النسوية الإسلامية 97 (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ): مفهوم الشرف.. بين العذرية والعفة!
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
أوضحت دار الإفتاء المصرية، أن عمل زفة للاحتفال بثبوت عذرية فتاة مخالف للمسلك الأخلاقى النبوى، فى إشارة إلى أن العذرية لا ترقى إلى عدها قرينة على ثبوت عفة المرأة ولا نفيها.
أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى عن مشروعية الحكم بعمل زفة للاحتفال بعذرية فتاة وشرفها وعفتها، بعد انتهاء حفل زفافها، وما إذا كانت العذرية دليلًا على عفة المرأة وشرفها أم لا؟
ومن المقرر شرعًا أن غشاء البكارة قد يزول بسبب اندفاع دم الحيض أو الركوب على شيء حاد أو نحو ذلك، وعدمها ليس عيبًا يفسخ به الزواج، والدليل على شرف الإنسان وعفته فى أخلاقه وتقواه وسلوكه الحسن.
مع التأكيد على أن العذرية مصطلح يراد به فى الأغلب عدم ممارسة المرأة للجنس من قبل، وتثبت العذرية فى زعم العامة بالاختبار والتحقق من وجود غشاء بكارة سليم، على التوهم الشائع من أن غشاء البكارة لا يمكن أن يتمزق إلا نتيجة ممارسة الجنس.
كما أنه من المقرر فى الفقه الإسلامى أن البكارة وهى أعم من العذرية أمر اعتبارى لا حسى، وبذلك وردت الآثار عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
فتوى سابقة:
ومنذ سنوات أجاز الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق، إجراء عملية ترقيع غشاء البكارة للنساء اللاتى فقدن عذريتهن لأى سبب، قبل الإقدام على الزواج، مؤكدًا أنه أمر مباح.
وأكد أن الدين الإسلامى يدعو إلى الستر، وإذا كان إجراء الفتاة التى فقدت عذريتها لأى سبب لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدى إلى سترها، فإن الإسلام يبيح ذلك.
وأضاف: «على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية، حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكب جريمة الزنى»، وأكد الدكتور جمعة: «أن ذلك الأمر يأتى فى إطار السعى للحفاظ على وحدة الأسرة، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج، ولا يعد من قبيل الغش والخداع». وحول قيام بعض السيدات المتزوجات، بإجراء عملية ترقيع غشاء البكارة، لإعادة عذريتهن ومفاجأة أزواجهن بهدف استعادة ذكريات ليلة الزفاف، قال د.على جمعة: «إنه لا يوجد نص يحرم ذلك على الرغم من غرابة الأمر، إلا أنه مباح ما دام لا يؤثر صحيا على المرأة».
ويرى البعض أنه مادام الإنسان مسئولًا عن أعماله، سواء كان امرأة أو رجلًا، فالأقرب إلى قواعد الأخلاق هو إطلاع شريك المستقبل على الحقيقة، ثم ترك حرية الاختيار له، أما أن يسامح من يريدها شريكة لحياته، أو يبتعد فى هدوء دون أن يفضح هذه الفتاة.
جرائم الشرف:
من المفاهيم الثابتة فى العقل العربى يأتى مفهوم الشرف مرتبطًا بجسد المرأة، باعتباره دليل عفتها وشرف عائلتها، وفى ذلك تعامل مع المرأة بدونية، وليست كإنسان لها كامل الحقوق التى للرجل، بعد أن اختصر مفهوم الشرف فى جسد المرأة.
وجرائم الشرف التى تحدث فى مجتمعاتنا، بعضها نسمع به وكثير منها تجرى بصمت، منها جريمة قتل أختين بقنا بمنزلهما، قام بها والدهما بدافع الشرف، وبناء على شائعات من جيرانهما الذين ألصقوا تهمة سوء السمعة بالفتاتين لمعيشتهما بمفردهما، بعد ذلك كشفت التحقيقات أن مرتكب الجريمة هو زميل للفتاة الكبرى، تحرش بها فقامت بصفعه على وجهه بمقر عملهما، فقام بتنفيذ جريمته لرد رجولته مستعينًا بأصدقاء له، كما أكد الطب الشرعى عذرية الفتاتين.
وفى دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلى وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث فى إجمالى جرائم القتل سنويًا، وفى إحصائية للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن الجرائم الأسرية التى تندرج تحت مسمى جرائم الشرف، ويرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على الشرف وغسل العار.
وأن %70 من جرائم الشرف ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و%20 ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء %7 من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة %3 الباقية من جرائم الشرف، فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، فى وقت تراوح عدد ضحايا جرائم الشرف من 900 إلى 2000 جريمة سنويًا.
وعن الضوابط القانونية التى يندرج تحتها جرائم الشرف، لا يوجد نص قانونى عن عقوبة جرائم القتل بدافع الشرف، وأن الجرائم الوحيدة التى ترتبط به، هى التى تصنف ضمن جرائم الاعتداء على الأشخاص، وتقع مساسًا بالأعراض والأخلاق بشكل أو بآخر، وتكون دوافعها متعلقة بشرف الإنسان، أى باحترام الناس له، فالشرف يكون مجرد دافع فقط لا تدخل ضمن أركان الجرائم التى يعتد بها قانون العقوبات.
كما أن جريمة القتل بسبب الشرف، يختلف الحكم على فاعلها إن كان رجلًا، عنه إن كان امرأة، بينما نجد أن الرجل والمرأة متساويان فى الحقوق والواجبات والعقوبات فى القرآن الكريم.
مفهوم الشرف:
قبل الإسلام كان وضع المرأة العربية الحرة فى المجتمع على مستوى كبير من العلو والرفعة، رغم ما كان يحكمها من عادات كعادة وأد البنات، فالنفور من ولادة الأنثى فى المجتمع العربى الذكورى كان موجودًا: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) النحل 58.
ووأد البنات كان موجودًا: (وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ. بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) التكوير 8-9، لكن وأد البنات لا يمكن أن يكون عامًا، وإلا لما وجدنا فى المجتمعات الجاهلية سوى الذكور.
لقد تم تغليب الروح الذكورية وليس الإنسانية فى التعامل مع المرأة، حتى تحولت العادات التى تقوم عليها حياة العرب الاجتماعية والأخلاقية إلى ثوابت، لها مصطلحات مثل الشرف والعِرض بكسر حرف العين، وهى مصطلحات لا نجدها فى القرآن، لأنها مفاهيم محلية.
فالرجل عند العرب له عِرض، أما المرأة فليس لها عرض، وشرف الرجل العربى محصور بالمرأة أمًا وأختًا وزوجةً وبنتًا، إن ارتكبت إحداهن فاحشة فقد طعنت بشرف أبيها أو أخيها أو زوجها، وكأنها لا شرف لها، وإذا ارتكب الرجل الفاحشة فلا يطعن بشرف أخته أو زوجته.
وينسى الرجل أن الزانى لا ينكح إلا زانية، والزانية لا ينكحها إلا زانى، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلً) الإسراء 32، فى الآية تحذير من الوقوع فى الزنا بعدم الاقتراب منه.
وفى المرة الأولى التى يمارس فيها الذكر العلاقة الجنسية يفقد هو الآخر عذريته أمام الله أن كانت علاقة غير مشروعة والحساب سواء عند الله تعالى للمرأة أو للرجل.
ويختلف مفهوم الشرف باختلاف المجتمعات، فالرجل فى اليابان يرى شرفه فى العمل وإتقانه، والرجل فى ألمانيا يرى شرفه فى صدق القول، والرجل فى فرنسا يرى شرفه فى الوفاء بالوعود، والرجل فى بلجيكا يرى شرفه فى الالتزام بالقوانين التى يشرعها البرلمان.
وفى مجتمعاتنا من لا يتقن عمله لا يفقد شرفه، مع أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، كما أن الغش فى المواصفات لا يجلب العار، ولا تعتبر هذه الصفات من عدم إتقان المهنة والغش سببًا لدونية الإنسان فى المجتمع.
وباسم الشرف يقتل الرجل ابنته أو أخته لغسل العار، وتبقى المرأة هى التى تدفع حياتها ثمنًا للشرف، والرجل الذى يعانى من القهر لا يجد مجالًا ينفس فيه عن غضبه إلا فى المرأة الخاضعة له.
ولأن الرجل الذى يعانى من القهر لا يستطيع أن يكون شريفًا يتحلى بالقيم الأخلاقية من الشجاعة والشهامة والصدق، فقد وجد مجالًا يرهن فيه شرفه بين أجساد النساء التابعات له، فإذا فرطت إحداهن فى شرفه أسرع يقتلها ليقنع نفسه والآخرين بأن له شرفًا.
الظن حسن وسييء:
الظن هو اعتقاد لا يصل لدرجة اليقين أو التأكيد: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) الجاثية 32.
ويوجد ظن حسن، ويوجد ظن سييء، والظن الحسن منه الإيمان باليوم الآخر: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة 46، المؤمنون الذين يؤمنون أنهم راجعون لربهم، ولذلك حذرنا تعالى من الظن السييء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات 12.
وليس فى الإسلام ما يعرف بالقتل دفاعًا عن الشرف: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الأنعام 151، والمبرر الوحيد للقتل فى الإسلام هو القصاص كعقوبة، كما أن عقوبة الزنا هى الجلد 100 جلدة وليس القتل: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) النور 2.
المرأة لها كيان مستقل، وهى مسئولة عن أعمالها، والله تعالى ساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، ويوم الحساب ستتم محاسبة كل نفس لرجل أو لإمرأة بشكل فردى ثوابًا أو عقابًا.