الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«إسرائيل» و«أمريكا» تتهربان من اتخاذ القرارات المطلوبة بوضع مصر فى دائرة الاتهام CNN تجامــل «نتنياهو» بتقرير مثير للسخرية

على الرغم من استمرار الجهود المصرية لحل الأزمة فى قطاع غزة ورفح والتوصل إلى اتفاق يحقق الاستقرار للمنطقة، فإن الاتهامات التى يقف وراءها الإعلام الموالى لإسرائيل ما زالت مستمرة فى اتهام مصر بتغيير شروط اقتراح وقف إطلاق النار فى غزة الذى وقعت عليه إسرائيل، مما أدى فى النهاية إلى إحباط الصفقة.



 

وأحدث هذه الاتهامات تقرير نشرته شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية، نقلت فيه عن مصادر أن «التغييرات التى أجرتها مصر، التى لم يتم الكشف عن تفاصيلها من قبل، أدت إلى موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين المسئولين الأمريكيين والقطريين والإسرائيليين، وأوصلت محادثات وقف إطلاق النار إلى طريق مسدود».

من المؤكد أن تقرير CNN سيستخدمه نتنياهو وتياره فى الداخل الإسرائيلى، للتنصل من مسئوليته عن إفشال الجولة الأخيرة من مفاوضات الهدنة، فهو فى السابق قد حمل حماس المسئولية، وحاليا فى ضوء التوتر مع مصر سيظهر أن مصر حاولت خداع باقى الوسطاء وأنها من غيرت فى المقترح الذى كان مقدما والذى وافقت عليه إسرائيل.

هناك بالطبع تعمد فى التقرير لتحميل مصر وجهاز المخابرات العامة المصرية المسئولية عن إفشال اتفاق الهدنة والرهائن دون أى تناول مهنى وموضوعى لتعقيدات الموقف الإسرائيلى الرسمى من المفاوضات بالأساس ورهن أى اتفاق للهدنة وصفقة الرهائن بتجاذبات سياسية داخلية فى إٍسرائيل، والتعمد طوال الوقت على عرقلة جهود الوسطاء للوصول لاتفاق.

وقد ذكرت مصادر مصرية رفيعة المستوى أن بعض الأطراف تواصل لعبة كيل الاتهامات للوسطاء بالانحياز، وإلقاء اللوم عليهم من أجل التهرب من اتخاذ القرارات المطلوبة.

وأضافوا أن ممارسة مصر دور الوساطة فى صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، جاء بعد طلب وإلحاح متواصل للقيام بهذا الدور.

وفى تصريحات لقناة القاهرة الإخبارية، ذكر مصدر مصرى رفيع المستوى أن «مصر تستغرب محاولات بعض الأطراف تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة للتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة».

واعتبر أن «ممارسة مصر دور الوساطة فى صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن جاءت نظرا لخبرة وقدرة مصر فى إدارة مثل هذه المفاوضات الصعبة».

وتعثرت مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى أكثر من مرة، لتستمر إسرائيل فى حربها على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 7 أشهر.

تشويه متعمد

يتزامن نشر هذه الادعاءات والتشويه المتعمد للدور المصرى فى الوساطة، مع عدة تغيرات حدثت على الأرض خلال الأسبوعين الأخيرين قد تكون هى الدافع وراء هذا التشويه أبرزها التوتر الكبير فى العلاقات المصرية - الإسرائيلية بعد بدء إسرائيل عملياتها العسكرية فى رفح فى 7 مايو الجارى.

كما أن قرار مصر بوقف إدخال شاحنات المساعدات عبر رفح، ووقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل بشأن أى أنشطة إسرائيلية فى رفح، وتشديد مصر على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية أولا من الجانب الفلسطينى من معبر رفح وتسليم إدارته لجهة فلسطينية حتى يتم استعادة جهود إدخال شاحنات المساعدات أحد أهم الأسباب التى ساهمت فى سيل من الاتهامات الموجهة لمصر.

وقد كان لإعلان مصر رسميا دخولها كطرف مع جنوب إفريقيا فى الدعوى المقدمة ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وممارسة جرائم حرب دور كبير فى إثارة غضب إسرائيل والدول الموالية لها، بجانب عدم التجاوب المصرى مع الدعوات الأمريكية الرامية إلى إعادة فتح معبر رفح وعودة التنسيق بين القاهرة وتل أبيب، إلا بعد التجاوب مع المطالب والشواغل المصرية.

 ضغوط خارجية

وتتزامن هذه الاتهامات مع بيان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية والذى طالب فيه بضرورة إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وثلاثة من قادة حماس، كما أنه يأتى فى الوقت الذى توجد فيه مساعٍ حثيثة أمريكية للوصول إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، يشمل تخفيف كبير للشروط السعودية فيما يخص الفلسطينية.

التقرير الذى يتزامن مع تعاطى أمريكى بدا فيه قبول المكتسبات الميدانية التى حققها الجيش الإسرائيلى فى رفح فى ضوء إجلاء أكثر من900 ألف نازح لمناطق الإيواء، وهو ما يعنى أن إدارة بايدن لم يعد لديها أى موانع من توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية فى مدينة رفح وهو التحرك الذى أعلنت مصر رفضها له.

 مفاوضات عصيبة

مفاوضات الهدنة كانت عصيبة بالفعل وفشلت كل المحاولات والمساعى من الوسطاء للعودة لطاولة التفاوض منذ انهيار مباحثات ديسمبر 2023، وعليه حين شعرت مصر أن إسرائيل تستعد لتصعيد عملياتها العسكرية واجتياح رفح، سارعت بإرسال وفد أمنى مصرى في26 أبريل الماضى، لتقديم مقترح جديد للهدنة وصفقة لتبادل الأسرى يتضمن ثلاث مراحل، وسعت فيه إلى تقليل الفجوة بين إسرائيل وحماس حول معظم النقاط الخلافية وكان منها عدد الأسرى من الجانبين ممن سيشملهم التبادل، وعودة النازحين من الجنوب للشمال دون عوائق، وعلى أن يشمل الاتفاق فى المرحلة الثانية منه بدء النقاش والتباحث حول «هدوء مستدام فى قطاع غزة».

أخذ الوسيط المصرى ما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل ليعرضه على حركة حماس، التى بدورها أرسلت وفدها للقاهرة، وطالبت بأن يشمل المقترح التأكيد على وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما تم ترجمته لصيغة «هدوء مستدام ووقف الأعمال العدائية»، وعليه نقل الوسيط المصرى رد حماس بالتعديلات التى طلبتها للجانب الإسرائيلى، إلا أن إسرائيل رفضت الورقة واعتبرتها معدلة، خاصة أن نتنياهو رفض أى حديث عن وقف دائم لإطلاق النار فى غزة.

الورقة الأولى التى قدمت لإسرائيل ثم الورقة الثانية بتعديلات حماس والتى أرسلت لإسرائيل أيضا من مصر، اطلع عليها الجانب الأمريكى، وكان وليام برينز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على دراية بكل هذه التحركات، وكان متواجدا فى القاهرة وسافر بعدها لإسرائيل والدوحة فى محاولة منه للحفاظ على الاتفاق ولحث إسرائيل على قبول المقترح المقدم حتى بتعديلات حماس.

لكن تعقد الأمر مع هجوم كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس على قاعدة عسكرية إسرائيلية على بعد 2 كيلو من معبر كرم أبو سالم، وهو ما استخدمته إسرائيل كذريعة لإعلان توقف المفاوضات بل للبدء فى عملياتها العسكرية فى رفح.

ادعاءات كاذبة

أى ادعاء أن مصر أفشلت اتفاق الرهائن والهدنة الأخير بين إسرائيل وحماس، يفتقد المنطق فى ضوء أن مصر على مدى شهور كانت تضغط لمنع إسرائيل من اجتياح مدينة رفح، وحين شعرت أن إسرائيل عازمة على هذه الخطوة تحركت مع مختلف الأطراف وقدمت مقترحًا جديدًا للهدنة فى مسعى منها لوقف التصعيد الإسرائيلى المتوقع، وفى ظل مواقف صعبة ومتشددة من الجانبين «إسرائيل وحماس» تسببا فى عدم إنجاح هذه الجولة من المفاوضات.

تمتلك مصر رصيدا كبيرا وعظيما يشهد له الجميع فى القيام بدور الوساطة وخفض التصعيد بين إسرائيل وحماس خلال الحروب السابقة بينهما، ودائما ما يحظى دورها باحترام وثقة جميع الأطراف، لأنه يتصف بالنزاهة والاحترافية.

كما بذلت مصر من الجهود للتوصل إلى هدنة إنسانية طوال الشهور السابقة ما يفوق طاقة البشر، كما كانت دومًا تنسق فى كل تحركاتها ومقترحاتها مع جميع الأطراف المعنية وكان هذا هو المبدأ الذى حكم تحرك مصر منذ البداية ولم يكن لمصر أى تحرك منفرد بل فى إطار أشمل وإطلاع الأطراف على أى تطورات أو مقترحات أولاً بأول.

فى الواقع، محاولة تحميل مصر مسئولية عدم نجاح مفاوضات التهدئة هو أمر مثير للسخرية ومحاولة يائسة من البعض للتهرب من التزاماته وإلقاء التبعات على الطرف الذى تحمل أكبر عبء فى هذه الأزمة.

فى الواقع، ليس من اللائق الزج باسم شخصيات مصرية تفانت فى المفاوضات وتحميلها المسئولية فهذا انزلاق إلى مساحات يجب أن ينأى الجميع عنه.

مصر هى أول من اقترحت رؤية متكاملة لحل أزمة غزة وكانت هى أساس المفاوضات التى تمت فى باريس والدوحة وتل أبيب والقاهرة ولا يمكن لمصر أن تغير ولو حرفًا واحدا دون التشاور مع جميع الأطراف وبموافقتهم.

تلعب مصر دور الشريك الكامل وليس فقط الوسيط النزيه وكانت كل مقترحاتها تتم فى حضور الأطراف وقبولهم لها، كما أن محاولات تشويه الدور المصرى لن تثنيها عن استمرار دورها من أجل دعم القضية الفلسطينية وإزاحة الكارثة الإنسانية عن قطاع غزة.