إسـرائيــــل تلعــــب بالنـــــار رفـــح المعادلة الصعبة والفخ المميت
داليا طه
بعد أن عززت إسرائيل سيطرتها العملياتية على مساحات واسعة من غزة، بما فى ذلك الهجمات التى دمرت واستولت على مدن رئيسية مثل خان يونس ومدينة غزة، أصبحت رفح فى الأشهر الأخيرة محور الحرب.
وتقول إسرائيل إن أربع كتائب تابعة لحماس تعمل من المدينة الجنوبية، ورفح هى أيضًا واحدة من الأماكن الوحيدة فى غزة التى لم تدمرها القوات الإسرائيلية نسبيًا، وهى موقع معبرين حدوديين – وهما طريقان حيويان للمساعدات الإنسانية التى يحتاجها الناس فى غزة بشدة، وفق موقع «فوكس».
وكان من المفترض أن تكون رفح منطقة آمنة لنحو 1.7 مليون شخص يعيشون هناك الآن، ولكن الحكومة الإسرائيلية تزعم أن الهجوم على رفح هدفه القضاء على حماس، ولا سيما قياداتها المتحصنة هناك، وفقها، وإعادة الرهائن، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
الهدف الآخر المعلن لإسرائيل هو إغلاق أنفاق تهريب الأسلحة والأشخاص بين غزة ومصر، وإنهاء نفوذ الجماعة المدعومة من إيران فى غزة، والضغط على حماس للموافقة على صفقة من شأنها إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
ورفح التى تعرضت لهجوم إسرائيلى، كانت منذ أسابيع محل اهتمام وسائل الإعلام العالمية، إثر تهديد الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هجوم واسع فيها «لملاحقة مقاتلى حماس»، رغم معارضة المجتمع الدولى لذلك، وعلى رأسه الولايات المتحدة.. وتختزل رفح، مآسى الفلسطينيين فى القطاع المحاصر الذى يشهد منذ أكثر من نصف عام، حربًا مدمرة أودت بحياة عشرات الآلاف حتى الآن.. وقد حذرت القاهرة مرارًا وتكرارًا من تداعيات وخطورة اجتياح رفح حيث كان يتكدّس 1.4 مليون شخص معظمهم من النازحين الذين أمرت إسرائيل نحو مليون منهم بالنزوح على الرغم من التحذيرات الدولية.
وكان المتحدث العسكرى المصرى أعلن مقتل أحد العناصر المكلفة بالتأمين بعد حادث إطلاق نار فى منطقة الشريط الحدودى فى رفح، لافتًا إلى أن التحقيق جارٍ فى الحادث، وأوضح مصدر أمنى مصرى أن اشتباكات اندلعت بين القوات الإسرائيلية وفصائل فلسطينية فى محور «فيلادلفيا» (صلاح الدين) وتوسعت فى عدة اتجاهات، لتطال الجانب المصرى، ما دفع الجندى إلى الرد على مصدر النار.
حصار سياسى
نجحت المجموعة العربية وعلى رأسها مصر حتى الآن فى فرض حصار سياسى ودبلوماسى على المستوى الدولى ضد إسرائيل، التى أصبحت تحاكم الآن بتهم جرائم حرب وتهم الإبادة الجماعية ومخالفة اتفاقية جنيف، أمام أكبر محكمتين على مستوى العالم، وهما محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.. كما أنه يوجد توافق عربى أوروبى على أهمية الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، وأهمية هذه الخطوة للبدء فى مسار حل الدولتين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية والمبادرات الأخرى ذات الصلة، لتحقيق السلام العادل والشامل فى الشرق الأوسط.. وهناك إجماع إقليمى وأوروبى ودولى على رفض العمليات العسكرية الإسرائيلية فى مدينة رفح الـفـلسـطـيــنــيـــة، ورفض استمرار الوضع الإنسانى الكارثى نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 % من سكان غزة.
وطالبت الأمم المتحدة، إسرائيل بفتح تحقيق كامل وشفاف فى الغارة التى شنها الجيش الإسرائيلى على مخيم للنازحين فى مدينة رفح جنوبى قطاع غزة.
وقال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور وينسلاند: «أدعو إسرائيل إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف فى هذا الحادثة، ومحاسبة المسئولين عن أى مخالفات، واتخاذ خطوات فورية لحماية المدنيين بشكل أفضل».
استنكار دولى
وأثار الهجوم الإسرائيلى على مخيم للاجئين فى رفح جنوب قطاع غزة، استنكارًا دوليًا، رسميًا وجماهيريًا، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صور ما بعد الهجوم المروع الذى راح ضحيته أكثر من 70 شخصًا.
وذكر مسئولون، أن الغارة الجوية الإسرائيلية تسببت فى اندلاع حريق هائل، وهو ما أودى بحياة مدنيين كانوا فى المخيم هربًا من مسارح القتال، ما أثار غضب زعماء فى العالم الذين حثوا على تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم الإسرائيلى على المدينة.
وقال ناجون إن الأسر كانت تستعد للنوم عندما وقعت الغارة على حى تل السلطان الذى نزح إليه الآلاف بعدما شنت القوات الإسرائيلية هجومًا بريًا فى شرق رفح قبل أكثر من أسبوعين.. وهذه ليست المرة الأولى التى تهاجم فيها إسرائيل منطقة أمرت الفلسطينيين بالفرار إليها، وفق مجلة «بوليتيكو».
وأظهرت لقطات مصورة حريقًا مشتعلًا فى الظلام والناس يصرخون فى ذعر، وظهر فى اللقطات شبان يحاولون سحب صفائح من الحديد المموج وعربة إطفاء واحدة تبدأ فى إخماد النيران بالمكان.
ونفذت إسرائيل هجومها على رفح رغم قرار محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بوقف الهجمات، مؤكدة أيضًا على ضرورة إفراج حماس «الفورى وغير المشروط» عن الرهائن الذين تحتجزهم منذ السابع من أكتوبر الماضى.
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تواصلت مع حكومة إسرائيل للتعبير عن قلقها العميق إزاء هجوم فى رفح بمجرد اطلاعها على تقارير بالواقعة، مضيفة أن واشنطن ستراقب عن كثب نتائج التحقيق الإسرائيلى.
وذكر ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن واشنطن ستواصل التأكيد على إسرائيل بضرورة امتثالها الكامل بالقانون الدولى الإنسانى والحد من تأثير عملياتها على المدنيين وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية.. وهدد بايدن فى وقت سابق من هذا الشهر بتعليق تسليم بعض الأسلحة الهجومية الأمريكية الصنع إذا دخلت إسرائيل المراكز السكانية فى رفح
«على المحك»
الأكثر إلحاحًا الآن هو أن تتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث يواجه السكان جوعًا شديدًا ونقصًا حادًا فى الرعاية الصحية.. ورغم إدخال بعض المساعدات عبر طرق بديلة منها رصيف بحرى أنشأته الولايات المتحدة، فإن معظم المساعدات الدولية تصل إلى سيناء ويتم توجيهها عبر رفح.
واتفق الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره الأمريكى جو بايدن أواخر الأسبوع الماضى على استئناف المساعدات عبر معبر كرم أبوسالم الإسرائيلى القريب.
واستؤنفت عمليات التسليم من خلال هذا الطريق، لكن من غير الواضح إلى أى مدى يمكن توسيع نطاقها.
وتشارك مصر فى المفاوضات بين إسرائيل وحماس بهدف الاتفاق على هدنة مرحلية وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين فى غزة والسجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل.
وتعثرت المحادثات مع دخول إسرائيل إلى رفح، لكن ثار حديثًا خلال الأيام القليلة الماضية عن محاولات لإحيائها.
وقال مصدر مصرى رفيع المستوى إن القاهرة أكدت موقفها بعدم التعامل فى معبر رفح إلا مع الأطراف الفلسطينية والدولية، مشدداً على أن مصر لن تعتمد التنسيق مع الجانب الإسرائيلى فى المعبر.
وأضاف المصدر إن «الوفد الأمنى يكثف جهوده لتفعيل اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة».. وتابع: «أبلغنا كافة الأطراف المعنية بأن إصرار إسرائيل على ارتكاب المذابح والتصعيد فى رفح يضعف مسارات التفاوض، ما قد يؤدى لعواقب وخيمة».
تنديد دولى شديد
على المستوى الدولى، أثارت هذه الغارة تنديدات من قبل الاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى وفرنسا، فضلاً عن الولايات المتحدة ومصر وقطر الدول الوسيطة فى جهود التوصل لوقف لإطلاق النار فى الحرب الدائرة منذ نحو ثمانية أشهر.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الضربة الإسرائيلية، وقال إن الهجوم «قتل عشرات المدنيين الأبرياء الذين كانوا يبحثون فقط عن مأوى يحميهم من هذا النزاع المميت».. وأضاف غوتيريش فى منشور على منصة إكس «لا يوجد مكان آمن فى غزة. يجب وضع حد لهذه الفظائع».. كما دعت واشنطن حليفتها إسرائيل إلى «اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين».
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومى إن «الصور الكارثية.. تفطر القلب» بعد الغارة التى «أسفرت عن مقتل عشرات الأبرياء الفلسطينيين».
من جانبها، أدانت السعودية الهجوم الإسرائيلى وقالت قطر إن قصف رفح قد يعوق جهود التوسط لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء، بينما ندّدت الكويت بـ«جرائم الحرب الصارخة».
كما أدان الأردن بشدة استمرار إسرائيل بارتكاب «جرائم الحرب البشعة» فى غزة، معتبراً أنّ الغارة الإسرائيلية «تحدٍّ صارخ لقرارات محكمة العدل الدولية وانتهاك جسيم للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى».
على المستوى ذاته، دانت مصر «قصف القوات الاسرائيلية المتعمّد لخيام النازحين»، مطالبة إسرائيل «بتنفيذ التدابير الصادرة عن محكمة العدل الدولية».
وقالت وزيرة خارجية كندا، ميلانى جولى، إن بلادها «تشعر بالفزع» إزاء ضربات أودت بحياة مدنيين فلسطينيين فى رفح.. وأضافت أن كندا لا تؤيد عملية عسكرية إسرائيلية فى رفح، كما طالبت بوقف فورى لإطلاق النار. ودان مسئولون فى الاتحاد الأوروبى الهجوم الإسرائيلى على خيام اللاجئين فى رفح والذى ضم العديد من الأطفال.
وقال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إنه «غاضب» من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وقال على منصة إكس «هذه العمليات يجب أن تتوقف. لا توجد مناطق آمنة فى رفح للمدنيين الفلسطينيين».
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ومسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل إن احترام حكم المحكمة واجب.
وقالت بيربوك: «القانون الإنسانى الدولى ينطبق على الجميع، وكذلك على سلوك إسرائيل فى الحرب».
وقال وزير الخارجية الأيرلندى ميشال مارتن إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى أجروا للمرة الأولى مناقشات «مهمة» حول فرض عقوبات على إسرائيل إذا لم تلتزم بالقانون الإنسانى الدولى.
كذلك الأمر بالنسبة لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى فقى، الذى قال إن «إسرائيل تواصل انتهاك القانون الدولى مع الإفلات التام من العقاب وفى تحدّ لحكم محكمة العدل الدولية».