الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«رأيت رام الله» حينما يعيش الاغتراب داخل الوطن.. «مريد البرغوثى» الكاتب الذى جسَّد حياة اللاجئ فى رواية «الألم»

«المجتمع الفلسطينى لا تجمعه وحدة جغرافية سياسية واحدة، ذات قاعدة اقتصادية اجتماعية مركزية منتجة، بل ثقافة «فلسطين» هى التى تجمعه، فمنذ النكبة 1948، تميَّز المجتمع الفلسطينى بكونه مجزأً؛ كل جزءٍ من هذا المجتمع محكوم بموقعه من السياق والصراع الاستعمارى، وكل جزءٍ مرتبطٍ بدرجة ما ببنى اجتماعيّة، واقتصاديّة مختلفة مع سياقه (الاحتلال/المنافى/مناطق الحكم الذاتى الفلسطينية المحتلة).



 

 كما أن أغلب هذه الأجزاء تميّزت بكونها تعيش على هوامش البنى الاجتماعية السائدة فى أماكن وجودها. لذا يغدو الفلسطينى دائمًا غريبًا، بدرجة ما أو بأخرى، حبيس جسرٍ ما على الدوام. وبالعودة للنص، يشير السارد إلى الغربة حتى عن الإنسانى فى بوتقة المنفى، فيشير للغريب بأنه «هو الذى يسألونه دائمًا: «من وين الأخ؟» أو يسألونه «وهل الصيف عندكم حار؟» لا تعنيه التفاصيل الصغيرة فى شئون القوم أو سياساتهم الداخليّة، ولكنه أول من تقع عليه عواقبها. قد لا يفرحه ما يفرحهم لكنه يخاف عندما يخافون. هو دائمًا العنصر المندس فى المظاهرة إذا تظاهروا، حتى لو لم يغادر بيته ذلك اليوم».

هكذا لخص الكاتب والأديب الفلسطينى «مريد البرغوثى» الوضع فى وطنه فلسطين وذلك فى رائعته «رأيت رام الله» والتى نال عنها جائزة «نجيب محفوظ للإبداع الأدبى» عام 1997.

ورواية «رأيت رام الله» تعدّ سيرة ذاتية للبرغوثى حيث إنها تمثل رحلة العودة إلى موطنه بعد ثلاثين عامًا من الغربة والذى يوضح عنوانها الفكرة الأساسية لها، ألا وهى عدم وصف الكاتب لتلك الزيارة بالعودة فقد قال «رأيت رام الله»، بل استخدم فعل المشاهدة، كأنها ليست المكان، بل صورته وكأن بلاده لم تعد بلاده فلا أحد يعرف المعنى النفسى للطرد والشتات.

يتحدث الكاتب عن حياته ومدى معاناته التى عاشها وهو لا يستطيع الالتقاء بابنه وزوجته إلا 3 أشهر فى صيف كل سنة و3 أسابيع فى الشتاء، وكأنما أراد البرغوثى فى هذا العمل أن ينقل للقارئ معاناة اللاجئ الفلسطينى وهى المعاناة التى حاول أن يصورها للعالم أغلب الكتاب الفلسطينيين ولكنهم دائمًا ما يشعرون أنها غير كافية لنقل واقع مشاعرهم كلاجئين فلم يتوقفوا قط عن وصف الحياة كلاجئ فى  أدبهم الخاص بهم.

أراد البرغوثى فى هذا الكتاب أن ينقل تجربته الشخصية عند عودته من الشتات إلى بلدته ومسقط رأسه دير غسانة، حيث يتحدث فيها عن الغربة وما تفعله، عن اللجوء، ولذلك كتبها بلغة الحنين الممزوجة بغصة الظلم، فقد أراد أن يربط فيها الذكـرى والغربة واللاشعور والألم عند العودة إلى وطنه.

نجح أيضا فى روايته أن يصف الخسارة التى وقعت على عاتق كل فلسطينى أُجبر على ترك أرضه حيث يصف خسارة شعوره بالأمان الطبيعى الذى يسرى داخل كل إنسان لحظة عودته إلى بيته وأهله حاملًا الطعام لأهل بيته، لقد خسروا ملامح الوطن الذى يكون أثره فى عاداته وتقاليده وتفرده حتى فى مزارعه وأكلاته، كل هذا أصبح محرمًا على كل لاجئ فلسطينى حيث أجبر على خلع رداء وطنه وأجبر على ارتداء عباءة وطن آخر أصبح يعيش فيه كلاجئ ففقد هويته مجبورًا على ذلك.

فى روايته «رأيت رام الله» يتحدث البرغوثى عن نازحٍ ذاق الأمرَّين من أجل أن تدوس قدماه تراب بلاده، من أجل أن يرى قريته التى ولد فيها من أجل أن يرى بيته الذى عاش فيه طفولته المرّة هناك فى «دار رعد» وتينة الدار التى جرّب مذاقها كل أهل القرية.

تكلم عن الجسر الذى اختلف الجميع على اسمه، جسر العبور إلى فلسطين ليس كل فلسطين؛ بل الضفة الغربية فقط، اجتازه بعد 30 عامًا من الغربة، لتبدأ قصته بعدها فى رام الله، حيث ينقل لنا حياته التى كانت هناك كما يروى قصته عندما رجع لمسقط رأسه، ومقارنة صورة الأماكن التى زارها فى الماضى، والحالة التى آلت إليها بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة.

كما صور كذلك الأحداث الفلسطينية، من نكسة ونكبة وغيرهما من أشكال المعاناة، ليجعلها نموذجًا يمثل شريحة لفئة من الناس الذين عاشوا الواقع الفلسطينى المؤلم.

فقد صور البرغوثى فى سيرته مدينة رام الله فى لحظة مفصليّة من تاريخ القضيّة الفلسطينيّة تركت أثرًا فى موقف الأدباء من مدينة رام الله المحتلّة التى أصبحت مقرًّا للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة الناشئة.

 

وفيها لجأ البرغوثى إلى المقارنة بين حال المدينة وفق صورتها العالقة فى ذهنه من خلال استعادة الذكريات وصورتها الحاضرة عند عودته إثر اتّفاقيّة أوسلو، فرسم لها صورة فى مرحلتين مختلفتين: الأولى قبل (النكسة) عام 1967، والثانية بعد (أوسلو) عام 1993م.

لقد استطاع البرغوثى أن ينقل معاناة فقد الهوية التى يعيشها اللاجئ، حيث أنه يظل يقبع تحت وطأة ذاكرته التى سجلت لحظات بداية حياته فى وطنه والذى يظل يبحث عنها بعد عودته «إن عاد إليها» مرة أخرى، فلا يستطيع أن يتقبل التغيير الذى يطرأ على الأرض ولا يتقبل الواقع فيظل رافضًا لكل ما هو حوله ولا يستطيع أن يتعايش معه فيظل حنينه إلى الوطن بداخله وشعور الاغتراب قابعًا فى كيانه حتى وهو يعيش على أرضه.

 من أبرز الشعراء والروائيين الذين حملوا فى أعمالهم الطابع الوطنى دون التدخل فى الأمور السياسية، حارب مريد غُزاة وطنه على طريقته الخاصة والتى كانت أكثر الطرق تأثيرًا ونجاحًا.

مريد البرغوثى شاعر ومؤلف فلسطينى من مواليد عام 1944 فى الضفة الغربية؛ ولا تقل مأساة التغرب فى حياته عن باقى أبناء بلده، وهذا الأمر انعكس بشكلٍ واضحٍ وجليٍ فى أعماله التى قدمها خلال مسيرة حياته.

كغيره من الفلسطينيين الذين أُجبروا على عيش حياة التهجير بعيدًا عن أوطانهم، عاش الشاعر الراحل مريد حياته فى مصر وتزوج ودرس فيها وتنقّل بين العديد من البلدان العربية والأوروبية، ولم يستطع العودة إلى بلده إلا بعد أكثر من 30 عامًا من التهجير.

وُلد مريد البرغوثى فى قرية قرب رام الله اسمها «دير غسانة» فى الضفة الغربية، فى فلسطين فى 8 يوليو من العام 1944. درس فى مدارس رام الله حتى المرحلة الثانوية، وبعد ذلك انتقل إلى مصر لإتمام دراسته فيها وكان ذلك فى العام 1963 ودرس الأدب الإنجليزى فى جامعة القاهرة وتخرج فيها فى العام 1967.

كان ذلك تزامنًا مع احتلال القوات الصهيونية للضفة الغربية ومنعها للفلسطينيين الذين كانوا خارج البلاد من العودة إلى بلادهم، فبقى مريد البرغوثى فى مصر. وتنقّل بين عددٍ كبيرٍ من الدول العربية والأوروبية.

وبعد مرور عقدٍ على تخرجه شرع مريد البرغوثى بتخليد تجربته كفلسطينى مُهجر من بلدٍ إلى آخر عبر أعماله الأدبية.

تزوج مريد البرغوثى من الروائية والناقدة الراحلة المصرية «رضوى عاشور» التى كانت أستاذة فى جامعة «عين شمس» والتى توفيت فى العام 2014، وللثنائى ولدٌ وحيدٌ وهو «تميم البرغوثي» الذى سار على خُطى والده ليصبح من أشهر الشعراء الشباب.

قدم مريد البرغوثى عددًا كبيرًا من المحاضرات التى دارت حول الشعر العربى بشكلٍ عام والفلسطينى بشكلٍ خاص فى عدد من الجامعات العربية والأجنبية مثل أكسفورد ومدريد.

وقع الاختيار عليه كرئيس للجنة التحكيم فى العام 2015 لمسابقة «جائزة الرواية العربية».

حصل مريد البرغوثى فى العام 2000 على جائزة «فلسطين» للشعر.