الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إسرائيل بين الجنائية الدولية والعدل الدولية والقول الفصل لمجلس الأمن

حراك دولى واسع النطاق بدأ بتوجيه أصابع الاتهام إلى جرائم الحرب الواضحة التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى بمنتهى الوحشية داخل قطاع «غزة» بحق شعب أعزل، رغم عدم اعتراف الدول المؤيدة للاحتلال بذلك، انطلاقًا من معاييرهم المزدوجة.



فبعد أن اشتدت الإدانات الدولية، جراء ما وثقه مسئولو المنظمات الأممية المختلفة من مشاهد دموية فى حرب الإبادة الجماعية، التى يعانى منها جميع سكان القطاع، بما يخالف جميع المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية، تحاول الهيئات الدولية دعم «غزة» بما تقدر عليه من أدوات، وإن كانت غير ملزمة.

 

فخلال الفترة الأخيرة، بدأت الأنظار تتجه لهيئتين دوليتين، وهما المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، اللتان تضعان صوب أعينهما جرائم الاحتلال الإسرائيلى، وتداعيات العدوان والحصار لأكثر من 230 يومًا متواصلًا على الشعب الفلسطينى داخل «غزة».

الجنائية الدولية

فى الأسبوع الماضى، طلب مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، ووزير دفاعه «يوآف جالانت»، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بسبب دور كل منهما فى الحرب. وفى بيان صحفى نشر على الموقع الرسمى للمحكمة يوم الاثنين الماضى، أوضح المدعى العام «كريم خان» أنه مع الأخذ فى الاعتبار بالأدلة، التى تم جمعها وفحصها من قبل مكتبه، فإنه لديه سبب وجيه للاعتقاد، بأن «نتنياهو، وجالانت» يتحملان المسئولية الجنائية عن جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، مرتكبة على أراضى دولة «فلسطين» فى قطاع «غزة»، اعتبارًا من 8 أكتوبر 2023، ومنها: تجويع المدنيين عمدًا كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب؛ والتسبب عمدًا فى معاناة شديدة، أو إلحاق ضرر جسيم بالجسم أو الصحة؛ والقتل العمد؛ وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين؛ والإبادة والقتل، بما فى ذلك: ما يتعلق بتجويع المدنيين المؤدى إلى الوفاة؛ والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى التى تعتبر جريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب.

ثم أكد مكتب المدعى العام، أن الأدلة التى جمعها، بما فى ذلك: المقابلات مع الضحايا، والشهود المباشرين، والوثائق الصوتية والمرئية الموثقة، وصور الأقمار الصناعية، تثبت أن إسرائيل ارتكبت عمدًا وبشكل منهجى حرمان المدنيين فى كامل أراضى «غزة» من وسائل العيش الضرورية، لبقائهم على قيد الحياة.

وهنا يبرز التساؤل الأهم، ما هى الخطوة التالية؟

إذا اتفق القضاة على وجود (أسباب معقولة) للاعتقاد بأن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت داخل قطاع «غزة»، سيصدرون مذكرة اعتقال بحق المذنبين؛ ويتعين أن تذكر المذكرة الشخص والجرائم المحددة التى يُطلب القبض عليه بسببها، وبيان الوقائع التى يُزعم أنها تشكل تلك الجرائم.

ومع ذلك، ليس لدى المحكمة أى وسيلة لتنفيذ الاعتقال، حيث يُلزم نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، فيما يخص قضايا تنطوى على أوامر اعتقال ضد رؤساء دول فى الحكم، جميع الدول الموقعة على المحكمة الجنائية الدولية وعددها 124 دولة فقط، باعتقال وتسليم أى فرد يسرى ضده أمر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية إذا وطأت قدماه أراضيها.

وفى هذا الصدد، يذكر أن العديد من الدول لم توقع على نظام روما ومن بينها «الولايات المتحدة»، التى كانت - مثل العادة - أولى المعترضين على قرار المحكمة الجنائية الدولية، حيث قال الرئيس الأمريكى «جو بايدن» إن طلب المدعى العام بإصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين «أمر شائن»!!

على كل فى حال عدم اعتقال أى شخص، يتم فى نهاية المطاف الإحالة إلى مجلس الأمن الدولى (الذى يتمتع بحق النقض)، حيث تسمح قواعد المحكمة لمجلس الأمن الدولى بتبنى قرار يوقف، أو يؤجل التحقيق، أو المحاكمة لمدة عام، مع إمكان تجديد ذلك إلى أجل غير مسمى.

 العدل الدولية

إن تصاعد الأحداث فيما يخص الجنائية الدولية، جاء بعد أيام قليلة من طلب إسرائيل من محكمة العدل الدولية رفض دعوى «جنوب أفريقيا» المقدم للمحكمة والمطالبة بالانسحاب من «غزة»، إذ اتهمت «جنوب أفريقيا» إسرائيل أمام المحكمة بتصعيد الإبادة التى ترتكبها فى «غزة»؛ داعية المحكمة إلى إصدار أمر بوقف الهجوم الإسرائيلى على مدينة «رفح» الفلسطينية. 

وقال سفير «جنوب أفريقيا»، «فوسيموزى مادونسيلا»، إن بلاده كانت تأمل -عندما مثلت آخر مرة أمام هذه المحكمة- فى وقف عملية الإبادة هذه، حفاظًا على «فلسطين» وشعبها؛ مضيفًا أنه بدلًا من ذلك، استمرت الإبادة الإسرائيلية على نحو متسارع، ووصلت للتو إلى مرحلة جديدة ومروعة.

وقال محام عن «جنوب أفريقيا» أمام محكمة العدل الدولية، إن: «الهجوم الإسرائيلى على «رفح» الفلسطينية، هو الخطوة الأخيرة فى تدمير «غزة»، وحث القضاة على حماية الشعب الفلسطينى»؛ مضيفًا أن هذه هى الخطوة الأخيرة فى تدمير «غزة» وشعبها الفلسطينى.

يذكر أن هذه هى المرة الرابعة، التى تطلب فيها «جنوب أفريقيا» من محكمة العدل اتخاذ إجراءات طارئة منذ بدء «بريتوريا» إجراءات تأكيدًا أن العدوان الإسرائيلى على «غزة» يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

وبالعودة للطلب الأخير فقد نص على أن الأوامر الأولية السابقة الصادرة عن المحكمة، لم تكن كافية للتصدى لهجوم عسكرى وحشى على الملجأ الوحيد المتبقى لسكان «غزة»، أى «رفح» الفلسطينية.

وعليه، طلبت «جنوب إفريقيا» من المحكمة إصدار أمر لإسرائيل بالانسحاب من «رفح» على الجانب الفلسطينى، واتخاذ تدابير لازمة، من أجل ضمان وصول مسئولى الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية، والصحفيين إلى قطاع «غزة» دون عوائق، وتقديم تقرير خلال أسبوع واحد حول كيفية تلبية هذه المطالب.

جدير بالذكر، أن محكمة العدل الدولية، أصدرت لإسرائيل -فى يناير الماضي- أمرًا ببذل كل ما فى وسعها، من أجل منع الموت، والدمار، وأعمال إبادة جماعية فى «غزة»؛ ولكن المحكمة لم تصل إلى حد «إصدار أمر» بإنهاء الهجوم العسكرى الذى أدى لتدمير القطاع الفلسطينى.. وهو ما ردت عليه «الولايات المتحدة» بعدها بأيام، معتبرة أنه يتعين على محكمة العدل الدولية ألا تأمر بالانسحاب غير المشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضى الفلسطينية، أثناء نظرها فى طلب للحصول على رأيها بشأن شرعية الاحتلال!!

وفى مارس الماضى قالت المحكمة فى أمر ثان، إنه يجب على إسرائيل اتخاذ إجراءات، من أجل تحسين الوضع الإنسانى فى «غزة»، على أن يتضمن ذلك فتح المزيد من المعابر البرية، للسماح بدخول الغذاء، والماء، والوقود، والإمدادات الأخرى.

على كل، يذكر أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية، وليس هناك إمكانية للاستئناف، إلا أن الأمر متروك للدول المعنية لتطبيق قرارات المحكمة فى ولايتها القضائية الوطنية. 

وفى معظم الحالات، تحترم الدول التزاماتها إذا فشلت دولة ما فى أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما، إلا أن فى حالة الاحتلال الإسرائيلى الذى لا يلتزم فى الأساس بالقوانين الدولية والإنسانية، وفى ظل الدعم الغربى الذى لا هوادة فيه لإسرائيل، فيبقى الحل الوحيد المتبقى، هو اللجوء ـ أيضًا - إلى مجلس الأمن!!

 مجلس الأمن

من المعروف أن مجلس الأمن، هو الهيئة الوحيدة التى تصدر قرارات تكون ملزمة بموجب القانون الدولى، إلا أن حق النقض (فيتو) الذى تتمتع به «الولايات المتحدة» -الحليف الأول للاحتلال الإسرائيلي- غالبًا ـ إن لم يكن دائمًا- يستخدم فى معارضة أى قضية لصالح القضية الفلسطينية.

فكانت المرة الوحيدة التى لم تستخدم فيها «واشنطن» الـ(فيتو)، هو عندما نجح مجلس الأمن ـ فى نهاية مارس الماضي- فى إصدار قرار يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار بين الجانبين (الفلسطينى والإسرائيلى)، ووصول المساعدات الإنسانية إلى «غزة».. حيث تم التصويت على القرار من قبل أعضاء مجلس الأمن الـ 14، دون أى معارضة، إلا أن «الولايات المتحدة» قالت - فى الوقت ذاته- إن القرار ليس ملزمًا باعتبار أنه دعوة، وهو ما لم يتم تنفيذه بالفعل!

وطوال جميع الجلسات الماضية لمجلس الأمن، استخدم الجانب الأمريكى الـ(فيتو) فى كل قرار يعارض إسرائيل، أو ويدعم القضية الفلسطينية، بداية من معارضتها المتتالية لوقف إطلاق النار فى «غزة» لأسباب إنسانية، وصولًا لعدم تأييدها الاعتراف بدولة فلسطين، وفقًا لقرار الأمم المتحدة، وهو ما أكده المتحدث الرسمى باسم بعثة «الولايات المتحدة» لدى الأمم المتحدة «نيت إيفانز»، أن «واشنطن» ستعارض مجددا فى مجلس الأمن الدولى طلب «فلسطين» الحصول على عضوية الأمم المتحدة كاملة، رغم تأييد أغلب دول العالم لهذا المطلب.

 أهمية الهيئات الأممية العليا

فى الوقت الذى يعد مجلس الأمن، هو الهيئة التى لها قول الفصل فى نهاية المطاف، يبقى التساؤل ما أهمية قرارات الهيئات الأخرى، وتحديدًا محكمتى العدل والجنائية الدولية؟

تتعامل أغلب دول العالم مع الهيئتين باحترام ما يصدر عنها من قرارات، وتنفذها طواعية، فمنهم من قد يلبى تلك القرارات، ومنهم من قد يعارض.

وفى الوقت الذى يعتقد الكثير من المحللين، والمسئولين الإسرائيليين أنه من الصعب على دول مثل: «بريطانيا العظمى، وفرنسا، وألمانيا»، وغيرها إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلى، امتثالًا لقرار الجنائية الدولية حال إصدارها الحكم، إلا أنها تضعهم أمام ضغط الرأى العام الداخلى، الذى تربى لسنوات على مفهوم الديمقراطية، وادعاء احترام حكوماتهم للقوانين والمؤسسات الدولية.

ومن الرأى العام الداخلى للدول الغربية، إلى الرأى العام العالمى، تدعم أحكام الجنائية الدولية والعدل الدولية الموقف المؤيد للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلى، ما قد يصنع صورة من صور الضغط.