الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حــدود من نار.. الحـــدود الجنـوبيـــة استقبلنا آلاف اللاجئين وخسرنا سوقًا قيمتها مليار دولار ونلتزم بمساعدات إنسانية 200 يوم من الحرب فى السودان!

بعيداً عن أعين العالم وعن عناوين الأخبار، يستمر الصراع فى السودان بالتفاقم. وتتكشف فصول أزمة إنسانية تفوق التصور فى مختلف أنحاء البلاد، بينما يدفع الصراع بعددٍ متزايد من الأشخاص إلى النزوح عن ديارهم إثر احتدام القتال، وقد فتحت مصر أبوابها لدخول السودانيين إلى أراضيها بعد نشوب المعارك بين الجيش السودانى والدعم السريع.



الحرب الحالية ليست مجرد حرب بين طرفين، إنما هى صراع بين قوى مختلفة، أنتجها نظام الإخوان فى إطار حروبه وتكتيكاته السياسية، ورعتها من بعده، قياداته الأمنية، فى سعيها لإضعاف الحكومة الانتقالية ومساعيها للهيمنة والاستيلاء على السلطة، ومحاصرة القوى المدنية.

ومع إكمال الحرب بين الجيش والدعم السريع فى السودان مئويتها الثانية؛ اتسعت رقعة القتال والخسائر والدمار الواسع الذى طال العاصمة الخرطوم وعددًا من المدن الغربية، وسط تشاؤم كبير حيال حل نهائى للأزمة التى أحدثت تغييرًا كبيرًا فى وجه البلاد.

ومنذ اندلاع القتال فى منتصف أبريل وحتى الآن وصلت الخسائر البشرية إلى أكثر من 10 آلاف شخص، وتشريد نحو 8 ملايين إلى مناطق داخل وخارج البلاد؛ واستمر توقف أكثر من 70 فى المئة من النشاط الاقتصادى، واتسعت رقعة الجوع لتطال أكثر من 24 مليونًا من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.

وتسبب النزاع مؤخرًا فى إقليم دارفور بمزيدٍ من حالات النزوح، حيث يعانى الآلاف فى مسعاهم للبحث عن المأوى، ويبيت الكثيرون تحت الأشجار على قارعة الطرق. ينتابنا قلق كبير إزاء عدم تمكنهم من الوصول إلى المواد الغذائية والمأوى ومياه الشرب النظيفة، وأى من الاحتياجات الضرورية الأساسية.

انكماش اقتصادى

اقتصاديًا؛ توقع البنك الدولى انكماش نمو البلاد إلى سالب 12 فى المئة خلال العام الحالى وذلك بسبب تداعيات الحرب التى أدت إلى توقف عجلة الإنتاج فى معظم مناطق البلاد، وهبوطًا حادًا فى قيمة الجنيه السودانى، حيث يتم تداول الدولار الواحد حاليًا بأكثر من ألف جنيه فى السوق الموازية مقارنة مع نحو 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.

وفقدت معظم الأسر السودانية مصدر دخلها لترتفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60 فى المئة وسط شح حاد فى السلع الغذائية.

 ومع تطاول أمد الحرب يتخوف السودانيون من تشكل واقع جديد تصعب السيطرة عليه؛ مطالبين بحلول واقعية تخاطب الأزمة، وتمنع تمددها أكثر بما يهدد وحدة البلاد.

فى تلك الأثناء، تتزايد وتيرة نزوح السودانيين إلى دول الجوار بشكلٍ كبير. ففى تشاد، يبلغ معدل عدد الواصلين حديثاً إلى 700 شخصٍ فى اليوم الواحد. الأسبوع الماضى، كنت فى مدينة الرنك فى جنوب السودان – قرب الحدود مع السودان. وقد شهدت المدينة ارتفاعًا حادًا فى أعداد اللاجئين الواصلين إليها. وخلال الأسبوع الذى قضيته هناك، عبر أكثر من 20.000 شخصٍ الحدود إليها من السودان، وبعضهم من اللاجئين جنوب السودانيين العائدين إلى ديارهم، بينما كان أغلبهم – أى نحو 70 بالمائة منهم – من السودانيين.

يستضيف مركز الإيواء المؤقت – الذى أنشئ لاستقبال 3.000 شخصٍ – نحو 20.000 شخصٍ أغلبهم لاجئون من السودان. وأينما اتجهتم، ستجدون أشخاصًا فى كل مكان، والوضع يتدهور باستمرار. أما حالة قطاع المياه والصرف الصحى، فهى على درجة من السوء قد يتأتى عنها تفشى وباء الكوليرا. لقد قضيت 30 عامًا وأنا أعمل فى هذا المجال، وهذا من أسوأ الأوضاع التى شهدتها.

إن الأرقام مهولةٌ. وبشكلٍ رسمى، فقد عبر أكثر من 362.000 شخص الحدود إلى جنوب السودان منذ بدء الصراع فى السودان. وتبذل وكالات الإغاثة – مثل المفوضية وسواها – قصارى جهدها للمساعدة، إلا أن الاحتياجات تشكل ضغطاً كبيرًا عليها. يصل فريق عملنا الليل بالنهار، إلا أن قدراتنا لا تكفى لمواكبة المتطلبات، ونحن بحاجةٍ ماسة إلى التمويل لتنفيذ خطط استجابتنا.

تغطى خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين الاحتياجات الإنسانية فى الدول المجاورة التى تستقبل اللاجئين من السودان، وهى ممولة حاليًا بنسبةٍ لا تتجاوز الـ39 بالمائة. وقد أطلقنا نداءً للحصول على مليار دولار من التمويل لتغطية عمليات 64 شريكاً فى خمسة بلدان. بالتوازى مع ذلك، ما زال نداء التمويل المنفصل والمخصص للاحتياجات الإنسانية داخل السودان ممولاً بنسبة لا تتجاوز ثلث المبلغ المطلوب، علماً بأنه يسعى للوصول إلى 18.1 مليون شخص ويتطلب تمويلاً بقيمة 2.6 مليار دولار أمريكى.

 اللاجئون فى مصر

على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية تفصيلية صادرة من مصر عن عدد اللاجئين وطالبى اللجوء السودانيين، إلّا أنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) قدرتهم بـ85 ألفاً و995 لاجئًا وطالب لجوء من السودان، و24 ألفاً و701 لاجئ وطالب لجوء من جنوب السودان، بحسب آخر إحصاء للمفوضية فى 2023.

كما قدّرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إجمالى عدد السودانيين المقيمين فى مصر بنحو 4 ملايين سودانى، يتمركز نحو %56 منهم فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية.

وتقدر الجالية السودانية فى مصر بحوالى 110 آلاف و696 سودانيًا لاجئًا وطالب لجوء مسجلًا بالمفوضية السامية للاجئين فى مصر، كما يقيم 4 ملايين سودانى بشكل كامل فى مصر بحسب المنظمة الدولية للهجرة ويعمل 37 % من أعداد اللاجئين المقيمين فى مصر فى وظائف ثابتة وشركات مستقرة.

ووفقًا لوزارة الخارجية المصرية، عبر 16 ألف سودانى الحدود إلى مصر منذ اندلاع الحرب. وتقوم مصر بدورها الدولى فى حماية اللاجئين، وتتعامل بطريقة مختلفة عن عدد كبير من الدول التى تقيم معسكرات لهم، منوهة: «مصر لا يوجد فيها أى لاجئ يعيش فى خيمة، بل على العكس يتم تقديم إليهم جميع الخدمات».

 تأثير اقتصادى

اندلاع الحرب فى السودان له تبعات اقتصادية سلبية على اقتصادات المنطقة وكذا المؤسسات المالية والبنوك متعددة الأطراف المنكشفة عليها.تذهب التقديرات إلى أن الاستثمارات المصرية فى السودان قبل انفجار الأزمة كان يمكن أن توفر لمصر حوالى 250 مليون دولار سنويًا.

ويعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، سيتأثر حجم التبادل التجارى بين البلدين، وهو ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المصرى الذى يعانى بعض الأزمات فى الوقت الراهن.

كما أن أحد أهم التأثيرات على الاقتصاد المصرى هو أن السلع التى تتدفق على مصر من السودان، قد تتوقف أو تقل إلى حد كبير، خصوصًا اللحوم، التى تمثل ركنًا مهمًا فى الواردات المصرية من السودان، بحكم أنها جيدة وأقرب إلى مزاج المصريين، كما أن سعرها معقول إلى حد كبير، خصوصًا فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر فى مجالات كثيرة منها ارتفاع أسعار اللحوم إلى أكثر من الضعف تقريبًا.

 

كما أن السلع المصرية التى تدخل إلى السودان معرضة للتوقف إذا لم تكن قد توقفت بالفعل بسبب الظروف الأمنية.

وطبقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فقد سجّلت قيمة التجارة بين البلدين ارتفاعًا بنسبة 18.2 ٪ عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار مقابل 1.212 مليار دولار عام 2021. وبلغت صادرات مصر للسودان 929 مليون دولار، ووارداتها 504.5 مليون دولار. ويستحوذ السودان على 13.2 ٪ من التبادل التجارى بين مصر وأفريقيا.

وأفادت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى أن امتداد الاشتباكات فى السودان لفترة مطولة هو خطر متزايد وسيكون لديه تأثير ائتمانى سلبى على البلدان المجاورة، وبنوك التنمية متعددة الأطراف المنكشفة على ديون هذه الدول.

وأضافت موديز إنه فى حال تطور الاشتباكات فى السودان إلى حرب أهلية طويلة ودمار البنية التحتية وتدهور الأوضاع الاجتماعية، سيؤدى ذلك إلى عواقب اقتصادية طويلة المدى وتراجع جودة أصول البنوك متعددة الأطراف فى السودان إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة والسيولة.

أزمات مشتركة

ترتبط مصر والسودان بحدود برية يزيد طولها على 1200 كيلومتر، وتوجد عدة معابر حدودية، كما تتوافر وسائل نقل متعددة بين الجانبين تتنوع بين السكك الحديدية وحافلات النقل الجماعى. ونمط الاستجابة المصرية فى مثل هذه الأزمات يميل إلى تغليب الاعتبارات الإنسانية حيث استقبلت مصر الملايين من مواطنى دول عربية وأفريقية، خلال السنوات الماضية جراء اضطرابات سياسية وأمنية عصفت بتلك الدول.

ويرى محللون أن للاضطرابات الأخيرة فى السودان تأثيرًا مباشرًا على أكثر من ملف إقليمى، من بينها أزمة «سد النهضة»، لافتين إلى أن الارتباك السياسى سيضعف أى تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام، الأمر الذى يلقى بمزيد من الأعباء على الجانب المصرى، وتحركاته الدولية والأممية فى الملف.

لكن الصراع فى السودان شأنه شأن دول عربية عدة، مكتوم ومستدام. جانب منه سياسى، وجوانب أخرى عديدة تختلط فيها السياسة بالدين بالاقتصاد بالعرق بالمنافسة بالقبلية والقائمة تجدد نفسها.

وتجدد الصراع هذه المرة يتخذ شكلاً غير مسبوق، حيث العاصمة مركز الاقتتال، والمقاتلون المسلحون المدربون المتقاتلون «الرسميون» يتخذون من المدنيين حلبة للصراع وأرضًا خصبة للاقتتال، وهو ما جعل نزوح وهجرة ولجوء المدنيين أمورًا فى حكم المؤكدة.