الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عيد الشرطة المصرية 72 عامًا على معركة (الإسماعيلية).. رمز الشرف والشجاعة والبسالة

تحتفل الدولة المصرية فى الـ 25 من يناير كل عام، بذكرى عيد الشرطة،، وهذا العام تحتفل بالذكرى الـ72 لمعركة الإسماعيلية 1952، التى راح ضحيتها نحو 56 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة.



ويظل « 25 يناير» شاهدًا على بسالة رجال الشرطة المصرية برفضهم تسليم مبنى محافظة الإسماعيلية للبريطانيين، رغم قلة أعدادهم، وضعف أسلحتهم، فسقط العديد من الشهداء، ومئات الجرحى.

 

ولأن حجم التضحيات كبير جدا.. فمن الواجب أن نتذكر دومًا تفاصيل ما تم من بطولة بمعركة الإسماعيلية بتفاصيلها التى تعكس شجاعة المصريين، وقد انطلقت شرارة هذه المعركة بعد اتصال هاتفى بين وزير الداخلية حينها فؤاد سراج الدين وقائد قوات الشرطة فى الإسماعيلية اللواء أحمد رائف، كان نصها : «آلو.. حولنى على فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية.. مين يا فندم، أنا اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام فى الإسماعيلية، حاضر يا فندم.. معالى الوزير صباح الخير يا فندم.. صباح النور.. يا فندم قوات الاحتلال البريطانى وجهت لنا إنذار برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية، واحنا يافندم رافضين وقررنا المقاومة ومنتظرين تعليمات سعادتك.. حتقدروا يا أحمد.. يا فندم مش حنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا.. ربنا معاكم.. استمروا فى المقاومة».

محافظات القناة

كانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقية 1936، والتى كان بمقتضاها أن تنسحب القوات البريطانية إلى محافظات القناة فقط، دون أى شبر فى القطر المصرى، فلجأ المصريون إلى تنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة، وكبدتها خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة؛ وذلك كان يتم بالتنسيق مع أجهزة الدولة فى ذلك الوقت.

وكان الفدائيون ينسقون مع رجال الشرطة لشن هجمات فعالة وقاسمة ضد القوات البريطانية، وهو ما فطن له البريطانيون؛ حيث قاموا بترحيل المصريين الذين كانوا يسكنون الحى البلدى فى الإسماعيلية، بينما كانوا هم يسكنون الحى الأفرنجى؛ وذلك للحد من عملياتهم البطولية ضد قواتهم، ولكن ذلك لم يؤثر على الفدائيين وزادت هجماتهم شراسة، وذلك بالتنسيق مع قوات الشرطة المصرية.

دعم الفدائيين

وعندما فطنت القوات البريطانية بأن رجال الشرطة يساعدون الفدائيين، قررت خروج كل أفراد الشرطة المصرية من مدن القناة، على أن يكون ذلك فى فجر يوم 25 يناير 1952، وفوجئ رجال الشرطة بعد وصولهم إلى مقر عملهم فى مبنى محافظة الإسماعيلية، بقوات الاحتلال البريطانى تطالب اليوزباشى مصطفى رفعت قائد بلوكات النظام المتواجدة بمبنى محافظة الإسماعيلية، بإخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق، وترك أسلحتهم بداخل المبنى، وحذروهم بمهاجمة المبنى فى حالة عدم استجابتهم للتعليمات.

لقد توهم الاحتلال البريطانى أن رجال الشرطة سيخافون على حياتهم، ويتركون سلاحهم ويهربون، حفاظًا على أرواحهم، ولكنهم فوجئوا ببطولة وملحمة سطرت فى تاريخ مصر المشرف بأحرف من نور؛ حيث رفض اليوزباشى مصطفى رفعت الانسحاب وترك مبنى المحافظة، وقال لقائد قوات الاحتلال (إكس هام): «إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى.. سأبدأ أنا الضرب، لأن تلك أرضى، وأنت الذى يجب أن ترحل منها ليس أنا.. وإذا أردتوا المبنى.. فلن تدخلوه إلا ونحن جثثا»، ثم تركه ودخل مبنى المحافظة، وتحدث إلى جنوده وزميله اليوزباشى عبد المسيح، وقال لهم مادار بينه وبين (إكس هام)، فما كان منهم إلا وأيدوا قراره بعدم إخلاء المبنى، وقرروا مواجهة قوات الاحتلال، على الرغم من عدم التكافؤ الواضح فى التسليح؛ حيث كانت قوات الاحتلال تحاصر المبنى بالدبابات وأسلحة متطورة شملت بنادق ورشاشات وقنابل، فيما لا يملك رجال الشرطة سوى بنادق قديمة نوعا ما.

 قذائف الدبابات

وبدأت المعركة من خلال قيام القوات البريطانية بإطلاق قذيفة دبابة كنوع من التخويف لقوات الشرطة، أدت إلى تدمير غرفة الاتصال «السويتش» بالمبنى، وأسفرت عن استشهاد عامل الهاتف، لتبدأ بعدها المعركة بقوة، والتى شهدت فى بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين، فخرج اليوزباشى مصطفى رفعت قائد قوة بلوكات النظام المتواجدة داخل مبنى المحافظة إلى ضابط الاحتلال البريطانى فى مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصرى، فتوقفت الاشتباكات ظنا من قوات الاحتلال بأن رجال الشرطة سيستسلمون، ولكنهم فوجئوا بأن اليوزباشى مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين وإخلائهم قبل استكمال المعركة، وفقا لتقاليد الحرب الشريفة التى اعتاد عليها المصريون، ولكن قوة الاحتلال رفضت واشترطت خروج الجميع أولا والاستسلام، وهو ما رفضه اليوزباشى مصطفى رفعت، وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة، والتى لم يغب عنها أيضا أهالى الإسماعيلية الشرفاء؛ حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة، لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح لقوات الشرطة، رغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.

رفض الاستسلام

ومع استمرار الاشتباكات بشراسة، بدأت الذخيرة فى النفاد من رجال الشرطة المصرية، ولكنهم رفضوا أيضا مجرد فكرة الاستسلام، فقرأوا جميعا فاتحة كتاب الله والشهادتين، بمن فيهم الضابط المسيحى اليوزباشى عبدالمسيح، فى لحظة تؤكد مدى تماسك ووحدة شعب مصر العظيم، وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر اليوزباشى مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (إكس هام)، أملا منه فى أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه، وبالفعل عندما خرج، توقف الضرب كالعادة، ولكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (إكس هام)، وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشى مصطفى رفعت، أدى له التحية العسكرية، فما كان من اليوزباشى رفعت إلا أن يبادله التحية وفقا للتقاليد العسكرية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال (ماتيوس) قائد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة بالكامل.

وتحدث الجنرال (ماتيوس) إلى اليوزباشى مصطفى رفعت، وقال له بأنهم فعلوا ماعليهم بل أكثر، وأنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل، وأنهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التى معهم ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطانى المتعددة، وأنه لا مفر من وقف المعركة بشرف، فوافق اليوزباشى مصطفى رفعت على ذلك، مع الموافقة على شروطه، وهى أن يتم نقل المصابين وإسعافهم بشكل فورى، وأن الجنود الذين سيخرجون من المبنى، لن يرفعوا أيديهم فوق رءوسهم، وسيخرجون بشكل عسكرى يليق بهم، مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى، فوافق الجنرال (ماتيوس) على تلك الشروط، وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بها وهم فى طابور منظم.

لقد أسفرت تلك الملحمة التاريخية للشرطة المصرية عن استشهاد نحو 56 من رجال الشرطة، وإصابة 80 آخرين، فاستحقت أن تكون ليست يومًا فقط أو عيدا للشرطة المصرية، ولكنها أصبحت عيدًا قوميًا لمحافظة الإسماعيلية وللشعب المصرى كله.