ضاربة عرض الحائط بكل اتفاقيات السلام بحكومة يمينية متطرفة: خريطة «سيجال».. تكشف خطة إسرائيل للعودة إلى مستوطنات «جوش قطيف»

مرڤت الحطيم
«كلها لنا.. من الفرات إلى العريش».. هكذا كان شعار الحملة الإسرائيلية للعودة إلى مستوطنات قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء والتى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى داخل إسرائيل، وفق تقرير نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل». وتصاعدت حملة العودة إلى مستوطنات جوش قطيف الاسم العبرى لقطاع غزة داخل وخارج الجيش الإسرائيلى؛ حيث بدأ فنانون وحاخامات يروجون فى عروضهم أمام الجنود إلى إعادة السيطرة على القطاع ما يوضح خطابًا منافيًا تمامًا لهدف العملية العسكرية، كما كشفت صور لجنود إسرائيليين فى قطاع غزة وهم يحملون لافتات مكتوب عليها «جوش قطيف، عُدنا!». وتأتى حملة «كلها لنا.. من الفرات إلى العريش» بعد أن كشفت السياسية الإسرائيلية دانييلا فايس إحدى أولى قادة مستوطنات جوش إيمونيم خريطة «سيجال» وهى الخريطة التى تكشف كل مستوطنات اليهود بالأراضى العربية المحتلة.. وذكرت فى مقابلة مع القناة 14 أن غزة ليست وحدها لنا بل كامل الأرض التوراتية الموعودة من الفرات فى الشمال إلى العريش فى مصر، وهو ما يعد دربًا من الجنون سوف يقضى على إسرائيل تمامًا ويمحوها من على وجه الأرض.
ورغم أن فايس عبّرت مبدئيا عن أفكارها الشخصية قالت مراسلة القناة 14 شيرال للوم إن أفكارها وأفكار سيجال تترجم بالفعل إلى أفعال على الأرض وسيتم فى خلال أسبوعين تنظيم مؤتمر لنواة نشطاء الاستيطان بهدف العمل من أجل الاستيطان فى غزة وغيرها- ولم يحدد التقرير ما هو غيرها. كما تم كشف لقطات فيديو تظهر تكريم بن أوليئيل والذى لا يخالف فيها جندى إسرائيلى أوامر الجيش فقط بل يتعاطف فيها أيضًا خلال القتال مع مجرمين قاتلين من قبل الصحفى والناشط من أجل عودة اليهود إلى جبل الهيكل (الحرم القدسى) أرنون سيجال، والذى كتب «هذا هو المكان الذى وقفت فيه وستقف فيه مستوطنة دوجيت.. يا له من فرق رهيب بين القيادة الضالة للجيش والدولة وبين الجنود فى الميدان».
وقال تقرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل إنه فى الواقع يتوافق هذا السلوك للجنود فى الميدان مع سلوك الأحزاب السياسية فى المستوى المدنى؛ حيث سارع سيجال شقيق الصحفى عميت سيجال ونجل الصحفى حجاى سيجال الذى أدين بتهم التسبب فى أضرار جسيمة والانتماء إلى منظمة إرهابية فى الأيام الأخيرة، إلى تسويق العودة إلى جوش قطيف بالألوان البرتقالية التى ميزت الجهود ضد إخلائها قبل عقدين من الزمان ورسم خرائط للاحتلال والاستيطان هناك من جديد. وكشف التقرير أيضًا أنه بعد إثارة قلوب الجنود الإسرائليين بهتافات «عائدون إلى جوش قطيف» و«سنقيم شاطئ نوفا على شواطئ غزة»، وهى نداءات مثيرة للجدل بالإضافة إلى تعارضها مع أهداف الحرب فى غزة، انتقل المُغنى الشعبى الإسرائيلى حنان بن آرى إلى أغنية لا تقل إثارة للجدل: «أذكرنى» والتى تشمل جملة «فانتقم نقمة واحدة عن عينى من الفلسطينيين». وعندما أثارت لقطات تم تسريبها من الحدث عاصفة من الجدل على الإنترنت، وجه معجبو بن آرى وابلاً من الشتائم والتهديدات بالقتل ضد كل من انتقده إلى أن اضطر المغنى النداء إلى تهدئة.
وبعد ذلك بأسبوع أدت المغنية «نركيس» عرضًا أمام الجنود؛ حيث دعت إلى «القضاء على غزة»، وقالت الصحيفة العبرية إنه عادة ما ينأى الجيش الإسرائيلى بنفسه عن هذه الأحداث محرجًا ومن دون إجابات على سؤال ماذا سيحدث فى العرض التالى لبن آرى أو نركيس، وماذا كان سيحدث لو قام مانى مامتارى بأداء عرضه السحرى المثير للاشمئزاز أمام المدرعات فى مناطق تجمع الجنود بدلاً من أمام المحتفلين فى حفل زفاف فى بيت شيمش. وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أكثر صراحة فى إدانة عرض الحاخام عميحاى فريدمان أمام جنود ناحال: «سلوك الضابط الذى يظهر من الوثائق لا يتماشى مع قيم الجيش وأوامره»، وجاء فى الإعلان حول الضابط الذى أعلن بحماس للجنود الذين يخوضون المعركة عن «أسعد شهر فى الحياة»، وتعهد بالعودة إلى غزة ولبنان لأن «البلاد كلها لنا»!، وهو ما يوضح أن الجنون الإسرائيلى قد فاق حدوده ووصل لدرجة أنهم سيسيطرون على العالم كله، ولكن على ما يبدو أن أحلام السياسيين فى إسرائيل قد انتقلت مثل الوباء للجميع من جنود وفنانين وحاخامات.
وجاء فى الرسالة «تم استدعاء الضابط للتوضيح من قبل قادته وسيتم التعامل معه لن يسمح الجيش الإسرائيلى بهذا النوع من الخطاب غير اللائق بين صفوفه فى الروتين أو فى القتال». وأوضحت الصحيفة لكن حتى الآن لم يتم تعليق خدمة فريدمان أو محاكمته رغم كونه رقيبًا فى الجيش وخاضعًا لأوامره. ولكن نظرًا لهذه الرسالة وعروض بن آرى ونركيس من الصعب أن نفهم كيف يمكن للجيش أن يمنع مثل هذا الخطاب غير اللائق بين جنوده وكيف علم بوجوده مسبقًا. وتعليمات هيئة الأركان العامة الإسرائيلية تتضمن تعليمات واضحة على مستوى عالٍ من الدقة فيما يتعلق بما يسمح وما يحظر للجنود والضباط بما فى ذلك الحظر الكامل على النشاط السياسى أو المشاركة فى الاحتجاجات بالزى العسكرى أو العمل الحزبى أو السياسى أو النشاط الذى يقوض الدولة أو الجيش أو التعبير العام عن القضايا السياسية دون إذن الرتب العليا وأكثر من ذلك.
ولم تمنع هذه التعليمات عشرات الجنود من المشاركة الأسبوع الماضى فى سلسلة من الأحداث والفعاليات التى تطالب الدولة بالسيطرة على القطاع وإعادة بناء مستوطنات جوش قطيف، وذلك على الرغم من أن هذه الأهداف ليست من ضمن أهداف العملية كما حددها المستوى السياسى، وعلى الرغم من أن إعادة بناء «جوش قطيف» على عكس الحرب مع حماس هى مسألة سياسية أى يحظر على الجنود من الانخراط فيها.
وبدءًا من ليلة 27 أكتوبر الماضى عندما دخلت الدبابات الإسرائيلية ولواء «جفعاتى» و«جولانى» إلى قطاع غزة صدر سيل من الصور التى تظهر جنودًا يحملون الأعلام الإسرائيلية داخل غزة، أو مُعلقة على بعض المنازل، كاحتلال لمواقع العدو أو الوقوف فى شكل حرف «حيت» حول العلم الإسرائيلى وغناء النشيد الوطنى «هتيكفا». وقام بعض الجنود بتعليق الأعلام على الدبابات وعلقوا لافتات تذكارية لرفقائهم الذين سقطوا فى المعارك فى النقب الغربى ابتداءً من 7 أكتوبر، وهو إجراء مقبول لإحياء ذكرى القتلى وتعزيز الوحدة. لكن بعض الآخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقاموا بتصوير أنفسهم وهم يزرعون شجرة «من أجل نهضة إسرائيل» مع ذكر اسم المستوطن قاتل عائلة دوابشة الفلسطينية عميرام بن أوليئيل، والناشط اليمينى آرييل دانينو المعتقل إداريًا للاشتباه فى ارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين. وقال أحد الجنود: «لقد زرعنا الشجرة هنا من أجل نهضة شعب إسرائيل، وبعون الله سيتم إطلاق سراح جميع أسرى صهيون، آرييل دانينو وعميرام بن أوليئيل. لن ننساكم. أنتم جزء من هذا النضال. نحن لن نتخلى عن أى شخص. الجميع سيصلون إلى النهاية. شعب إسرائيل حى». ويظهر مقطع فيديو أكثر خطورة جنود لواء «بنيامين» وهم يرقصون على خلفية هتافات «لتحترق قراكم»، فيما كان رد فعل الجيش الإسرائيلى مماثلاً تقريبًا: سلوك الجنود لا يتوافق مع أوامر الجيش الإسرائيلى وقيمه.
ويضيف التقرير الذى كتبه أفنير هوفشتاين وطال شنايدر فى صحيفة تايمز أوف إسرائيل والذى يعد إثارة لقلوب الجنود بهتافات «عائدون إلى جوش قطيف» و«سنقيم شاطئ نوفا على شواطئ غزة»، وهى نداءات مثيرة للجدل بالإضافة إلى تعارضها مع أهداف الحرب فى غزة؛ فإن نشر تصريحات من هذا القبيل إلى جانب صور لجنود عدوانيين فى جميع أنحاء العالم سوف يخلق مصاعب لإسرائيل فى المحاكم الدولية، وبالتالى سيعرض كبار القادة العسكريين للملاحقة أيضًا. كلما نمت قناعة الأطراف الدولية بأن الدخول المبرر إلى غزة من أجل القضاء على منظمة إرهابية تهدد وجود إسرائيل يتحول إلى مشروع توسعى للدولة فستتراجع شرعية مواصلة القتال وتحقيق الأهداف. وتساءلت الصحيفة: أين رئيس الوزراء؟ كالعادة، يجلس جانبًا ويرفض تبنّى أى موقف ورغم أنه عَلق عمل الوزير إلياهو؛ فإنه لم يقله ولم يبعده عن التصويت فى الحكومة. وفى مؤتمر صحفى تم سؤال نتنياهو عن استمرار السيطرة على غزة، وكان هناك اتفاق عام بين الحاضرين على أنه سيتعين على إسرائيل فرض حكم عسكرى هناك لفترة طويلة من أجل منع الهجمات ضد المواطنين الإسرائيليين. ولكن عندما سئل نتنياهو عمّا إذا كان يستبعد الاستيطان الإسرائيلى فى قطاع غزة اكفهر وجهه ولم يرد على السؤال. فقال له أحد الحاضرين: «لم نسمع جوابك. نعم أمْ لا؟»، لكن نتنياهو اكتفى بهز رأسه من جانب إلى آخر، دون إعطاء إجابة يمكن سماعها بوضوح ربما لتجنب تسجيله يقول تصريحات تعارضها قاعدته اليمينية.
وجوش قطيف هى مستوطنة كانت موجودة فى قطاع غزة منذ احتلال وحرب 1967 مكونة من نحو 17 مستوطنة وبدأوا فى نشر خريطة جديدة ويريدون استعادة المملكة القديمة وفقًا لهم للملك داوود ملك بنى إسرائيل، وكانت تمتد حتى العريش فى شمال سيناء كما وضحوها على الخريطة، وهذا هو الهدف الحقيقى من العملية البرية وليست فقط كما يزعمون ترحيل الفلسطينيين لسيناء متجاهلين تمامًا كل اتفاقيات السلام، علمًا بأنه فى أغسطس 2005 قام الجيش الإسرائيلى بإخراج 8600 من سكان جوش قطيف بالقوة من منازلهم بعد قرار من مجلس الوزراء وقد هدمت قراهم كجزء من فك الارتباط أحادى الجانب الإسرائيلى من قطاع غزة. وتقع جوش قطيف فى الطرف الجنوبى الغربى لقطاع غزة يحدها من الجنوب الغربى رفح والحدود المصرية ومن الشرق خان يونس ومن الشمال الشرقى دير البلح ومن الغرب والشمال الغربى البحر الأبيض المتوسط. يقع شريط ضيق يبلغ طوله كيلومتر واحد يسكنه البدو الذين يُعرفون بالمواصى على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. تقع معظم جوش قطيف على الكثبان الرملية التى تفصل السهل الساحلى عن البحر على طول معظم جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط.
ولكن إذا عُدنا لخرائط ما قبل الميلاد بألف عام سنعرف فعليًا أن هذه الأراضى كلها كانت تابعة للمملكة المصرية القديمة ولا يوجد أثر نهائيًا لما يطلقون عليها اليوم دولة إسرائيل.