فى ذكرى أحمد رامى.. الفرق بين الشاعر وكاتب الأغانى
محمد شميس
يوم الأربعاء 5 يونيو، كانت ذكرى وفاة الشاعر الكبير «أحمد رامى»، والحقيقة أن هذه مناسبة مهمة للغاية لنتحدث عن هذا المبدع الكبير، وأيضًا لنؤكد على الاختلاف الكبير، بل والجوهرى بين مهنة الشاعر، ومهنة كاتب الأغانى فى عصرنا الحالى.
تأتى أهمية «أحمد رامى» بسبب تنوع أعماله، فهو يكتب الشعر وله دواوين شهيرة مثل «ديوان رامى بأجزائه الأربعة – أغانى رامى – غرام الشعراء» وكذلك رباعيات الخيام الشهيرة والتى ترجمت إلى الإنجليزية من خلال الكاتب البريطانى «إدوارد فيتسجيرالد»، وترجمت كذلك للعربية من أكثر من كاتب أمثال «وديع البستانى» الذى يعد من الرواد من ترجموا الرباعية معتمدًا على الترجمة الإنجليزية لـ«فيتسجيرالد»، وأيضًا «أحمد زكى أبو شادى، إبراهيم المازنى، على محمود طه، غنيمى هلال»، ولكن تظل أهم نسخة من كل الترجمات للرباعيات هى نسخة «أحمد رامى»، وذلك لأنه درس الفارسية «اللغة الأم التى كتبت بها الرباعية» فى جامعة السوربون الفرنسية العريقة، ويرجع سر دراسة «رامى» للفارسية وعدم الاعتماد على الإنجليزية فى الترجمة، لشعوره بأن الترجمة من لغةٍ إلى لغة قد تؤدى إلى فقدان بعض من الإحساس والمعانى، ولهذا قرر أن يدرس الفارسية، ليحس بروح «الخيام» فى رباعياته، فنحن أمام فنان كبير قرر أن يعايش النص الأصلى ويشعر به ويعبر عنه ويضيف إليه، وما زاد من شهرة هذه الرباعيات قطعًا هو تحويل بعض أبياتها فى أغنية بصوت الأسطورة «أم كلثوم» وبألحان بديعة لـ«رياض السنباطى» على مقام «الراست» المنتشر بل والمتجذر فى الثقافة الفارسية، حتى يكتمل الكمال الفنى.
ولأننى محكوم بعدد كلمات لا يجوز أن أتخطاه فى هذا المقال، والحديث عن «رامى» يستحق العديد من المقالات، فمن المهم أن نؤكد على أن هناك فرقًا جوهريًا بين مهنة كاتب الأغانى فى الماضى، ومهنة كاتب الأغانى حاليًا، وقطعًا هذه المقارنة تصب فى صالح جيل «رامى».
فعندما نستمع إلى أى لقاء فى أى برنامج حوارى مع صناع الأغنية الحديثة، فدائمًا ما يتم وصف كاتب الكلمات بالشاعر، وهذا لا يجوز من وجهة نظرى، لأن لا أحد منهم يمارس الشعر بمفهومه الحقيقى، فليس لهم دواوين فى السوق، ولا نستطيع أن نتذوق معانى كلمات أغانيهم بمفردها، أو بمعزل عن التركيبة الغنائية التى تعتمد على الألحان والتوزيعات ويكون فى الغالب صوت المغنى هو العنصر البطل فى العمل، ولذلك إذا قمنا بقراءة نصوص أغلب أغانينا الحالية دون باقى العوامل المساعدة من ألحان وتوزيعات وصوت مؤدى العمل، سنشعر برداءة المحتوى المكتوب وفقدانه للكثير من مواطن جماله التى تظهر خلال الحالة الغنائية.
أما الشعر فعظمته تكمن فى أنه تذوق للكلمات بدون أى عوامل مساعدة، حيث يعتمد بشكل أساسى على جماليات اللغة، وبراعة الأسلوب، والنظم، ويحكم بالمبادئ الأساسية للكتابة الشاعرية، وهذا لا يكون متوافرًا فى كلمات الأغانى.
لقب «الشاعر» اقترن بمهنة كاتب الأغانى، بسبب أن جيل الرواد كان يمارس مهنة الشعر بجانب ممارسته لمهنة كتابة الأغانى، فكان «رامى» على سبيل المثال شاعرًا فى الأصل، سواء كتب أغانى أم لم يكتب، هو من أضاف لصناعة الأغانى بقوة كلماته، وليس العكس.
أما الجيل الحالى فهم يمارسون صناعة الأغانى فقط، وهذا أمر عظيم، لا نقلل منه، ولكنه فى الوقت ذاته ليس بشعر، ولا يلتزم بقواعده، ولذلك توصيف كاتب الأغانى على أنه شاعر، به خلط شديد، لأن الكتابة بحر واسع وبها تخصصات كثيرة، فهناك من يكتب السيناريو، وهناك من يكتب الرواية، وهناك من يكتب الشعر، وكذلك من يكتب الأغانى، ولا يجوز أن نخلط بين كل مهنة وأخرى.>