الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حالة درامية جديدة لقصة تقليدية: ماذا لو قررت.. "إلا الطلاق"

«كله إلا الطلاق.. بحافظ على بيتى.. هكمل علشان ولادى»، كلمات تضج بها مجتمعاتنا العربية تسمع أنين أصحابها دون صوت، وتشعر بأوجاع واختناق قائلها، الذى يفنى عمره كله بسبب فكرة أصلها هش وهى منطق «اللاطلاق» أيًا كانت الأسباب والظروف، فقط بهدف الحفاظ على الشكل الاجتماعى أو مبدأ الاستقرار الأسرى أو حتى الحفاظ على نفسية الأولاد، وكلها أهداف واهية لا تتحقق ولا تمت للواقع بصلة.



 

لأن ما يحدث داخل جدران البيت يُحفر داخل نفس وذاكرة الأطفال وعلى أساسه تتشكل شخصياتهم وطباعهم ،وبالتالى تصرفاتهم وقراراتهم فى المستقبل، وجيل بعد جيل تُصب العُقد النفسية صبا من أحد الوالدين للطفل ومن ثم للأحفاد.

وللاختصار الشديد قرار الطلاق أحيانا يكون طوق نجاة للزوجين وللأطفال، تلك هى الفكرة الأساسية التى يقوم عليها العمل الفنى (إلا الطلاق) المكون من عشر حلقات، ويناقش تلك الفكرة وتداعيات القرارات الخاطئة على الحياة بأكملها، حياة ومصير كل الشخصيات المتعلقة بالحكاية. 

مسلسل (إلا الطلاق) سيناريو وإشراف على الكتابة لـ«مريم نعوم» وإخراج «محمد بركة» وبطولة «إياد نصار ودينا الشربينى وسلمى أبو ضيف».

عمل فنى يعتمد على حبكة الأزمة والحل فهناك أزمة ما يتعرض لها بطلا العمل «يارا» التى تجسدها «دينا الشربينى» و«سيف» الذى يجسده «إياد نصار»، موقف ما يقودهما للقتل الخطأ فيتخذا قرارًا بدفن الجثمان والسكوت عما حدث بدلاً من استدعاء الشرطة ومواجهة الموقف بدون توافر السببية الدرامية، لذلك تتحقق الجملة الشهيرة «المخرج عايز كده» حتى تسير الأحداث بناءً على قرار واهى لا دافع درامى واضح له، ثم تتصاعد الأحداث والخطأ يجر آخر وجريمة تجر جريمة والظلم يستشرى دون رادع إلى أن تصل لنهاية العمل التى تفتقر لأهم أساسيات ومبادئ الدراما، مبدأ وضعه أرسطو وهو التطهير أن يشعر المُشاهد بالشفقة على ما يتعرض له شخصيات العمل ثم الخوف من أن يحدث له فى حياته مثل تلك المواقف فتتطهر النفس البشرية وتتهذب وتبعد عن الفعل السيىء أو الشر، وتلك هى القاعدة الدرامية لكن لكل قاعدة شواذ فهناك أعمال فنية لا تتبع ذلك النهج وتكمن نهايتها فى انتصار الشر على الخير واستمرار الظلم والشر وذلك ما حدث فى نهاية (إلا الطلاق) حيث جاء العقاب جزئيًا لشخصيات العمل، وهنا نحن أمام النهجين نهج أرسطو فى التطهير ونهج كسر أهم مبادئ الدراما الذى يمت للواقع بصلة نوعا ما لكن يضر بالمجتمع وأفكاره كثيرًا.

مسلسل (إلا الطلاق) تمتع بعناصر فنية قوية أيضا منها كتابة الخطوط الدرامية، فهناك أكثر من خط درامى مكتوب باحترافية كبيرة ،خاصة ذلك الذى يربط بين «حبيبة» التى تجسد دورها «سلمى أبو ضيف» بأخيها «حسن» الذى يجسد دوره «يوسف رأفت»، كما أن الجاذب أيضا علاقة الزوجة «يارا « بزوجها «سيف» فهى شديدة التعلق به رغم كونه زوجًا خائنًا وفاشلًا ومُعقدًا، فالأهم لديها هو تماسك الأسرة واستقرارها والحفاظ على مستقبل ابنها ولها دوافعها فى ذلك، مما ينقلنا إلى إبداع رسم الشخصيات الأساسية فى العمل الفنى ومنها «دينا الشربينى» فى دور «يارا»، بنت فقدت استقرارها النفسى فى بيت والديها وعانت مأسآة  والدتها بسبب خيانة والدها لها فهى متشبعة بالعُقد النفسية والنفور من فكرة عدم الاستقرار، فهى امرأة فى أشد الحاجة للاستقرار والأمان ولذلك تلغى من عقلها أو قلبها أى سبب يحول دون تحقيق ذلك.

و أيضا «إياد نصار» فى شخصية «سيف» اليتيم الذى يبحث عن هويته بعد صدمته من والده الذى تبناه ويبحث عن ذاته ويحاول أن يسترد ثقته بنفسه وعقله ويُعدّل بُصلته، وقد وجد ضالته لتحقيق ذلك فى علاقته بـ»حبيبة» التى تجسدها «سلمى أبو ضيف» التى أشبعته بالحب، حب الذات، ووضعت يدها على مواطن قوته التى كان يبحث عنها، مما ينقلنا للحديث عن «حبيبة» ودوافعها القوية للبحث عن الأمان والحب والسند وأيضا البحث عن الأب والمثل الأعلى الذى تفتقده من بعد فقدانها لوالدها.

فالثلاث شخصيات الأساسية شخصيات هشة عاطفيًا تبحث عن مشاعر معينة لكنها تبحث عنها فى المكان الخطأ وبالطريقة الخاطئة.

وبالتأكيد لن يتبلور ذلك الرسم المُبدع للشخصيات وتلك الخطوط الدرامية المتشابكة شديدة التعقيد إلا بأداء تمثيلى مُتقن خاصة من «إياد نصار» فى شخصية «سيف» وتجسيده للصراعات الداخلية والعُقد المتشبع بها منذ الصغر بشكل صادق يجعلك تحتار حيرته وتعيش معه تيهته، كما أن «سلمى أبو ضيف» لعبت دورا مميزا فى شخصية «حبيبة» وأكدت معها نضجها الفنى وتطورها المُلفت كمُمثلة موهوبة تذاكر الشخصية وتعايشها وتحبها وتشعر بكل تفاصيلها فتتماهى وتتوحد معها فتجسدها بسلاسة وإبداع يجعلك كمُشاهد تستمتع بأدائها وتعيش وجعها وشتاتها إلى جانب الدور المميز الذى جسده «حمزه العيلى» بتعبيرات الوجه ولغة الجسد وسكوته مع ابتسامته وعينيه التى تُعبّر بدون كلمة، والحق حق أن يُقال «حمزه العيلى» لم يأخذ فرصته بعد لفرد عضلاته التمثيلية وموهبته الخاطفة. لذلك مسلسل (إلا الطلاق) له ما له وعليه ما عليه لكنه فى النهاية حالة درامية من نوعية الميلو دراما التى تأخذك لعالمها.