المجتمع الدولى يخشى تحول الصراع إلى حرب إقليمية التصعيد أو التمديد.. سيناريوهات ما بعد الهدنة فى غزة

داليا طه
مع بدء الهدنة فى غزة والشروع فى تبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى عملية استمرت أربعة أيام، ثم يومين آخرين، هناك تساؤلات يتم طرحها لأهميتها، وقد يكون أهمها ذاك السؤال: ماذا بعد الهدنة؟ ما السيناريو أو السيناريوهات للمرحلة القريبة المقبلة؟ إسرائيل أعلنت حتى قبل بدء الهدنة أنها ستقوم باستئناف الحرب التى ينطبق عليها ما ينطبق على الحروب الأخرى.
واستطاعت حركة حماس أن تفرض شروطها وأن تحقق الكثير من المكاسب الميدانية على أرض الواقع؛ حيث لم يتوقف العدو الإسرائيلى عن قصفه المتوحش ويقبل بالهدنة إلا مُرغمًا بعد تلقيه خسائر هائلةً فى معداته وعتاده وجنوده، إضافة إلى تلقيه صفعات مدويةً من الجبهتين: اللبنانية واليمنية، واللتين شكلتا هاجسًا مقلقًا للكيان، ولم يتمكن من الاستفراد بحركات المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة والقضاء عليها.
تقول الباحثة فى قسم إفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد الألمانى للشئون الدولية والأمنية موريل أسيبورغ، إن الأولوية التى تركز عليها جهود المجتمع الدولى فى الوقت الراهن هى تقليص مساحة الصراع وتجنب تحول الصراع فى غزة إلى حرب إقليمية كبرى، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة.
وترجح «أسيبورغ» عودة القتال ما بعد انتهاء أيام الهدنة بين الطرفين، مشيرة إلى عدة سيناريوهات متوقعة لهذه المرحلة:
السيناريو الأول عودة جزئية إلى الوضع قبل الحرب، لكن مع وجود حدود أكثر تأمينًا بين غزة وإسرائيل، وتوسيع المناطق المحظورة داخل القطاع، واستمرار الحصار شبه الكامل الذى فرضته إسرائيل فى 8 أكتوبر.
السيناريو الثانى الإصرار على تهجير الفلسطينيين من خلال استمرار الضغط على سكان القطاع، وضرب المزيد من الأهداف المدنية وتدمير ما تبقى من بنية تحتية.
السيناريو الثالث توقف القتال عندما تعيد إسرائيل احتلال القطاع بشكل كامل، كما كان الوضع قبل عام 2005.
السيناريو الرابع يتضمن نشر قوة دولية لضمان نزع السلاح الشامل والأمن، مع وضع قطاع غزة تحت إدارة دولية مؤقتة.
أمّا الباحث فى العلاقات الدولية والشأن الأمريكى كمال الزغول؛ فيقول: إن سيناريوهات ما بعد الهدنة تعتمد على ضغط الشارع الإسرائيلى لاستلام بقية المحتجزين، وهذا من الممكن أن يشكل دافعًا لتمديد الهدنة أو العودة إليها؛ لأن العائلات الأخرى تريد أن تستلم أبناءها أيضًا.
كما تعتمد على العامل الأمريكى؛ حيث يبدو من تصريحات واشنطن أن الولايات المتحدة تميل لاستمرار الهدنة لمنع توسع الحرب، وعلى قدرة حماس وصمودها قبل وبعد كل هدنة، الذى سيجعل إسرائيل تنخرط فى مفاوضات لاحقة.
ووفقًا لـ«الزغول» فإن سيناريوهات ما بعد الهدنة هى «هُدَن متتالية أو متقطعة»، فـ«إذا رضخت إسرائيل للضغوط الدولية والأمريكية والاقتصادية ستستمر المفاوضات حول إيجاد حلول، وإذا استمرت بالحرب تكون هناك فرصة سانحة لتوسعها على مستوى المنطقة، لذلك نحن أمام سيناريو متغير يعتمد على ظروف المعارك على الأرض، فلا مناص عن المفاوضات والهُدَن والوساطات، ولا مناص من الاشتباكات التى ستتحكم فيها الظروف السياسية فى المنطقة».
ويشير «الزغول» إلى أن «القرار الإسرائيلى متغير حسب ظروف المعارك فى غزة، فما زالت إسرائيل تعيش على سيناريو حافة الهاوية فى توسع الحرب، الذى سيؤدى إلى ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل من أجل المزيد من التهدئة الجزئية والمتقطعة».
على جانب آخر، يرى محللون آخرون أن السيناريو الأول المحتمل هو عودة الحرب والتصعيد؛ خصوصًا أن العدو الإسرائيلى لم يحقق جميع أهدافه التى أعلنها فى بداية الحرب، ومنها ما يدعيه القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان غزة، لكن عودة التصعيد ستشعل المنطقة برمتها، وستوسع دائرتها وجبهاتها، فالمقاومة الإسلامية فى جنوب لبنان كانت قد صعّدت فى الأيام الأخيرة التى سبقت الهدنة من وتيرة مواجهاتها مع الكيان الصهيونى، وفى حال عودة الحرب قد تتدحرج الأمور ويدخل حزب الله فى حرب شاملة مع إسرائيل ستكون ضريبتها أعنف وأقسى على الكيان المحتل.
كما أن المقاومة فى الضفة ستتصاعد، ويتصاعد معها الرد اليمنى الذى وصل إلى ذروته مع الاستيلاء على سفينة إسرائيلية فى البحر الأحمر واقتيادها إلى السواحل اليمنية بالحديدة.
لذا؛ فــإن عودة الحرب سيضيف سيناريو آخر يتمثل فى محاولة إسرائيل الضغط من خلال القصف المتوحش؛ بهدفِ تهجير الفلسطينيين وقصف المزيد من الأهداف المدنية واستهداف ما تبقى من بنية تحتية، وتدمير المدمـر، كما أنه سيؤدى إلى اتساع رقعة الحرب الإقليمية وضرب الاقتصاد العالمى وإحداث أزمة عالمية، ناهيك عن انهيار الاقتصاد الإسرائيلى وهذا ما لا تريده أمريكا.
وفى حالة عودة الحرب الحالية؛ فــإن ضغوطًا عدةً قد تدفع حكومة الاحتلال الإسرائيلى لوقف عدوانه، منها تصاعد الغضب الشعبى فى دول العالم؛ ولا سيما فى أمريكا وبريطانيا والدول الغربية؛ خصوصًا بعدما اكتشف العالم حقيقة هذا الاحتلال المتغطرس والصورة المأساوية للدمار الذى خلفه فى قطاع غزة خلال الشهرين الماضيين.
تمديد الهدنة
أمّا السيناريو الثانى؛ فــإنه يندرج تحت التمديد أو التجديد للهدنة، أى السعى لتعزيز الهدنة والشروع فى البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية، بحيث يكون تمديدًا للهدنة وتبادل الأسرى وسط ضغط الشارع الإسرائيلى الذى من الممكن أن يشكل دافعًا لتمديد الهدنة أو العودة إليها؛ لأن العائلات الإسرائيلية الأخرى تريد أن تستلم أبناءها المعتقلين لدى المقاومة، والسعى لفتح أكبر لمَعبر رفح لإدخال المساعدات مع تراجُع القوات الإسرائيلية إلى حدود القطاع، والاتفاق على إعادة المهجرين إلى شمال القطاع.
وبالإضافة إلى السيناريوهات السابقة فــإن حكومة الاحتلال بعد فشلها فى تحقيق أهدافها المعلنة فى هذا العدوان من المحتمل أن تلجأ إلى تغييرِ طبيعة الحرب، من خلال اللجوء إلى عمليات عسكرية مركزة ونشاطات استخباراتية دقيقة، كتنفيذِ عمليات الاغتيالات فى الخارج ضد قيادات المقاومة حماس، واستخدام الترغيب والترهيب للمواطنين الفلسطينيين، واستمرار عمليات الرصد الاستخباراتى، ومخاطر التصرفات الفردية والتحصينات المعقدة، وتوسيع المناطق المحظورة داخل القطاع، واستمرار الحصار شبه الكامل الذى فرضته إسرائيل فى 8 أكتوبر الماضى.
رؤى غربية
وفى إطار السيناريوهات، ووفق رؤية أمريكية- بريطانية فاشلة، يتم طرح العديد من المخططات لمستقبل غزة، منذ سيطرة حماس على القطاع، منها إعادة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، أو تسليمه للإدارة المصرية، أو تسليمه لإدارة دولية عربية مشتركة، أو تسليمه لقوات الناتو والأمم المتحدة، أو إعادة الاحتلال الإسرائيلى للقطاع.
ولهذا وبعد الفشل المستمر لكل السيناريوهات والمخططات المحتملة؛ فــإن كـل المشاريع الأمريكية- الإسرائيلية، التى تتعلق بمستقبل غزة، قوبلت بالرفض والردع؛ لأن غزة اليوم ليست مثل الأمس، وبالتالى يبدو أن التركيز الأمريكى- الغربى فى المرحلة المقبلة لما بعد الهدنة، سيكون على إعادة إحياء عملية السلام، مِن أجل الوصول إلى تنفيذ ما يسمونه «حل الدولتين»، وهذا ما تتحدث عنه الولايات المتحدة والتى أكـدت أكثر من مرة أنها عازمة على إطلاق جهد كبير، مِن أجل تطبيق هذا الخيار انطلاقًا من اقتناعها بأن هزيمة حماس عسكريًا لا تكفى، وأن الفلسطينيين بحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، مع تبادل للأراضى بين الدولتين، فى إشارة إلى تفاهمات ونقاشات سابقة على هذا الأمر بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلى.