فى أحدث ألبومات «إليسا»: (أنا سكتين).. توقعات كبيرة.. وإحباطات أكبر!

محمد شميس
بعد غياب لسنوات طويلة عن إصدار الألبومات الغنائية، ومشاكل إنتاجية كبيرة، خاضتها الفنانة اللبنانية «إليسا»، أخيرًا أصدرت ألبومها الغنائى من إنتاجها (أنا سكتين).
غياب «إليسا» عن إصدار الألبومات الغنائية لمدة طويلة وصلت إلى الأربع سنوات، بالإضافة إلى إطلاقها عملاً وثائقيا على منصة «نتفليكس» بعنوان (It's OK)، والذى تضمن كواليس صناعة أول أعمالها الغنائية المستقلة عن شركات الإنتاج جعل هناك حالة كبيرة من التوقعات الإيجابية المرتفعة على الألبوم الجديد، كما أن تألق «إليسا» وتقديمها لواحد من أهم وأشهر إعلانات موسم رمضان الأخير 2024، بأغنية (دايما على بالى)، زاد من رفع سقف التوقعات لدى الجمهور، وهنا كانت المشكلة الكبرى!
على المستوى الجماهيرى، فالألبوم لم يصدر على موقع «يوتيوب»، وهذه فلسفة يتبعها أكثر من مغنٍ، خاصة إذا كان ينتج لنفسه، كما يفعل «عمرو دياب» بعد تركه لشركة «روتانا» وإنتاجه لألبوماته الغنائية بنفسه، فأصحبت أغانيه تصدر بشكل حصرى على أهم منصات الاستماع، وإذا قمنا بالدخول إلى نفس المنصة ونظرنا إلى نسب استماع الألبوم سنجد أن هناك خمس أغنيات فقط من أصل 12 أغنية استطاعت تخطى حاجز المليون استماع، وأغلب هذه الأغانى التى تخطت «المليون»، كانت صادرة قبل نزول الألبوم أساسا مثل (بتمايل على البيت، العقد، كلو وهم)، وأنا أقول هذا، أثناء كتابة المقال بعد شهر من صدور هذا الألبوم!
وعلى مستوى التنافس مع المغنين الآخرين، فتواجدت «إليسا» فقط بأغنيتين فى قائمة أهم 20 أغنية على نفس المنصة، وهذه حقائق رقمية ضعيفة لا تتناسب مع حجم شعبية النجمة اللبنانية الكبيرة ولا تتناسب أيضًا مع حجم الاشتياق الجماهيرى إليها خاصة بعد كل هذه السنوات من الغياب.
وهذا يرجع إلى عدة أسباب، أول هذه الأسباب، أن على المستوى الموسيقى، فـ«إليسا» لا تجدد فى القوالب الموسيقية التى تعتمد عليها فى توزيعات أغنياتها، وهنا لا أقصد أن تقوم بثورة موسيقية، أو تنخلع عن هويتها الفنية، أو تبتكر أشياءً جديدة لأننا لن نخترع موسيقى من جديد، ولكن هناك أمورًا واضحة فى طريقة تقديم نفس الأشكال الموسيقية بنفس الأساليب لدرجة أننا لو افترضنا أننا دخلنا فى آلة الزمن ورجعنا لعشر سنوات وأخذنا معنا هذا الألبوم، فلن نجده مختلفًا عما كان يقدم وقتها!
وهنا تأتى الأزمة الحقيقية، أن «إليسا» أصبحت فنانة متوقعة ونمطية ولا تثير الدهشة عند السماع فى المرة الأولى، دائمًا ما أشعر أن نفس التوزيعات ونفس طريقة الغناء كنت قد استمعت إليها قبل ذلك.
ولكى يكون حديثنا أكثر وضوحًا، وبما أننا فى فصل الصيف، فالأغانى الإيقاعية هى التى تتناسب مع الأجواء الصيفية فى الرحلات والمصايف والتجمعات والملاهى الليلية وأماكن السهر، سنجد أن «إليسا» اعتمدت على أشكال الـ«House»، والموسيقى الإلكترونية، فى (بتمايل على البيت، والنظرة الأولى، العقد)، وهذا عدد قليل جدا فى ألبوم «صيفى»، علمًا بأن هناك منها أغنيتين صدرتا قبل نزول الألبوم، كما أن كلمات هذه الأغانى تحمل موضوعات نوعًا ما «ثقيلة»، وتدعو للتأمل ولو بسيط فى الكلمات، للتفكير فى كلمات الأغنية، ولذلك من الصعب أن نجد واحدة منهم تعمل فى أى تجمع كبير، وهذا يقلل من نسب انتشار الأغانى، فضلًا عن أن الموزعين فى هذه الأغانى لم يفاجئونا بشكل جديد! كما قلت لو كان صدر هذا الألبوم منذ عشر سنوات فلم نكن نشعر بأى تغيير.
أيضًا من ضمن الأمور المحيرة فى هذا الألبوم هو الحضور الطاغى لـ«مروان خورى» على «إليسا» فى ثلاث أغانٍ وهى: (كلو وهم، شو كان بيمنعك، حظى ضحكلى)، وهنا لا أقصد العدد، ولكن أقصد طغيان شخصيته وهويته الفنية على هوية المغنى نفسه، فهذه الأغانى بمجرد سماعها نعرف أن «مروان خورى» هو صانعها، بدون أن نبحث عن اسمه ونتأكد من صحة ما شعرنا به، وفى رأيى هذا عيب خطير، فمن المفترض أن الفنان الكبير عندما يمر به العمر، فيشكل هوية فنية خاصة به تميزه، وعندما يختار أغانيه يختار وفق هذا المنطق، حتى لا يتشابه ما يقدمه مع آخرين، وكذلك لا يطغى الصانع على هويته، حتى لو كان الصانع عبقريًا وصاحب موهبة عظيمة، فيكون توظيف هذا الإبداع داخل الإطار الذى وضعه المغنى لنفسه، وهذا لم يحدث، فالثلاث أغانٍ هذه رغم أنها بصوت «إليسا»، ولكن كل ما كان يدور فى بالى أثناء سماعها، أن «مروان خورى» هو من يغنى بمشاعره وأحاسيسه، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن هذا يحدث فى كل أغانى «إليسا» التى تجمعها به فى مختلف ألبوماتها، وبالمثل أيضا مع «محمد رحيم» فى أغنية (خوليو وفيروز) والتى تعتبر من أقوى أغانى الألبوم فنيًا، حيث كانت شخصية الصانع طاغية بشكل كبير على شخصية المغنى، عكس مثلاً «عزيز الشافعى» الذى صنع لها (بتمايل على البيت) فهى لا تشبه الأغانى التى يقدمها «عزيز الشافعى» لنفسه، ولا تشبه الأغانى التى يقدمها عزيز لفنانين آخرين، فكانت مناسبة لـ«إليسا»، وتعطينا ملمحًا جديدًا للفنانة اللبنانية وفق الهوية التى صنعتها «إليسا» لنفسها، كونها مغنية معنية بالتعبير عن الأحوال العاطفية للمرأة المتمردة، والتى حتى لو كانت تعانى من الانكسار بفقدان حبيبها فهى تتمرد على هذا الوضع بالرقص على الإيقاع ،كما تقول الأغنية ولا تسمح لضعفها أن يظهر للجميع.
وحتى لا نطيل الحديث عن الأمور التى تبدو سلبية من وجهة نظرى، فهناك ملامح إيجابية أيضا تخص الموضوعات التى تطرحها «إليسا» فى أغانيها، وإصرارها على التعبير عن مشاعر المرأة وتناقضاتها فى مختلف الحالات العاطفية فى أغانيها، سواء كانت فى هذا الألبوم، أو الألبومات السابقة، واختيار (أنا سكتين) كاسم لهذا الألبوم فهو من الأمور الإيجابية، لأنه يتماشى تمامًا مع نوعية الموضوعات المقدمة فى الأغانى والتى تعبر فيها «إليسا» عن الكثير من الموضوعات العاطفية، فهناك سكة أولى لمرأة تعانى من انكسارتها العاطفية، وسكة أخرى لمرأة تستطيع التمرد على أزماتها وتتمكن من تخطيها.>