الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يناير.. شهر ميلاده ورحيله إحسان عبدالقدوس.. حضور لا يغيب

يحمل شهر يناير من كل عام ذكرى ميلاد فارس الصحافة وصاحب الحضور الذى لا يغيب وهو إحسان عبدالقدوس، والذى يحمل الشهر نفسه ذكرى رحيله (1 يناير 1919 - 12 يناير 1990)، وتبقى للكتابة عن شخصية «إحسان» مهما تكررت متعتها الخاصة، فهو شخصية صحفية وأدبية غير عادية مصريًا وعربيًا، ولعل الأبرز فى تلك الشخصية أن أعمالها صالحة لكل العصور وأثرها وتأثيرها لا يغيب.



 

فى الأول من يناير 1919 ولد الكاتب الأديب إحسان عبدالقدوس بحى شبرا، وفى 12 يناير عام 1990 رحل، وفى ذكرى ميلاده عام 1961 كتب الأديب إحسان عبدالقدوس كلمة فى مجلة صباح الخير يقول فيها: يخيل إلى أن الناس تسكر فى ليلة رأس السنة لا لتنسى العام الماضي، ولكن لتنسى العام القادم، أما أنا فإنى لا أطمع فى أن تجعل الناس يحبوننى، ولكنى أطمع فى أن تساعدنى على حب الناس، ظللت سعيدا لأنى طفل لكنى عندما ماتت أمى لم أعد طفلا.

ويحكى الكاتب الكبير عن بدايته فى كتاب (مذكرات ثقافة تحتضر) ويقول: ولدت فى مستشفى الدكتور سامى بالقاهرة، وافترقت أمى الصحفية روزاليوسف عن أبى قبل ولادتى بشهرين، وبعد شهور من ولادتى وضعنى أبى الفنان محمد عبدالقدوس فى كتاباته، وصفه العقاد بأديب الفراش وبائع الحب وأطلق على أدبه أدب الفراش عبدالقدوس فى بيت جدى البيت الدينى المحافظ لتربينى عمتى «نعمات هانم» حتى حصلت على شهادة التوجيهية، بمدرسة فؤاد الأول عام 1934 وهى مرحلة الغليان الشعبى فى مصر مظاهرات وإضرابات وحرب مع الإنجليز.

التحق إحسان عبدالقدوس بكلية الحقوق، ويعتبر إحسان عبدالقدوس مرحلة الجامعة هى مرحلة القراءة والثقافة وأنها هى سبب تكوينه الأدبى، خاصة الأدب الفرنسى والإنجليزى عند شكسبير وموباسان.

يقول إحسان عبدالقدوس: والدى كان مهندسا للطرق والكبارى لكنه يعشق التمثيل، تعرف على والدتى روزا حين كان يقدم فاصلا من المونولوجات على خشبة المسرح بالنادى الأهلى جاء الحب والزواج واعترض الجد الأزهرى على هذا الزواج وأصر والدى وترك وظيفته وتفرغ للفن، تخرجت فى كلية الحقوق عام 1942 وكنت محاميا فاشلا لا أجيد المناقشة والحوار وكنت إداريا فاشلا فى المحكمة بالصراخ والمشاجرة مع القضاة بالمرح وإلقاء النكت وهو الأمر الذى أفقدنى احترام القضاء وعدم تعاطفهم معى فودعت أحلامى لكى أكون محاميا، تنازعت حياتى بين بيئتين متناقضتين.

ويضيف إحسان عبدالقدوس: كان جدى يعقد ندوات فى بيته وأنا طفل صغير يحضرها رجال الأزهر وتضم دروسا دينية، وكانت أمى تعقد ندوات يشترك فيها كبار الأدباء والشعراء والروائيين والسياسيين، والفنانين وكانت صلتى بهم وثيقة وعن طريقهم كانت بدايتى الصحفية فقد وجدت نفسى منذ وعيت فى مجتمع يضم المشاهير والناجحين.

قبل أن يتخطى الكاتب إحسان عبدالقدوس العشرين من عمره كانت له كتابات سياسية فى مجلة والدته روز اليوسف، حتى إنه أصبح رئيسا لتحرير مجلة روز اليوسف وعمره 26 عاما ولخلاف فى الرأى مع والدته ترك رئاسة تحرير روز اليوسف ليبدأ سلم الكتابة الصحفية بعيدا مع الكاتب الصحفى محمد التابعى فى مجلة آخر ساعة. 

«ابن الست» هو اللقب الذى صاحب إحسان عبدالقدوس لفترة طويلة، فعرف بأنه ابن السيدة روزاليوسف، لكنه دائمًا كان يتمرد على ذلك اللقب، فيقول: صحيح أننى تمردت على لقب ابن الست الذى ظل يطاردنى لسنوات طويلة ولكننى فى نفس الوقت لم أرفضه لأن أصحابه كانوا يريدون بطريقة خبيثة أن ينسبوا كل نجاح أحققه وكل نصر أتمكن منه إلى هذا اللقب وكأنى مجرد كائن يحسن التسلق على اسم أمه وشهرتها، تعم أنا ابنها وتلميذها أخذت منها البدايات الجيدة ولكنى بعد ذلك قدمت إضافات لا يستطيع أحد إنكارها.

وتولى رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف وعمره 26 عامًا، وهى المجلة التى أسستها والدته، بعدها تولى رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966حتى 1968، ثم رئيسًا لمجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير فى الفترة بين 1971 إلى 1974، نال إحسان عبدالقدوس العديد من الجوائز والأوسمة، من بينها، وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة 1989.

ومدرسة إحسان هى مدرسة النقد السياسى والاجتماعي، فعالجت كتاباته قضايا وطنية وسياسية ومجتمعية عديدة، فكان أول من فجر قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين، وهو الكاتب الذى تسببت مقالاته فى أزمات وزارية كثيرة وسقوط حكومات، وقد سجنه النقراشى وعبدالناصر وأعفاه السادات من رئاسة مجلس إدارة الأهرام لكتابته مقالا ضد عودة المنابر والأحزاب.

«كلما كان الإنسان صادقًا مع نفسه وصل لمرتبة أعلى من الحب، بأن يعرف ما يحبه وما يريد الوصول له»، هذا كان نهج عملاق الأدب العربى الأديب إحسان عبدالقدوس، حيث تحل علينا ذكرى ميلاده حيث إنه ولد فى مثل هذا اليوم من عام 1919، وترك فى حياتنا إرثًا رائعًا، حيث إنه نشأ وسط عائلة محبه للفن والكتابة كان والده الممثل محمد عبدالقدوس ووالدته الممثلة والصحفية فاطمة اليوسف.

بدأ عبدالقدوس بكتابة المقالات السياسية وتحديدًا فى أحداث ثورة 1952، ومن أبرز هذه المقالات: «هذا الرجل يجب أن يذهب والجمعية السرية التى تحكم مصر»، لكنه لم يكتفى بهذا فقط حيث إنه قدم إلى السينما المصرية أكثر من 49 عمل سينمائي، و5 أعمال مسرحية، و9 مسلسلات إذاعية، و 10 مسلسلات تلفزيونية.

عَشِقَ «إحسان» المواجهة، وأجاد تعرية المسكوت عنه، حتى على مستوى تحقيقاته الصحفية وكتاباته، التى بسببها تعرَّض للاعتقال والسجن عددًا من المرات، كان يعبِّر عن روح مصر التنويرية الطموحة، التى تسعى للتحرُّر والتخلص من الاحتلال، ثم إلى التهيئة لثورة اجتماعية وثقافية، يتحرر فيها نصف المجتمع من قيوده، واقتصار النظر إليه فى نطاق جسدانيته، أراد إطلاق طاقات المرأة لتمارس كافة قدراتها البشرية، لتشارك فى بناء البلد الذى ينهض.

من أبرز هذه الأعمال الفنية «فى بيتنا رجل، الوسادة الخالية، الرصاصة لا تزال فى جيبي، أنا حرة، النظارة السوداء، حتى لا يطير الدخان، الخيط الرفيع، العذراء والشعر الأبيض، أنا لا أكذب ولكنى أتجمل، أين عقلي، إمبراطورية ميم، شيء فى صدري، أبى فوق الشجرة، بئر الحرمان».

وناقش الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس فى معظم أعماله الفنية على المرأة وقصص الحب والعلاقات الإنسانية والعاطفية بين الجنسين، والأزمات التى مرت على مصر أثناء فترة حرب أكتوبر عام 1973، وأثناء فترة النكسة أيضًا، معبرًا عن واقع مجتمعه المصري، ووصل الكاتب المصرى إحسان عبدالقدوس إلى العالمية حيث تم ترجمة 65 رواية إلى عدة لغات مثل اللغة الألمانية والإنجليزية والفرنسية والأوكرانية والصينية.

وعلى الرغم من تواجده داخل مجتمع متحفظ، ولكن عددا كبيرا جدًا من أعمال وروايات وقصص الروائى إحسان عبدالقدوس يمكن اعتبارها ثورة على هذا التحفظ، حيث تناول الجنس وفساد المجتمع فى أعماله.

تحدث عبدالقدوس عن نفسه ككاتب متحرر عن الجنس ذات مرة، فقال: «لست الكاتب المصرى الوحيد الذى كتب عن الجنس، فهناك المازنى فى قصة «ثلاثة رجال وامرأة» وتوفيق الحكيم فى قصة «الرباط المقدس» وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت، ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكننى لم أضعف مثلهما عندما هوجمت، فقد تحملت سخط الناس علىّ لإيمانى بمسؤوليتى ككاتب».

وأضاف: «نجيب محفوظ أيضًا يعالج الجنس بصراحة عنى، ولكن معظم مواضيع قصصه تدور فى مجتمع غير قارئ، أى المجتمع الشعبى القديم أو الحديث الذى لا يقرأ أو لا يكتب، أو هى مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه، لذلك لا ينتقد ولا يثور، أما أنا فقد كنت واضحًا وصريحًا وجريئًا فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندى ما أكتبه عنه».