الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكاسب سياسية واقتصادية مصر بوابة «أردوغان» لتعزيز معسكر الاعتدال الشرق أوسطى

زيارة مهمة فى توقيت حرج قام بها الرئيس التركى إلى القاهرة، وخلال الزيارة ناقش أردوغان والسيسى عدة ملفات أبرزها الحرب فى غزة وتعزيز التعاون فى مجالات مختلفة. بالنسبة لتركيا، فإن الجانب الأهم فى هذه الزيارة هو موقف مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس، فمصر دولة استراتيجية تستضيف محادثات وقف إطلاق النار، ويواصل المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون و«حماس» اجتماعاتهم فى القاهرة، ويهدف أردوغان البحث عن أرضية مشتركة لبناء سياسة معًا لوقف الهجمات الإسرائيلية.



هذا التقارب من وجهة نظر المحللين يؤثر على الوضع الاستراتيجى فى المنطقة حيث تعد الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى مصر تتويجًا لمسار تطبيع العلاقات بين البلدين والذى بدأ فى عام 2022. 

وهذه هى أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ 11 عامًا، إذ كانت آخر زيارة إلى مصر على هذا المستوى تلك التى أجراها الرئيس السابق عبدالله غول فى فبراير عام 2013، فيما كانت آخر زيارة لأردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء فى نوفمبر من عام 2012.

 نهضة اقتصادية

وقع السيسى وأردوغان عددًا من اتفاقيات التعاون المشتركة بين البلدين فى قصر الاتحادية، كما وقعا على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين مصر وتركيا.

وتعهد أردوغان بزيادة التبادل التجارى مع مصر إلى 15 مليار دولار فى الأمد القصير. وقال إن البلدين يقيّمان التعاون فى مجالات الطاقة والدفاع والسياحة، فيما قال السيسى إنه من المهم «إبراز استمرار التواصل الشعبى خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نموًا مضطردًا خلال تلك الفترة».

وفى الفترة القادمة سنشهد تعاونًا جديًا، خاصة فى مجالات الصناعات الدفاعية والغاز الطبيعى المسال والطاقة النووية المتجددة، وفى الحقيقة، سوف يؤثر هذا التعاون بشكل جذرى فى جهود استخراج الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط.

الرئيس التركى من جهته أكد أن بلاده مستعدة للتعاون مع مصر فى إعادة إعمار غزة، وذكر أن الوضع فى القطاع تصدر جدول أعمال محادثاته مع السيسى. وأوضح أن تركيا عازمة على تكثيف المحادثات مع مصر على جميع المستويات من أجل إحلال السلام والاستقرار فى المنطقة. بدوره قال السيسى: «إن مصر وتركيا أكدتا على أهمية زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وأهمية وقف إطلاق النار فيه».

ويرى ريكاردو فابيانى، الباحث المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، أن مصر تبحث حاليًا عن شريك يمكنه الضغط بشكل ما على إسرائيل نظرًا للقلق المصرى من الوضع فى منطقة رفح الحدودية. وأضاف أنه يعتقد أن «تركيا قد لا تكون الطرف الأكثر تأثيرًا فى هذا الملف لكنها فاعل مهم يمكنه لعب أدوار مختلفة فى المنطقة». 

وأضاف: إن مصر تحاول ألا تبدو معزولة عن القرارات التى تتخذ فى هذا الإطار وتريد بتوسيع تعاونها مع تركيا «إرسال رسالة للجميع وخصوصًا إسرائيل، بأن انتهاك الخط الأحمر المصرى بشأن رفح لا يمثل مشكلة لمصر فقط، وبالتالى فإن تكلفة العملية العسكرية التى توشك إسرائيل على القيام بها ستكون بالضرورة باهظة للغاية».

بدوره، قال الدكتور جمال عبدالجواد أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إنه «يمكن النظر للمصالحة على أنها إعادة لرص الصفوف، وتمتين ما يمكن تسميته «بمعسكر الاعتدال الشرق أوسطى» الذى يشمل بالإضافة لتركيا ومصر بلدانًا عربية مثل الإمارات والأردن، خاصة مع تحسن العلاقات بين كل هذه الدول عقب فترة من التوتر».

وأضاف أن «تحالف الدول المعتدلة» يمكنه أن يلعب دورًا رئيسيًا فى تحريك ملف النزاع فى غزة لحل هذه القضية فى مواجهة قوى لا تريد لهذا الملف أن يتم حله أو إغلاقه كونها تسعى لتوظيفه من أجل تعزيز نفوذها فى الإقليم، «والمشهد الذى رأيناه خلال الأسابيع الأخيرة من استعراض للقوة فى العراق، وفى جنوب البحر الأحمر، وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية لم يغب عن ملاحظة وإثارة قلق كل قوى الاعتدال فى المنطقة، وكان واضحًا أن هناك من يستخدم هذا الوضع لتعزيز هيمنة يتم ممارستها على الشرق الأوسط.

فى هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسى التركى فراس رضوان أوغلو من أنقرة إن تركيا ستقف خلف مصر فى موقفها من الأزمة فى رفح «لأن القضية تتصل بشكل مباشر بالأمن القومى المصرى».

وأضاف فى تصريحات صحفية أن «تركيا ستحاول تقديم الدعم الكامل لمصر، لأن ضرورات الأمن القومى والتعاون المشترك تقتضى ذلك، كما ستلعب دورًا فى تقوية الضغط المصرى على إسرائيل، وأعتقد أن كلا البلدين سيضغط على الولايات المتحدة التى بدورها يمكنها الضغط على إسرائيل لوقف اطلاق النار».

 الملف الليبى

يعد الملف الليبى واحدًا من الملفات الحساسة التى فاقمت التوتر بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية. فمع تصاعد الصراع بين الفرقاء فى ليبيا، دعمت مصر والإمارات جبهة الشرق وبنغازى فيما دعمت تركيا سياسيًا وعسكريًا حكومة طرابلس فى الغرب. كما يوجد لتركيا تواجد عسكرى فى قاعدة الوطية وهو ما يزعج مصر بشدة التى تعتبر ليبيا فناءها الخلفي، ولذلك كررت مصر عدة مرات مطالبتها بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وإجراء انتخابات فى البلاد.

بدورها، تحاول تركيا إقناع مصر بأن تواجدها العسكرى فى ليبيا لا يستهدفها وإنما هى محاولة لزيادة قوة ما تملكه تركيا من أوراق خلال التفاوض فى أزمة شرق المتوسط، خصوصًا ضد اليونان وقبرص. لذا يرى الخبراء أن تركيا عرضت بيع المسيرات القتالية التركية المتقدمة من نوع بيرقدار للجيش المصرى كإثبات لحسن النوايا وعدم تعمد أى ضرر بمصر وبمصالحها، كما اعتبرت كوسيلة لتحسين العلاقات العسكرية بين البلدين بعد أن تبادلتا تعيين سفيرين العام الماضى.

وتطمح تركيا فى المقابل للانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط وترسيم الحدود البحرية بما يحفظ لها نصيبًا مؤثرًا فى اكتشافات الغاز فى المنطقة، وترى أن مصر لها دور شديد الأهمية فى هذا الملف لما تتمتع به من علاقات قوية مع دول البحر المتوسط، خصوصًا اليونان وقبرص.

ويرى الدكتور جمال عبدالجواد أن الملف الليبى يحظى بأهمية بالغة لدى مصر وتركيا، خاصة أنه قد تم قطع شوط طويل فى التوصل لتوافقات بشأنه بين البلدين. وأشار إلى اتفاق القاهرة وأنقرة على ضرورة إجراء انتخابات وتوحيد القوات المسلحة، «وهذا ما يعكس اعتراف البلدين بأن كليهما له مصالح فى هذا البلد وأنه يمكن حماية وتحقيق هذه المصالح بطريقة لا تتعارض مع مصالح الطرف الآخر، ولا مصالح الشعب الليبى».

أضاف أنه «بدلًا من إدارة الصراع فى ليبيا بطريقة المعادلة الصفرية يمكن أن يكون الجميع رابحين، الرابح الأول بالتأكيد سيكون الشعب الليبى نفسه، وأن هذا التوافق المصرى التركى سيدفع الأطراف الليبية لأن تقطع الخطوات الباقية فى اتجاه المصالحة النهائية».

أما الكاتب والمحلل السياسى التركى فراس رضوان أوغلو فيرى أن «الملف الليبى حاليًا متجمد وهذا دليل على أن مصر وتركيا اتفقتا على ألا يضر أحدهما بمصالح الآخر، وأعتقد أنه من الآن سيعمل الطرفان على وضع خارطة الطريق لإجراء الانتخابات أولًا ولتوحيد المؤسسة العسكرية بين الغرب والشرق ثانيًا».

وأضاف أوغلو أن «مصر وتركيا ستعملان للوصول إلى موقف يربح فيه الطرفان، وطبعًا هذا يحتاج إلى وقت، لكن لا ننسى أيضا أن هناك دورًا للمتخاصمين الليبيين فى تحقيق هذا الهدف، وأظن أنه سيكون هناك ضغط من كلا البلدين على الأطراف الداخلية الليبية لإيجاد خارطة طريق مقبولة».