الأونروا: 800 ألف من سكان رفح أصبحوا فى الشوارع المناطق الآمنة «فخ إسرائيلى» لاستهداف من لم تقتله الحرب!
مرڤت الحطيم
لا يجد الفلسطينيون النازحون من أى مكان بقطاع غزة الذى يتعرض لحرب إسرائيلية مستمرة أى مكان آمن للجوء إليه، فالمناطق الآمنة التى يعلن عنها جيش الاحتلال إما تتعرض للقصف من جانب إسرائيل أو أنها لا تتمتع بأى مقومات للحياة! وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا فيليب لازارينى، إن ما يقرب من نصف سكان مدينة رفح أو نحو 800 ألف شخص، أصبحوا فى الشوارع الآن، بعد أن تم إجبارهم على الفرار مرة أخرى منذ أن بدأت القوات الإسرائيلية العملية العسكرية فى المنطقة يوم 6 مايو الحالى. وأضاف لازارينى فى بيان نشره على حسابه بمنصة إكس أنه فى استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية التى طالبت سكان رفح بالفرار إلى ما يسمى المناطق الآمنة توجه الناس بشكل رئيسى إلى المناطق الواقعة وسط القطاع وخان يونس بما فى ذلك إلى المبانى التى تم تدميرها بالفعل.
جاء فى البيان: منذ أن بدأت الحرب فى قطاع غزة، اضطر الفلسطينيون إلى الفرار عدة مرات بحثا عن الأمان الذى لم يجدوه أبدا، بما فى ذلك ملاجئ الأونروا. وأشار لازارينى إلى أنه عندما يضطر الناس هناك للنزوح فإن الأمر يتم دون وجود ممرات آمنة أو حماية، كما أنهم فى كل مرة يضطرون إلى ترك متعلقاتهم القليلة وراءهم مثل الفرش والخيام وأدوات الطبخ واللوازم الأساسية التى لا يستطيعون حملها أو دفع ثمن نقلها، ولذلك فإنهم فى كل مرة، يجب عليهم أن يبدأوا من الصفر مرة أخرى.
وذكر البيان أن المناطق التى يهرب إليها الناس الآن لا تتمتع بإمدادات المياه الصالحة للشرب أو مرافق الصرف الصحى، مشيرا إلى أن المواصى على سبيل المثال هى أرض زراعية تبلغ مساحتها 14 كيلومترا مربعا، وهو ما يجعل الناس هناك متروكين فى العراء مع القليل من المبانى أو الطرق أو حتى عدم وجودها على الإطلاق، كما تفتقر إلى الحد الأدنى من الظروف اللازمة لتقديم المساعدة الإنسانية الطارئة بطريقة آمنة، فضلا عن أن المنطقة كانت قبل التصعيد الأخير موطنا لأكثر من 400 ألف شخص، ولهذا فإن المكان مكتظ بالسكان بالفعل، ولا يتسع لعدد أكبر من الناس كما هو الحال فى دير البلح بالمناطق الوسطى. ووصف المفوض العام للوكالة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، الادعاء بأن الناس فى غزة يمكنهم الانتقال إلى مناطق آمنة أو إنسانية بأنه كاذب، قائلا فى كل مرة ينتقل فيها الناس هناك إلى أماكن أخرى فإن الأمر يعرض حياة المدنيين لخطر جسيم، إذ لا توجد أى مناطق آمنة فى غزة، ولا أحد فى أمان هناك. وذكر لازارينى أن الوضع أصبح يزداد سوءا مرة أخرى بسبب نقص المساعدات والإمدادات الإنسانية الأساسية، مشيرا إلى أنه لم يعد لدى المجتمع الإنسانى أى إمدادات أخرى ليقدمها، بما فى ذلك المواد الغذائية أو المواد الأساسية الأخرى، كما لا تزال المعابر الرئيسية المؤدية إلى القطاع مغلقة أو أن الوصول إليها غير آمن، لأنها تقع بالقرب من مناطق القتال أو داخلها.
وتابع: عملية توزيع المساعدات تكاد تكون مستحيلة فى ظل عدم استقرار الاتصالات السلكية واللاسلكية، واستمرار العملية العسكرية، ودون وجود واردات منتظمة من الوقود، ومنذ 6 مايو الحالى تمكنت 33 شاحنة مساعدات فقط من الوصول إلى جنوب غزة، وهو عدد ضئيل بالنظر إلى الاحتياجات الإنسانية المتزايدة والنزوح الجماعى. وبينما رحب المفوض العام للأونروا بالتقارير المتعلقة بوصول الشحنات الأولى من المساعدات الإنسانية إلى الرصيف العائم الجديد، لكنه رأى أن الطرق البرية تظل الأكثر فاعلية وكفاءة وأمانا لتوصيل المساعدات، مطالبا فى الوقت نفسه بضرورة إعادة فتح المعابر، وأن يكون الوصول إليها آمنا. وقال: بدون إعادة فتح هذه الطرق، ستستمر الظروف الإنسانية الكارثية فى القطاع.
كما حدد لازارينى بعض الالتزامات التى اعتبر أنها تقع على عاتق جميع أطراف النزاع، بما فى ذلك إسرائيل، وحركة حماس، وجماعات مسلحة أخرى فى فلسطين. وتشمل تلك الالتزامات ضرورة السماح بمرور المساعدات الإنسانية بسرعة وبدون عوائق إلى جميع المدنيين الذين هم بحاجة إليها، أينما كانوا، وتسهيل العملية، وأن يحصل النازحون على العناصر اللازمة للبقاء، بما فى ذلك الغذاء والماء والمأوى، فضلا عن النظافة والصحة والمساعدة، وقبل كل شىء السلامة، وتوفير ممرات آمنة لفرق الإغاثة الإنسانية، بالإضافة إلى الوصول إلى هؤلاء المحتاجين للمساعدة وحمايتهم أينما كانوا، وضرورة أن تقوم أطراف النزاع بحماية المدنيين وممتلكاتهم فى كل الأماكن. وأكد المفوض العام لوكالة الأونروا، أنه قبل كل شىء، حان الوقت للاتفاق على وقف إطلاق النار. وفى نهاية البيان، حذر لازارينى من أن أى تصعيد جديد فى القتال لن يؤدى إلا إلى إحداث المزيد من الدمار للمدنيين، كما أنه سيجعل من المستحيل التوصل إلى السلام والاستقرار اللذين يحتاجهما ويستحقهما الإسرائيليون والفلسطينيون بشدة.
وعلى جانب آخر؛ قال مسئول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن جريفيث، إن العالم الغاضب أصبح ضائعا، وأنه لم يكن بهذا السوء من قبل قط، مشيرا إلى الأوضاع الصعبة التى يعشيها الفلسطينيون فى غزة. وأضاف جريفيث أن المجاعة تمثل خطرا مباشرا فى غزة مع نفاد مخزونات الغذاء، مؤكدا أن العملية الإسرائيلية فى رفح تجعل التخطيط لتوزيع المساعدت شبه مستحيل. وتابع جريفيث قائلا: أعتقد أن خطر المجاعة فى غزة واضح وقائم، لأن الحقائق على الأرض تخبرنا أننا لسنا بحاجة إلى أن نكون علماء لنرى عواقب وقف دخول الغذاء. وأضاف: أنا قلق للغاية، أعتقد أن العالم ضل طريقه، ونحن بحاجة للمساعدة فى العثور على طريق العودة إلى تلك المعايير، التى عشنا جميعا من أجل خلقها. وأعرب عن قلقه بشأن المستقبل نظرا لارتفاع عدد الصراعات فى العالم الغاضب.
وقال مارتن جريفيث إن مخزونات الغذاء الموجودة بالفعل فى جنوب غزة بدأت تنفد. أعتقد أننا نتحدث عن عدم وجود أى شىء تقريبا. وأضاف: وبالتالى فإن العملية الإنسانية متوقفة تماما. لا يمكننا إيصال المساعدات. وكان جريفيث قد حذر فى وقت سابق من أن العملية العسكرية فى رفح ستكون قاتلة، وتضع العملية الإنسانية الهشة للأمم المتحدة على عتبة الموت. وقال: ما أعتقد أنه مأساوى للغاية وعميق هو أن كل التوقعات التى تم التحذير منها، بما فيها تحذيرات الأمم المتحدة، والعديد من الدول الأعضاء الأخرى والمجتمع حول عواقب العملية فى رفح، أصبحت حقيقة. ومع قصف إسرائيل لجنوب غزة، فر حوالى 600 ألف شخص، أو حوالى نصف السكان المهجرين الذين يعيشون هناك إلى مناطق أخرى فى القطاع المحاصر، وفق الأمم المتحدة. وقال مارتن جريفيث إن المنظمة الدولية تكافح من أجل مساعدتهم، مع منع واردات المساعدات عبر جنوب غزة، والقتال الجديد مما يزيد من تحديات التوزيع.
وكانت قد أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إغلاق مقرها فى القدس الشرقية، بعد أن أشعل إسرائيليون النار فيه، وقالت الشرطة الإسرائيلية إنها فتحت تحقيقا وسط تنديد أممى وأوروبى. وقال المفوض العام للوكالة فيليب لازارينى فى منشور على على منصة «إكس»، إنه تقرر إغلاق المجمع حتى استعادة الأمن بالمستوى المناسب. وأضاف أن واقعة الحرق هى الثانية فى أقل من أسبوع. هذا تطور مشين. مرة أخرى، تعرضت حياة موظفى الأمم المتحدة لخطر جسيم. وتابع لازارينى: يقع على عاتق دولة إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، مسئولية ضمان حماية موظفى الأمم المتحدة ومنشآتها فى جميع الأوقات. وأوضح أن موظفين تابعين للوكالة كانوا موجودين فى المبنى، لكن لم تقع إصابات. وتضررت المساحات الخارجية بسبب الحريق الذى أخمده موظفون، بعدما استغرقت خدمات الطوارئ وقتا للوصول للموقع. وكشف لازارينى أن مجموعات إسرائيلية تظاهرت مرات عديدة خارج مجمع الوكالة، خلال الشهرين الماضيين، وأن حجارة ألقيت على مبانى المجمع والعاملين قبل أيام. وأرفق لازارينى مع منشوره تسجيل ڤيديو يظهر من خلاله دخان يتصاعد بالقرب من المبانى الواقعة على أطراف المجمع، وسماع أصوات هتاف وغناء، وقال لازارينى إن حشدا برفقة مسلحين شوهد خارج المجمع وأفراده يهتفون أحرقوا الأمم المتحدة.
وقال مدير شئون الوكالة فى الضفة الغربية المحتلة، آدم بولوكوس، إنه تمكن بمساعدة بعض زملائه من إخماد الحريق الذى أتى على حوالى 70 مترا من العشب الجاف والشجيرات بالقرب من سور المجمع. وأضاف: كان هناك حوالى 100 شخص يشاهدون ويصفقون ويهتفون، موضحا أن معظمهم كانوا من القصر على ما يبدو. وأشار بولوكوس، إلى أن حريقا ثانيا اشتعل بعد فترة وجيزة بالقرب من مستودع الوقود التابع للوكالة وكان هناك خطر حدوث انفجار كبير، مشيرا إلى أنه أصيب بالحجارة بينما كان يخمد النيران بطفاية حريق. وقال لوكالة رويترز: هناك بالتأكيد تصعيد ضد الأونروا وهجمات عليها منذ 7 أكتوبر. وتابع بولوكوس: ليس فقط الهجمات المادية التى شهدناها الليلة الماضية، أى الحريق، وإنما وقعت مظاهرة قبل أيام قليلة أيضا وشابها أعمال عنف شديدة وتدمير لممتلكاتنا خارج هذا المجمع.
فى المقابل، قالت الشرطة الإسرائيلية، إنها فتحت تحقيقا فى الحريق، مشيرة إلى أن نتائج أولية للتحقيق، أظهرت أن الأمر نفذه قصر تقل أعمارهم فى ما يبدو عن الحد القانونى للمسئولية الجنائية. ومنذ بداية الحرب على قطاع غزة، دعا مسئولون إسرائيليون مرارا إلى إغلاق الوكالة واتهموها بالتواطؤ مع حركة حماس فى القطاع وهو اتهام ترفضه الأمم المتحدة بشدة واتضح فيما بعد بأنه عار تمام من الصحة.
ولكن لماذا تهاجم إسرائيل الأونروا؟ تعد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» جهة فاعلة أساسية بالنسبة لملايين الفلسطينيين، منذ تأسيسها عام 1949. وتعتبر إسرائيل القدس بأكملها عاصمتها غير القابلة للتقسيم، ويشمل ذلك المناطق الشرقية التى احتلتها فى حرب عام 1967 والتى يسعى الفلسطينيون إلى أن تكون عاصمة دولتهم المستقبلية. وعلى مدار سنوات طويلة كانت الأونروا هدفا للعداء الإسرائيلى، إذ تأسست الوكالة لتقديم المعونة لللاجئين الفلسطينيين الذين فروا أو أجبروا على ترك منازلهم خلال حرب 1948. وأدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الهجوم على مقر الوكالة، وقال على منصة إكس، إن استهداف عمال الإغاثة والمنشآت الإنسانية غير مقبول، ويجب أن يتوقف. وأدان مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل الهجوم على مبانى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا فى القدس الشرقية، مشددا على ضرورة محاسبة منفذيه. وقال بوريل على منصة إكس إن مسئولية ضمان سلامة العاملين فى المجال الإنسانى تقع على عاتق إسرائيل.
وأضاف: إن الوكالة هى شريان حياة لا يمكن الاستغناء عنه للملايين فى غزة والمنطقة. وأدانت ألمانيا تصاعد الاحتجاجات العنيفة ضد الوكالة، داعية إسرائيل إلى حمايتها، بعدما حاول متطرفون إسرائيليون إحراقه مرتين. وقالت الخارجية الألمانية عبر منصة إكس: ندين تصاعد المظاهرات العنيفة ضد الأونروا فى القدس الشرقية؛ وعلى إسرائيل ضمان حماية منشآت الوكالة وموظفيها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة. وأكدت ضرورة أن تكون الأمم المتحدة قادرة على أداء دورها المهم فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ومع استمرار المجازر الإسرائيلية فى قطاع غزة ومع انعدام وجود أفق لحل سياسى، بدأ الموقف الدولى الداعم لإسرائيل تجاه الأونروا بالتصدع، ففضلا عن النرويج وإسبانيا اللتين رفضتا منذ البداية وقف تمويل الأونروا، أعلنت أستراليا وكندا والسويد وفنلندا استئناف تمويلها الوكالة، ثم تلتها اليابان. ومن جهته، اشترط الاتحاد الأوروبى لإعادة التمويل مراجعة خبرائه حسابات الأونروا المالية وعمل إدارتها، وتسليم قائمة بموظفيها للسلطات الإسرائيلية كل 3 أشهر. وجاءت الضربة الأبرز لمخطط تفكيك الأونروا فى أبريل 2024 مع الإعلان عن نتيجة التحقيقات المستقلة فى عمل الأونروا بناء على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والتى أشرفت عليها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا برفقة معهد راؤول والنبرج لحقوق الإنسان والقانون الإنسانى فى السويد، ومعهد كرى ميشيلسن فى النرويج، والمعهد الدانماركى لحقوق الإنسان.
وانتهى التقرير النهائى للتحقيقات، الذى صدر بعنوان مراجعة مستقلة للآليات والإجراءات لضمان التزام الأونروا بمبدأ الحياد الإنسانى، إلى أن الأونروا تطبق عددا كبيرا من السياسات والآليات والتدابير لضمان الامتثال لمبدأ الحياد، وأنها تطبق عقوبات تأديبية على الموظفين الذين يثبت انتهاكهم لمبادئ الحياد، مما يناقض الاتهامات الإسرائيلية. كما كشف التقرير أن الأونروا تشارك قائمة بأسماء موظفيها، ودور كل منهم بصورة سنوية مع الحكومات المضيفة فى لبنان والأردن وسوريا، ومع إسرائيل والولايات المتحدة حول الموظفين فى القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية، وأن الحكومة الإسرائيلية لم تبلغ بأى مخاوف تتعلق بأى من موظفى الوكالة منذ عام 2011..