل؟

- من المواقف الصعبة التى لا أستطيع نسيانها، كنت صغيرة وكان معى ابنى 3 سنوات وابنتى سنة وكنت عندها فى سلخانة ناهيا، وخرج علينا جمل مذبوح نص ذبحة ومر من فوقى بينما أنا جالسة، لولا الناس حولى هم من قاموا بإبعاده عنى لكنت الآن فى خبر كان. 

 كيف تتعاملين مع الزبائن المختلفة، وهل سبق وتعرضتِ منهم لمضايقات؟ 

- مطلقًا، فزبائنى شخصيات محترمة، يقومون بالتواصل معى قبل مجيئى منهم من يحتاج 10 كيلو أو 20 وينتظروننى. وما أن أصل حتى يحصلوا على طلبهم. وأنا عامة لستُ من الشخصيات التى تفرح بالزحمة والدوشة وهم على علم بطبعى. فأنا أحب أن أتعامل بروّية وبالدور ثم أقوم بمحاسبتهم. زبائنى يشعرون أننى مختلفة عن زميلاتى فى السوق. فأنا لى أسلوب مختلف عن الآخريات لا أعتمد على أسلوب الشتيمة أو الزعيق أو الصوت العالي؛ ولكن هناك مودة بينى وبين زبائنى حتى أننى أقول لهم أنتم أصحاب الفرشة وأنا الزبونة. وأتعامل معهم بلغات مختلفة. 

 هل شعرتِ بتغير فى نظرة الناس لكِ بعد أن أصبحتِ جزارة؟ 

- على العكس فالناس فخورون بى بشكل كبير على ما أقوم به، وسعداء بدورى وخصوصًا لأنهم يرون أن مظهرى الخارجى لا يعبر عن مهنتى كجزارة، ورُغم أننى أقف فى الشارع فأنا لى محبة فى قلوب الناس. فأنا أخدم أهل منطقتى لأننى عضوة فى أحد الأحزاب السياسية وأمسك منصب أمانة العمل الجماهيرى. وأخدم الناس قدر استطاعتى. 

 مع دخول عيد الأضحى يكون هناك إقبال كبير على الجزارين، كيف تتعاملين مع تلك الفترة؟

- بالنسبة للأضحية فإن هذا العام يختلف عن كل الأعوام الماضية فلا يُمكن اعتباره موسمًا حقيقيًا، فأنا أنتهى من العمل فى الثالثة عصرًا، بينما فى الأيام العادية يمكن أن أستمر فى العمل حتى المغرب، فالناس تأتى لشراء الممبار والكرشة، وعملائى من محدودى الدخل. أما عن استعدادت العيد فأنا أفرش الفرشة وأجد زبائنى ينتظروننى للحصول على الممبار باكرًا كلُ حسب طلبه. 

 هل هناك نصائح تريدين تقديمها لأى فتاة تريد امتهان مهنة الجزارة؟ 

سأقول لها خليكى strong independent women ولتكونى صلبة وخشنة طالما أنكِ فى العمل. فطالما أننى فى الشارع أتعامل بشيء من المرونة وأعطى كل شخص حق قدره لأننى أصبحت على علم بجميع الأشخاص وأعرف كيف أتعامل مع كل شخص. 

ختامًا السيدة تقوى ليست مجرد جزارة ماهرة، بل هى رمز للإرادة القوية والقدرة على تجاوز التحديات وكسر القيود المجتمعية. وتُذكرنا قصتها بأن الفرص قد تأتى من حيث لا نتوقع. 