السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

موقف مصرى صارم رفض التهجير القسرى وتصفية القضية الفلسطينية

أكدت مصر مرارًا رفضها لمخططات التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وسعت كذلك إلى خلق رأى عام إقليمى وعالمى داعم لهذا الموقف ومؤيد لحق الفلسطينيين فى أرضهم وحقهم فى إقامة دولتهم المستقلة وفقا لمبدأ حل الدولتين، مع حماية مكتسبات الأرض وعدم تحقيق المخطط الإسرائيلى بالسيطرة على الأراضى الفلسطينية المحتلة عقب يونيو 1967 فى مخالفة لقرارى مجلس الأمن 242 و344.



 

إذ تعمل إسرائيل على تهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى الجنوب، وادعى الاحتلال أن ذلك لحماية المدنيين فى ظل استهداف حركة حماس، إلا أن الهجمات المتزايدة على جنوب القطاع فضحت الخطة الاستيطانية؛ إذ كثف الاحتلال قصفه على شمال وجنوب قطاع غزة دون تفرقة، وبعد استهداف المستشفى الأهلى المعمدانى تم قصف محيط مستشفى القدس، بما يوضح الخطة الإسرائيلية لتهجير سكان القطاع إلى الجنوب، ومن ثم دفعهم إلى اللجوء إلى سيناء، وفى المقابل تصفية الضفة الغربية من سكانها ودفعهم إلى اللجوء إلى أجزاء فى الأردن، وهو ما سيترتب عليه توسيع رقعة الصراع، بجانب تصفية القضية الفلسطينية، فحشدت مصر الرأى العام الدولى للحفاظ على الحق الفلسطينى وفقًا للتشريعات والقوانين الدولية.

 

 الحشد الدولى ضد تصفية القضية 

 تجلى الموقف المصري فى العمل على الحشد الدولى لتوضيح مفهوم القضية الفلسطينية فى ضوء القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، وذلك على الصعيد الدبلوماسى واللقاءات الثنائية والقمم الدولية، بجانب التنسيق مع الجهات الفاعلة دوليًا لتبنى قرارات لصالح القضية فى مجلس الأمن، والذي أوقفه الدعم الأمريكى والبريطانى والفرنسى المعلن لدعم إسرائيل فى موقفها الحالى، ومحاولة تصوير الأمر بأنه دفاع عن وجودها.

ولكن تمكنت مصر من انتزاع مواقف دولية وإقليمية ومن المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمجلس الأوروبى وجامعة الدول العربية برفض تصفية القضية الفلسطينية والوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة فى حصار وتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم قسريا بوصفها قضية ترقى لقضايا جرائم الحرب، وهو ما ظهر فى قمة القاهرة للسلام واللقاءات والاتصالات الثنائية بين القيادة السياسية ودولة وقادة العالم. 

وجاء الموقف المصري واضحًا، سواء من خلال القرارات الصادرة عن اجتماع مجلس الأمن القومى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم 15 أكتوبر 2023 بالتشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وكذلك من خلال تصريحات الرئيس السيسي المتوالية برفض التهجير وتصفية القضية، ولا سيما خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع المستشار الألمانى أولاف شولتس يوم 18 أكتوبر الذي أكد فيه هذا الموقف. وقال: (إذا كان هناك فكرة لتهجير الفلسطينيين فتوجد صحراء النقب فى إسرائيل).

ذلك علاوة على المواقف الواضحة لوزير الخارجية سامح شكرى، ومنها خلال جلسة النقاش المفتوح رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولى بشأن الوضع بالشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية يوم 24 أكتوبر بأن (حل القضية الفلسطينية ليس التهجير وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى بل إن حلها الوحيد هو العدل بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة فى تقرير المصير والعيش بكرامة وأمان فى دولة مستقرة على أرضهم مثلهم مثل باقى شعوب الأرض؛ فالشعب الفلسطينى لن ينزح عن أرضه بل متشبث بها، ولن تقبل مصر أن يهجر أو أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حسابها والدول بالمنطقة).

هذا بجانب الزيارات المكوكية واللقاءات السياسية للقيادة المصرية على المستوى العربى والإقليمى لاستصدار قرارات موحدة بشأن الحرب فى غزة ومنها خروج قرار من القمة العربية والإسلامية الطارئة المنعقدة فى الرياض فى 11 نوفمبر الماضى، حول دعم الرؤية المصرية فى القضية الفلسطينية وحماية أمنها القومى وضرورة اتخاذ إجراءات دولية ضد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين الفلسطينيين، وما أعقبها من لقاءات ثنائية مع القادة العرب وقادة العالم مثل الرئيس التركى رجب طيب إردوغان، هذا وقد سبق ذلك كلمة ممثل مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، أسامة عبدالخالق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 27 أكتوبر الماضى، واستصدار قرار بشأن ضرورة تبنى هدنة إنسانية لضمان وصول المساعدات الإنسانية، هذا بجانب الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية العرب.

وتنفيذا لقرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة، سافر الوزير سامح شكرى وزير الخارجية ووزراء خارجية السعودية والأردن وفلسطين وإندونيسيا، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، إلى العاصمة الصينية بكين، باعتبار الدور الدولى للصين فى ظل قيادتها لمجلس الأمن خلال الشهر الحالى وتناولت الجولة سبل وقف الحرب فى غزة ومنع التهجير القسرى ووقف أعمال الإبادة الجماعية والعقاب الجماعى الذي ترتكبه السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى وقد أكد (شكرى) خلال هذه الزيارة أن الموقف المصري والعربى القوى الرافض للتهجير كان بمثابة خط أحمر.

هذا بجانب الدور المصري الذي أدى إلى تغير نسبى فى توجهات الدول الكبرى التي أعلنت دعمها للاحتلال الإسرائيلى، وعلى رأسها فرنسا، والتي ظهرت فى تقديم الرئيس الفرنسى مساعدات إنسانية للشعب الفلسطينى بالتنسيق مع الدولة المصرية بجانب الموقف الأمريكى الذي دعم التعاون مع الدولة المصرية لتنفيذ دخول الوقود إلى قطاع غزة ورفض استهداف المنشآت الحيوية، وحديث وزير الخارجية أنتونى بلينكن حول تنفيذ هدنة إنسانية. وصولا إلى إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن بشكل واضح رفضه للتهجير القسرى للفلسطينيين.

ولم تكتف الدولة المصرية بالحشد الدولى للقضية، ولكن عملت على التفاوض بشأن وقف إطلاق النار، والعمل على حل جذور المشكلة واستدامة المساعدات الإنسانية، فضلاً عن جهود الوساطة المصرية للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار وإنجاز اتفاق لتبادل المحتجزين، مع إعطاء أولوية للنساء والأطفال.

خطة التهجير القسرى وهندسة الحيز

(الأبارتهايد) وهندسة الحيز: يعد حث الجيش الإسرائيلى سكان مدينة غزة على التحرك جنوبًا ضمن الخطة الإسرائيلية لنظام (الأبارتهايد) (الفصل العنصرى) الذي تنتهجه ضد الوجود الفلسطينى، والذي يقضى بالتفوق الإسرائيلى فى المنطقة التي تحددها داخل الخط الأخضر وفى الضفة الغربية وشرقى القدس وقطاع غزة، مقررة أن يعيش المستوطنون الإسرائيليون فى حيز متصل، فالمواطنون اليهود المقيمون فى الأراضى الواقعة بين النهر والبحر يديرون حياتهم خلال حيز واحد، مع استثناء قطاع غزة، فيما يعيش الفلسطينيون فى جيوب منفصلة لا يتمتعون بالحق فى الإدارة أو الحق السياسى فى ظل خطة إسرائيل لهندسة الحيز الفلسطينى لفصل الشعب عن بعضه البعض ديموجرافيًا وسياسيًا، ولكى تقوم بهذا الأمر فإنها تستغله عبر سياسة تهويد الأرض والتهجير القسرى. 

 

قانون تهويد الأرض: منذ عام 1948، تحاول إسرائيل تهويد الأرض عبر السيطرة على أكثر من %90 من الأرض الخضراء. 

 

وهو ما قامت به أيضا بعد حرب العرب وإسرائيل فى يونيو 1967 والسيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال إنشاء الأنفاق وإقامة الحواجز التي تمنع حرية العبور وبناء المستوطنات غير المصرح بها دوليا، وذلك عبر تهجير السكان الأصليين، والتي تعد جريمة إنسانية ضد القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة.

 

الحصار والهجرة القسرية 

 

يعيش الفلسطينيون فى الضفة الغربية وغزة فى حصار دائم وفقًا للفصل العنصرى الذي تنتهجه إسرائيل ضدهم: ففى الضفة الغربية يعيش الفلسطينيون فى جيوب منعزلة تحت حكم عسكرى صارم، وكذلك فى قطاع غزة يعيش أكثر من مليونى مواطن فلسطينى فرضت عليهم إسرائيل حصارًًا محكمًا بعيد تمامًا عن أى معايير لحقوق الإنسان، بل حرمت القطاع من أبسط حقوقه وخاصة بعد سيطرة حركة حماس عليه فى عام 2007 بشكل يطال جميع تفاصيل حياة السكان اليومية. 

 

ولم تكن الأحداث التي تلت عملية (طوفان الأقصى) فى 7 أكتوبر والحصار الذي طبقته إسرائيل على قطاع غزة من قطع الإمدادات الأساسية لتجويع وتهجير القطاع هو الأول من نوعه، ولكنها محاولات مستمرة لتفريغ القطاع من سكانه الأصليين لتحقيق الهدف الأكبر فى تهويد الأرض الفلسطينية لصالح اليهود، والقضاء على مبدأ حل الدولتين.

 

وهو ما أدانه خبراء أمميون فى يوليو 2023 فى معرض تعليقهم على سياسة الإخلاء القسرى والتهجير الذي ارتكبته سلطات الاحتلال ضد العديد من العائلات الفلسطينية فى القدس الشرقية، وحذروا من ارتقاء هذه الخطوة إلى (مستوى جريمة حرب) عبر استهداف السكان الأصليين والعمل على ترحيلهم قسريًا، مشددين على ضرورة تراجع إسرائيل عن خطتها الاستيطانية لنزع الطابع الفلسطينى عن المدينة، وانتهاك حق تقرير المصير، وارتكاب جرائم الفصل العنصرى القائم على قانون التمييز الذي تطبقه إسرائيل ضد السكان الأصليين.

 

 النتائج المترتبة على التهجير القسرى

 

 من هذا المنطلق، جاءت الرؤية للمصرية لوقف سيناريو التهجير، واستهداف بناء دولة جديدة للفلسطينيين على حساب دول الجوار، ممثلة فى مصر والأردن، فتستضيف مصر نحو 9 ملايين مواطن أجنبى على أراضيها، دون التعامل بالإجراءات المتبعة عالميًا من وضع اللاجئين فى أطراف الدولة وفى خيام، ولكن تعمل مصر على دمجهم داخل المجتمع المصري، وهو جوهر الاختلاف مع الخطة الإسرائيلية التي تعمل على تفريغ وطمس الهوية الفلسطينية عبر سياسة الأرض المحروقة، وبناء دولة جدية للفلسطينيين بعيدًا عن حدودهم الأصلية بالضغط عليهم بدعوى الحرب ضد الإرهاب، وخلق ممرات آمنة، فيما تمنع وصول المساعدات لمناطق النزاع حتى تم فتح المعبر لعدد شاحنات لا تمثل ربع احتياجات القطاع للوصول إلى تحقيق خطتها المعلنة، والتي يمكن أن يترتب عليها ما يلى: 

 

توسيع رقعة الصراع: كما جاء على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكرى، وممثل مصر فى الأمم المتحدة، وكذلك تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي فى المؤتمر الصحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس؛ إذ إن أى انتقال ونزوح جمالى من القطاع إلى طرفى الحدود سواء إلى سيناء المصرية أو الأدرن، سيترتب عليه نقل الصراع إلى تلك الأماكن.

 

واحتمالية انتقال عناصر مسلحة ستقوم باستكمال عمليات المقاومة عبر الحدود المصرية فى حال تنفيذ الهجوم من سيناء، وهو ما يهدد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والتي جنبت المنطقة صراعا كان من الممكن أن يعصف بالمنطقة.

 

 يضاف إلى ذلك أن مصر هى حلقة الوصل التي أوقفت عمليات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الجنوب، وأمنت خطوطهم التجارية وحركة التجارة البينية ونقل الطاقة، وهو ما دفع قادة ودول العالم إلى التواصل مع مصر للعمل على حل الأزمة الحالية، بوصفها الطرف الأكثر استقرارا وتواصلا مع كافة الأطراف، للحد الذي جعل من وساطتها هى الأكثر تأثيرا بداية من فتح معبر رفح، ثم الإفراج عن السيدتين الإسرائيليتين المحتجزتين لدى كتائب عز الدين القسام وصولا إلى المباحثات الجارية التي وصلت إلى مراحل متقدمة لإجراء تبادل للمحتجزين ووقف مؤقت لإطلاق النار.

 

تصفية القضية الفلسطينية، باعتبار أن الحل المعترف به دوليا هو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 والعودة إلى مبدأ حل الدولتين، وكذلك الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى التي احتلتها فى يونيو 1967، والممثلة فى غزة والضفة الغربية والعودة إلى حدود 4 يونيو. وبالتالى فإن تفريغ الضفة الغربية من سكانها ونقلهم إلى الأردن، وكذلك بنقل سكان قطاع غزة إلى سيناء، سيصفى القضية ويعيدها إلى الحالة الصفرية ويفرغها من مضمونها، هذا بجانب عمليات الإبادة الجماعية التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، تحت غطاء من بعض الدول الكبرى التي تستخدم مصطلحات بعيدة عن الواقع للتغطية على تلك الجرائم وهو ما أكده الوزير سامح شكرى فى لقائه مع نظيره الصينى يوم 20 نوفمبر 2023.

 

وانطلاقًا من ذلك، يأتى الرفض المصري والعربى لعملية التهجير القسرى، وهو ما أكده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى فى جلسة مجلس النواب العامة فى إجابته على عدد من طلبات الإحاطة 21 نوفمبر، بأن تهجير مليونى فلسطينى واستقبالهم كلاجئين سيصفى القضية الفلسطينية من مضمونها، فيما تستهدف الدولة المصرية توطين نحو 8 ملايين مصري فى سيناء حتى 2050 فى ظل أعمال التنمية الحدودية التي تم إعلانها من سيناء، وهو ما يقابله محاولات ضغوط دولية اقتصادية وسياسية على الدولة المصرية لموقفها الداعم للقضية الفلسطينية، والوقوف ضد تصفية القضية. 

 

 ولكن فى المقابل فتحت مصر معبر رفح منذ اليوم الأول لاستقبال المصابين وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بجانب استضافة المستشفيات الميدانية وتلقى المصابين فى المستشفيات المصرية والأطفال المبتسرين والحالات الحرجة.

 

  هذا بجانب قيام مصر بتقديم النصيب الأكبر من المساعدات بين 27 دولة قدمت المساعدات للشعب الفلسطينى، لتوفير الإمدادات اللازمة لعدم تخلى الشعب الفلسطينى عن أرضه فى ظل حملة التطهير العرقى والعنصرى من حصار وتجويع وقتل ترتكبه السلطات الإسرائيلية.

 

ختامًا، تتضح لنا النية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية عبر نقل الصراع إلى دول الجوار، منتهكة كافة الأعراف الدولية، فى ظل دعم أمريكى يرفض الحديث عن وقف إطلاق النار وتصريحات إسرائيلية داخلية تحاول زيادة أمد الصراع إما بالإبادة الجماعية لسكان القطاع أو التهجير القسرى، وهو ما يمكن أن يصل إلى حد التطهير العرقى، والذي يتطلب مواقف أكثر صرامة وعدم التعامل بالمعايير المزدوجة خاصة فى القضايا التي تنتهك حقوق الإنسان التي تيشدق بها الغرب، واتخاذ مجلس الأمن قراراً لإيقاف الهجرة القسرية وخلق ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، مع التعامل مع جذور المشكلة وهى عدم إقامة دولة فلسطينية وعدم تنفيذ مبدأ حل الدولتين حتى الآن.