السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

آفة الدراما.. التطويل: كيف شـَرد المـُشاهد عن «زينهم»؟

«الصانع المهمل يُلقى اللائمة على أدواته».. حكمة وقول مأثور.. تعنى أن أى صانع مهمل عندما يُلام على إهماله يرمى بالأسباب على الأدوات التى يستخدمها وليس فى تقصيره بحرفته.. حكمة من واقع الحياة يلجأ إليها الكثير من الصناع فى أى مهنة.



ولكن فى مجال الفن وصناعة الدراما الأمر يختلف؛ لأن صناع العمل من المُخرج والمؤلف هم مَن يقودون كل أدوات العمل الفنى ويوجّهونه برؤيتهم الخاصة من تمثيل وتصوير وإضاءة وموسيقى ومؤثرات سمعية وبصرية.. 

ناهيك عن الفكرة التى يختارها المؤلف بكامل إرادته ويصيغها فى حوار من المفترض أن يكون ثريًا وجذابًا، وذلك فى إطار رؤية إخراجية تعكس تميز المُخرج وإدارته لكل تلك العناصر الفنية؛ خصوصًا إذا كانت تلك العناصر مميزة بطبيعتها.

ينطبق ذلك على مسلسل (زينهم) الذى يُعرض على قناة «Ontv» ومنصة «watch it»، فليس هناك أى «شماعة» يمكن أن يلقى عليها صناع العمل من الكاتب «محمد سليمان عبدالمالك» والمُخرج «يحيى إسماعيل» إهمالهما فى تقديم عمل فنى مميز قوى.

ففى واقع الأمر يمتاز ذلك العمل بعَدد من العناصر الفنية التى لم يتم استغلالها وتضفيرها بشكل احترافى معًا. ومنها مثلاً المجموعة القصصية التى أخذ عنها أحداث المسلسل لمؤلفها الطبيب الشرعى «محمد جاب الله» وتحمل عنوان (أصدقائى الموتى شكرًا)، فهى تقدم عددًا من القضايا التى صادفها الطبيب «محمد جاب الله» أثناء عمله وتحمل ألغازًا ساهم فى حلها كطبيب شرعى ومزج فيها بين الحقيقة، ما يحدث بالفعل، وبين الخيال، تخيله للجثث وهى تتحدث له وترمى إليه بخيوط كشف اللغز حتى تستقر روحها فى سلام.. مما يعنى حالة من التشويق والإثارة استند عليها كاتب مسلسل (زينهم) ليقدم السيناريو والحوار الذى من المفترض أنه يعتمد على حبكة الكشف، أى تسلسل الأحداث ليبدأ بالحدث النهائى وهو الجريمة ثم تأتى الأحداث بعد ذلك فى هيئة خيوط لتصل بنا إلى فك لغز ما حدث وكشف الحقيقة.

وبالتالى فإنه من الاحترافية أن تتميز أحداث العمل بإيقاع سريع للأحداث وغموض ربط الأحداث ببعضها البعض مع الإثارة المرتبطة بحديث الأموات مع الطبيب الشرعى، وذلك ما افتقر إليه هذا العمل الفنى بشكل كبير، فجاءت الأحداث بطيئة وبها رتابة فى كثير من الحلقات مع عدم قدرتها على إثارة المُشاهد بالشكل الكافى الذى يُمتعه من ناحية ويجعله مندمجًا فى الأحداث منتظرًا فك الألغاز من ناحية أخرى.

إلى جانب العناصر الفنية الأخرى التى لم يتم استثمارها بنجاح، ومنها أبطال العمل، فموهبة مميزة مثل «أحمد داوود» لم يخرج أداؤه بنفس القوة التى اعتدنا عليها منه فى أعماله السابقة بسبب ضعف الحوار من ناحية والرسم الجسمانى له الذى تمثل فى زيادة وزنه نوعًا ما مما لا يخدم الدراما المقدمة ولا يمت بشخصيّته الدرامية بصلة.

ورغم ذلك؛ فإن شخصية زينهم التى جسّدها «أحمد داوود» تعتبر من العناصر القوية فى العمل والتى يمكن أن نعدّها على أصابع اليد الواحدة.

أمّا عن تفاصيل العمل فإذا تطرقنا للمشهد الافتتاحى للحلقات «avant titre» سوف نجده لا يضيف أى تشويق أو إثارة تجذب المُشاهد لمشاهدة الحلقة أو حتى يعرض بطريقة الـ«flash back» التى تجعل المُشاهد يفكر ويربط الأحداث ويتماهَى معها ويشارك فى حلها، كما أن تصنيف العمل كـ «light suspense» أى مزيج بين نمطين فى الدراما وهما التشويق والكوميديا لم يُجدِ نفعًا للدراما لأن الكوميديا المضافة للعمل بهدف التخفيف من التشويق لم تأتِ كوميدية على الإطلاق.

مع ذلك؛ لن نستطيع أن ننكر القيمة الأخلاقية للعمل الفنى والرسائل الحياتية المهمة التى يريد إيصالها والتى ذكرت فى المجموعة القصصية المأخوذ عنها.. تلك الرسائل مفادها أن الموت هو الحقيقة الوحيدة فى الحياة، وهو الحقيقة الأصدق والأعمق التى تكشف الكثير من الخبايا والأسرار، وكلما تقترب من الموت والموتى ترى أكثر مما ينبغى وتفكر بشكل أعمق وتعرف حق المعرفة حقيقة كل من حولك، لكن على الجانب الآخر ستأخذ منك براءة قلبك وصفو روحك.. ولذلك وجّه المؤلف نصيحة قال فيها «لا تصبح طبيبًا شرعيًا ولو منحوك الذهب»، ولكن هل نحن ننتظر الموت أو ننتظر الاقتراب منه حتى نعرف الحقيقة أمْ الحياة والناس كفيلة بأن تكشف نفسَها بنفسها ولو على مَرّ سنين طويلة.>