جهود مصر لتهدئة التصعيد «الفلسطينى - الإسرائيلى» كيف حاولت القاهرة احتواء تفاقم الأزمة؟
جهود مضنية تبذلها الدولة المصرية لتهدئة التصعيد الفلسطينى - الإسرائيليى، حقنًا لدماء سكان قطاع «غزة»، الذين يعانون من ويلات العدوان والحصار المتواصل لأكثر من 215 يومًا، وانطلاقًا من مسئوليتها بالدفاع عن فلسطين وحقوقها، وشعبها.
فالصبر وأقصى درجات ضبط النفس كانا ضمن شيم الجانب المصرى، الذى يدير طاولة المفاوضات بين الأطراف، فى واحدة من أكثر اللحظات توترًا فيما يخص التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، على غرار تزايد حدة الأحداث فى مدينة «رفح» على الجانب الفلسطينى.
فخلال الأسبوع الماضى، وتحديدًا مع إصدار جيش الاحتلال- يوم الاثنين الماضى- أوامر للمدنيين فى مدينة «رفح» الفلسطينية إلى بالإخلاء الفورى، واستهداف بعض مناطقها، كان موقف الدولة المصرية فارقًا فى إدارة الأزمة.
فحذرت مصر- منذ اللحظات الأولى لإصدار أوامر الإخلاء- من خطورة هذا التصعيد؛ مؤكدة ضرورة العودة للمفاوضات، وما تحقق من تقدم كبير بها.
وبعد مرور ساعات هى الأقسى على سكان شرق «رفح» بجنوب قطاع غزة، جراء عمليات الإخلاء الفورية، والقصف الإسرائيلى لبعض المناطق، أعلنت حماس قبولها وقف إطلاق النار، بعد مجهودات مضنية من جانب الدولة المصرية؛ مؤكدة أن الكرة فى ملعب الاحتلال الإسرائيلى، ما أدى إلى خلق فرحة عارمة بين سكان «غزة»، وفرحة شعبية مصرية واسعة النطاق بمجهودات مؤسسات الدولة، التى تقوم بدور تاريخى فى هذا الظرف الصعب، بتوجيهات من القيادة السياسية بضرورة دعم الأشقاء الفلسطينيين.
وبالفعل، قال الرئيس «عبدالفتاح السيسى» على موقع التواصل الاجتماعى: «أتابع عن كثب التطورات الإيجابية التى تمر بها المفاوضات الحالية، للتوصل إلى هدنة شاملة فى قطاع غزة.. وأدعو كل الأطراف لبذل المزيد من الجهد، للوصول إلى اتفاق يؤدى إلى إنهاء المأساة الإنسانية، التى يعانى منها الشعب الفلسطينى، وإتمام استبدال الرهائن والسجناء».
فى اليوم التالى، استهدف جيش الاحتلال بعض مناطق فى شرق «رفح» الفلسطينية، ما أدانته «مصر» بأشد العبارات بتلك العمليات العسكرية الإسرائيلية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطينى من معبر رفح.
وفى بيان صادر عن وزارة الخارجية يوم الثلاثاء الماضى، اعتبرت «مصر» أن هذا التصعيد الخطير يهدد حياة أكثر من مليون فلسطينى يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر، باعتباره شريان الحياة الرئيسى لقطاع «غزة»، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الأشقاء الفلسطينيين فى «غزة»؛ داعية الجانب الإسرائيلى إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، والتى من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة، من أجل التوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع «غزة».
كما طالبت «مصر» جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة، لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية، لتحقق نتائجها المرجوة.
وبعدها بساعات قليلة، حذرت «مصر» من تفاقم الوضع الإنسانى المتردى فى «غزة»، نتيجة العمليات الإسرائيلية؛ وفى الوقت ذاته، كانت «القاهرة» تستضيف اجتماعات بمشاركة وفود «قطر»، و«الولايات المتحدة»، وحماس، من أجل استكمال المباحثات، بهدف التوصل إلى هدنة شاملة فى قطاع «غزة».
وقال مصدر رفيع المستوى، إن الوفد الأمنى المصرى حذر نظراءه فى إسرائيل من عواقب اقتحام معبر رفح من الجانب الفلسطينى، وطلب وقف هذا التحرك فورًا؛ مشيرًا لبذل الدولة المصرية كافة الجهود، من أجل وقف التصعيد بين الطرفين.
وفى اليوم التالى، أكد مصدر رفيع المستوى استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف بالقاهرة، بهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار، الذى كان زادت حدة وتيرته فى اشتباكات ضارية شرق مدينة «رفح» الفلسطينية جنوبى قطاع «غزة».
يذكر أن التحركات المصرية الأخيرة ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها جهود أخرى حققت فيها النجاح، من أجل الوصول إلى هدنة إنسانية طوال الشهور القليلة الماضية، حيث نجحت إحداهما فى نوفمبر الماضى، حينما أعلن الجانبان الفلسطينى والإسرائيلى عن هدنة لمدة 4 أيام قابلة للتمديد، تم بموجبها إيقاف العمليات القتالية بشكل كامل فى جميع أجزاء قطاع «غزة»؛ فضلًا عن عودة الأوضاع لما كانت عليه، ودخول المساعدات والوقود إلى القطاع.
وكانت الشمولية محور التحركات المصرية المصاحبة للمفاوضات الخاصة بتبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانب الفلسطينى والإسرائيلى.. ورغم عودة العمليات العسكرية بعد انتهاء الهدنة، فإن المحاولات المصرية للتوصل إلى هدن إضافية لم تتوقف، بل تزايدت لتشمل وقفًا كليًا لإطلاق النار، والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته.
فى النهاية، يذكر أن الدولة المصرية لم توقف- منذ اللحظة الأولى، التى شنت فيها إسرائيل حربها على قطاع «غزة»- تحركاتها، من أجل إنهاء ذلك التصعيد، ونزع اعتراف دولى بحقِ «فلسطين» فى الحياة، وتجسد هذا فى الاتصالات المكثفة والعاجلة، التى قامت بها القيادة السياسية، ومؤسسات الدولة المختلفة ذات الصلة مع كافة الأطراف الدولية والأممية.
كما تمتع الجانب المصرى خلال إدارته للأزمة بمزيج من الحسم فى القرار، والمرونة فى التحرك، والمتابعة الدقيقة لمجريات الأمور، والتواصل المستمر مع كافة الأطراف الفاعلة، الأمر الذى أهّل «مصر» لتلعب دورًا رئيسيًا فى محاولات البحث عن صيغ فعالة، من أجل وقف إطلاق النار فى «غزة»، دعمًا للأشقاء الفلسطينيين.