السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

(راجعين).. والتعبير عن الأزمة الحقيقية للقضية الفلسطينية

ومازلنا نتحدث فى المقال الثالث على التوالى منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر فى غزة أنه لا يزال هناك ندرة فى قيام السوق الغنائى بعمله من حيث توثيق، أو إدانة ما يحدث، بل إن الأغلبية اختارت بإرادتها الحرة، موقف الصمت، وأن تخرس أصواتها، ولا تعلن مواقفها، ومن يأخذ منهم موقفًا، فيكون هذا الموقف ليس له أى علاقة من أى نوع بعمله الرئيسى كفنان، مطلوب منه أن يمارس مهنته الأساسية، الغناء.



ومن ضمن هذه الأعمال الغنائية «القليلة» التى صدرت بمناسبة هذا الحدث، كان أوبريت (راجعين) بمشاركة 25 فنانًا من الوطن العربي، والحقيقة أن هذا العمل، من وجهة نظري، هو أكثر عمل معبر عن حقيقة الأوضاع المؤسفة التى تعانيها القضية الفلسطينية.

فمع كل خسارة تتعرض لها القضية الفلسطينية نقوم دائما بترديد نفس الشعارات، ونتخذ نفس المواقف، ونغضب نفس الغضب، ولكن فى النهاية لا نحرك ساكناً، وهو ما حدث بالتفصيل فى الأغنية، فى استعارة الشعارات المحفوظة، والتنفيس عن الغضب من أجل التنفيس ولكن بدون هدف محدد.

القائمون على أوبريت (راجعين)، اهتموا بالعناوين على حساب المضمون، فلم يكن هناك أى تناسق من أى نوع فى طرح الفكرة، بل إن العنوان نفسه غير واضح، فما المقصود بالرجوع؟  الرجوع إلى أين؟ إلى حدود ما قبل 1967؟ أم ما بعدها؟

أم الرجوع إلى ما خسرناه بعد ذلك، أم الرجوع للموقف ما بعد اتفاقية «أوسلو»؟ أم الرجوع إلى ما قبل السابع من أكتوبر ودخول المدرعات الإسرائيلية إلى غزة وتمركزها فى بعض المناطق فيها؟ حتى وقت كتابة هذا المقال!

هذه ليست الأزمة الوحيدة فى الأغنية، فهذه أزمة عربية معتادة، نردد الشعارات بشكل عام ومطلق بدون الدخول فى أى تفاصيل، كلنا نريد قطعا تحرير فلسطين، ولكننا لا نعرف كيف، ولا نتفق على الطريقة، وعدم الاتفاق الواقع فى حقيقة الأمر بين الشعوب العربية، تم التعبير عنه بشكل غير مقصود فى أوبريت (راجعين)، فلا يوجد أى ترابط بين ما يقوله أى فنان مشارك فى هذا العمل، وكل منهم يغنى على ليلاه، صحيح أن الغرض المعلن كعنوان، الرجوع، ولكن أحدًا لم يطرح أى رؤية لهذا الرجوع.

قطعاً الفنان غير مطالب بطرح الرؤى السياسية، ولا يجوز أن نحمله أكثر مما يحتمل، ولكن عدم اتفاق المجتمع العربى بأكمله على طريقة الرجوع، فلذلك لم يتفاعل الجمهور بالشكل الأمثل مع هذا العمل الفنى الذى تطرق لطرح هذه الفكرة بشكل عام.

من وجهة نظر شخصية، كنت أتمنى أن يقوم كل فنان من الـ 25، بتقديم أغنية بمفرده يشرح فيها وجهة نظره بشكل تفصيلى بدلأ من هذا الزخم العددى غير المعبر عن أى جودة فنية.

كنت أتمنى أن يتم توثيق المجازر الوحشية التى يقوم بها العدوان الصهيونى المحتل بقصص إنسانية يفهمها العالم لكى يتعاطف مع قضيتنا، فمن المؤكد أن المواطن الأجنبي، سيتأثر عندما يسمع عن أحوال الأطفال الذين يستنشقون الفسفور، ويموتون تحت الأنقاض، والأجنة التى أزهقت فى أرحام أمهاتهم.

كنت أتمنى أن نرى أغانى تصف معاناة المواطن الفلسطينى المحاصر والمحروم من الحصول على أبسط متطلبات الحياة من غذاء وماء وكهرباء ووقود، بل يفتقد للحياة نفسها.

هذه المشاعر لا تحتاج إلى ثقافة سياسية كى يتم التعبير عنها، بل تحتاج فقط إلى إبداع فنى مصنوع «بهدوء» بدون حماسة أو غضب، أو اختيار الطريق الأسهل بالحديث عن الموت فى سبيل الوطن، والاستشهاد من أجل القضية، أو الصلاة فى المسجد الأقصى، وما إلى ذلك من معانى لا يفهما أغلبية المواطنين الأجانب الذين لا يشتركون معنا فى هذا الهم «الخاص»، ولكنهم يفهمون الهم الإنسانى الطبيعى غير المؤدلج بأى أفكار دينية، سياسية، وما إلى ذلك!

وللتأكيد على ما نقول، دعونا نحسب عدد التظاهرات التى خرجت فى الدول الأجنبية تضامناً مع فلسطين، بعد الهجمات الوحشية التى قام بها العدو، ووثقتها وسائل التواصل الاجتماعي، ونقارنها بحجم الاهتمام الدولى بعد أحداث السابع من أكتوبر قبل الرد الإسرائيلى المتوحش، سنجد أن المقارنة لا تجوز أساساً! 

الشعوب هى التى تحرك حكوماتها، ولذلك من المهم، بل من الضروري، أن نستغل قوتنا الناعمة فى التأثير على الغير، ويجب ألا نعتاد على مخاطبة أنفسنا، ونقوم باختيار المواضيع التى سنطرحها فى أعمالنا باللغة التى يفهمها العالم غير المنشغل بصراعاتنا الأيديولوجية السياسية الدينية مع المعسكر الصهيونى! وهذا الجانب حتى الآن غائب عن أغانينا المتعلقة بالأحداث!