النسوية الإسلامية 96 (أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا): زواج المتعة.. بين الشرع وتحديد المدة!

محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
أثار زواج المتعة جدلًا وتعددت فيه الآراء والروايات المتعارضة بين أهل السنة والشيعة، ويرى أهل السنة أن زوا ج المتعة هو حرام حرمه الرسول، بينما يرى الشيعة أنه حلال وأن الذى نهى عنه هو عمر بن الخطاب.
زواج المتعة هو زواج محدد بمدة، فيتزوج الرجل والمرأة لمدة معينة يتفقان عليها، وليس فيه إلزام بنفقة ولا سكن، ولا يوجد ميراث بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة الزواج.
زواج المتعة:
وقد بدأ الإمام مالك فى الموطأ برواية أن النبى نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وجاء فى الموطأ أن عمر فى خلافته غضب عندما سمع أن أحد الصحابة قد تزوج متعة بإحدى النساء، وأن النبى نهى عنها، وهذا رأى أبى حنيفة.
أما الإمام الشافعى فقد اعتبر كل زواج مؤقت فاسدًا منهيًا عنه، إلا أن هذا الزواج الفاسد لا يجعل الرجل والمرأة فى حالة إحصان، وإن أصابها بالوطأ فلها المهر، ورأى الشافعى أن الرجل إذا أراد أن يكون الزواج مؤقتًا دون أن يصرح به فإن ذلك لا يفسد الزواج، ثم روى الشافعى حديثين فى تحريم زواج المتعة.
وبعدها انتشرت الروايات بين التحريم والتحليل، مما يعكس الاختلاف بين الروايات، وأحاديث تفيد أن النبى عليه الصلاة والسلام أباح ذلك الزواج مرتين ونهى عنه مرتين.
وأن تحليل وتحريم زواج المتعة تكرر سبع مرات، من خلال الأحاديث التى رويت منذ القرن الثالث الهجرى فى غزوة خيبر فى شهر المحرم سنة 7هــ وفى عمرة القضاء فى ذى الحجة سنة سبع، وفى يوم الفتح فى رمضان سنة ثمان من الهجرة، وفى غزوة حنين فى شوال سنة ثمان، وفى غزوة أوطاس بعد غزوة حنين فى نفس الشهر والسنة، وفى تبوك فى رجب سنة تسع، وفى حجة الوداع فى ذى الحجة سنة عشر وكل ذلك خلال ثلاث سنوات فقط كانت فيها «متعة النساء» تتعرض للتحريم والإباحة، بل إنها طبقًا لتلك الأحاديث كانت تحل وتحرم خلال شهر واحد فقط، إذ أنه بين غزوة حنين وفتح مكة حوالى شهر، وبين غزوة أوطاس وعزوة حنين عدة أيام. وهذا اللا معقول تكفلت الاختلافات الفقهية بوضعه خلال اختراع الأحاديث، الأمر الذى يظهر منه عمق الخلاف الفقهى فى موضوع زواج المتعة.
الزواج والمهر:
المدافعون عن زواج المتعة يعتمدون على قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا) النساء 24، لوجود كلمتى (اسْتَمْتَعْتُمْ)، و(أُجُورَهُنَّ)، باعتبار أن ذلك هو أساس زواج المتعة.
مع أن الآية تتكلم عن الزواج إجمالًا، بدليل قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) أى بعد المحرمات من النساء يمكن الزواج بمن شئنا زواجًا صحيحًا، بشرط دفع مهر.
والمهر فى القرآن حق للمرأة: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) النساء 20.
والأجر هو عطاء مقابل الاتفاق على الزواج وبتعبيرنا هو المهر وقد فرضه تعالى للمرأة: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) النساء 24، أما الصداق فهو هدية للمرأة وبتعبيرنا هو الشبكة: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النساء 4، و(نِحْلَةً) تعنى عطاء بدون مقابل.
الزواج فى الإسلام:
يقوم على العفة والتراضى، أما العفة فلا زواج بالزانى والزانية، ولأن هدف الزواج هو العفة فالتيسير واجب فى الزواج حتى لا يوجد مبرر للوقوع فى الزنا.
وفى الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب يأتى الحديث عن المحصنات المؤمنات، وهو اشتراط العفة والإيمان، ليكون حلالًا الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب، وأن يأكل بعضهم طعام بعض: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ) المائدة 5.
وعن العقود قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة1، وعقد الزواج من العقود ومن شروطه الإيجاب والقبول، أى أن الزوجين يمتلكان الوعى والإدراك ببلوغهما سن الرشد للموافقة على الزواج والإقرار بمضمون العقد، ولذلك يجب أخذ موافقة المرأة فى عقد الزواج.
والزواج الشرعى يكون بدون تحديد مدة للزواج، اما زواج المتعة فهو محدد بمدة، والأصل فى الزواج هو التراضى والاتفاق، فالمهر حق للزوجة يقول تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء 4، ويجوز بالتراضى والاتفاق أن تتنازل الزوجة عن بعض الصداق، ويجوز أن يتراضى الطرفان على زيادة فوق المهر: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء 24.
الزواج والتراضى:
أما التراضى فلا يجب إرغام امرأة على الزواج حتى لا يكون الزواج باطلًا، ولا إرغام زوجة على الحياة مع زوج تريد فراقه، فإذا كان من حق الزوج الطلاق، فمن حق الزوجة الخلع بأن تفتدى نفسها منه بدفع بعض ما قدمه لها من مهر: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة 229.
وإذا تراضى رجل وامرأة على الزواج وأراد ولى الزوجة منع ذلك الزواج أو أراد (عضل المرأة) فإن القرآن الكريم يمنع ذلك العضل طالما تراضى الرجل والمرأة على الزواج بالمعروف: (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة 232، أى أن التراضى فى عقد الزواج بين الطرفين يسرى فوق إرادة ولى امر الزوجة.
وفى القرآن يأمر تعالى بالوفاء بالعقود: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة 1، وتأسيسًا على هذه القاعدة التشريعية فإن العقد ملزم للمتعاقدين، ولذلك فإذا تراضى الطرفان على شرط فى عقد الزواج أصبح ذلك الشرط ملزما للزوجين، لأن ذلك فى إطار الزواج الشرعى وليس إخلالًا بالشروط والأركان الأساسية فى الزواج مثل المهر ورضى الزوجين، والعلانية والشهود وكون الزوجة ليست من المحرمات.
ولأنه زواج صحيح يتبعه كل تشريعات الزواج وما يلحق به من نفقه وقوامة ومعاشرة زوجية وإلحاق النسب، وإذا مات وهى فى عصمته ترثه، والعكس صحيح، وقوله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) جاء عاما فيما يقع عليه التراضى، ومن ذلك التراضى على جزء زائد فوق المهر او على المؤخر أو كان على شىء آخر.
لكى يكون الزواج شرعيًا، فقبل عقد الزواج لا بد من أن تكون العروس من غير المحرمات، وان تكون قد انتهت عدتها إذا كانت مطلقة أو أرملة، وان تكون عفيفة غير متهمة بالزنا لأنه يحرم زواج المتهمة بالزنا والتى لم تتب عنه.
وإذا كانت المرأة صالحة للزواج فيتم دفع مهرها لأنه فريضة وحق لها، فإذا انتهى الزواج بالطلاق فإن لها حقوق، منها أن تظل فى بيته ينفق عليها طيلة مدة العدة للتأكد إن كانت حاملًا، والعدة ثلاث حيضات للتى تحيض وثلاثة أشهر للتى لا تحيض واليائسة من المحيض، وإذا تأكد أنها حامل امتدت عدتها إلى أن تضع الحمل، وإذا انجبت طفلًا كان على والده نفقته ونفقتها بما فى ذلك الطعام والسكن، وبعد انتهاء العدة تصبح المرأة صالحة للزواج مرة أخرى.
وللمطلقة حق المتعة، وهو مبلغ من المال يحدد حسب العرف: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة 241، وحقها فى المتعة لا ينفى حقها فى مؤخر الصداق، وتلك الحقوق التى للزوجة والمطلقة قد حصنها القرآن الكريم بالتحذيرات والتنبيهات حتى لا تتعرض للانتهاك، لأن ذلك هو الزواج الشرعى وحقوق المرأة فيه.